سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
لجنة المنوني اصطدمت بمطبات هوية المملكة ومدنية الدولة وبمعارضة الإسلاميين معتصم واجه مقاطعة وانسحابات هيئات سياسية ونقابية والتحكيم الملكي أنقذ مشروع الدستور
لم تكن طريق ال 19 عضوا من أعضاء اللجنة الاستشارية لمراجعة الدستور برئاسة الفقيه الدستوري، عبد اللطيف المنوني، وهم يعدون مسودة أول دستور في عهد الملك محمد السادس، مفروشة بالورود إذ واجهتهم مطبات تخص بالأساس «الاختيار المجتمعي المغربي» كادت أن تنسف عملها، بعد أن هدد أعضاء فيها بالانسحاب من اللجنة. وبحسب ما تسرب من أخبار عن أشغال اللجنة، التي ضمت قانونيين وأساتذة علوم سياسية وقضاة وناشطين وحقوقيين، فإن تهديد أعضاء فيها خاصة ممن يحسب على «الحداثيين»، كان مبعثه الجدل الذي دار داخل لجنة المراجعة، ولجنة الآلية السياسية للتشاور حول تعديل الدستور، بخصوص هوية المملكة ومدنية الدولة، وترسيم اللغة الأمازيغية. ولم يخف أعضاء في اللجنة امتعاضهم بعد أن وجدوا عددا من المقتضيات الدستورية التي تضمنتها المسودة المسلمة للأحزاب السياسية والمركزيات النقابية، قد طالتها تعديلات ثلاث ساعات قبل الخطاب الملكي 17 يونيو، من طرف المستشار الملكي محمد معتصم، نتيجة الضغوطات التي مارستها حركة التوحيد والإصلاح، وتهديدات عبد الإله بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، وتصريحات امحمد الخليفة، القيادي الاستقلالي. وفيما كشف محمد الطوزي، عضو اللجنة وأستاذ العلوم السياسية بكلية الحقوق بالدار البيضاء، أن التحكيم الملكي هو الذي أنقذ مشروع الدستور من تراجعات كانت ستتم بالجملة تجاه المسودة الأولى للدستور المسلمة بادئ الأمر إلى الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية، لم يتوان عبد اللطيف المنوني، رئيس اللجنة عن الإقرار بوجود صعوبات اعترضت عمل لجنته، معتبرا في حوار صحافي أنه «من الطبيعي أن تكون هناك صعوبات في أي عمل جاد ومعمق ولديها طموح حقيقي، فاللجنة كانت مكونة من أشخاص ينتمون إلى آفاق مختلفة بحكم تكوينهم ومسارهم، وهو ما شكل عنصر غنى داخل اللجنة، لكنه كان يضع بعض الصعوبات أمام عملها». وبحسب المنوني، فإن اللجنة اشتغلت بكامل الحرية في إطار الخطاب الملكي والمشاورات مع لجنة المتابعة، لكن تلك الصعوبات تم التغلب عليها بفضل تجند أعضاء اللجنة الذين كانوا يشتغلون بمعدل 9 ساعات يوميا، محفزين بخدمة المصلحة وبالتشريف الذي خصهم به الملك، مشيرا إلى أن 98 في المائة من القرارات داخل اللجنة قد تم اتخاذها بالإجماع. وحول الاختلاف المثار بين النسخة التي سلمت إلى الملك بمدينة وجدة والنسخة الحالية التي عرضت على الاستفتاء اعترف المنوني بوجود ذلك الاختلاف لكنه وصفه بالطبيعي، قائلا«لا ينبغي أن ننسى بأننا لجنة استشارية ودورنا هو إبداء الاقتراحات، وكون بعض الاقتراحات قد تعرضت للتعديل يدخل في إطار قواعد اللعبة، كما أنه لا ينبغي أن ننسى بأن اللجنة كانت تعمل بتوافق مع الآلية السياسية للمتابعة التي تضم جميع المكونات السياسية والمركزيات النقابية الأكثر تمثيلية، وهذه الآلية كانت تعبر عن آراء أحيانا حول عدد من القضايا المهمة، وهي آراء مختلفة عن آرائنا، وهذه النقاشات داخل آلية المتابعة أفرزت مقترحات مختلفة عن مقترحاتنا». ويرى عمر بندورو، أستاذ القانون الدستوري، أنه «لم يكن ينتظر الشيء الكثير من اللجنة»، بالنظر إلى عوامل عدة من أهمها أن «طريقة تشكيلها لم تقم على أسس ديمقراطية، فهي تفتقد إلى الشرعية الديمقراطية إذ لم يتم انتخاب أعضائها، كما تفتقد إلى التمثيلية، حيث لم تمثل فيها الأحزاب السياسية والمنظمات الحقوقية وجمعيات المجتمع المدني، هذا دون أن نغفل معطى أساسيا يتعلق بأن أغلبية أعضائها هم من المحافظين. هذا دون نسيان أنها مجرد لجنة استشارية تخضع لأوامر القصر، ولا تقوم إلا بتقرير ما يجب تقريره بناء على الأوامر والتعليمات». ومن الانتقادات التي يوجهها بندورو إلى لجنة المنوني فضلا عن افتقادها للشرعية الديمقراطية والتمثيلية، وكونها مجرد لجنة استشارية، أن «عملها كان سريا وغابت عنها الشفافية، إذ أن المواطن المغربي لم يعرف منهجية عملها ولا الكيفية التي تعاملت بها مع المقترحات التي تقدمت بها الأحزاب وفعاليات المجتمع المدني. وأعتقد أن كل العناصر، التي أوردتها سابقا، تجعل لجنة مراجعة الدستور فاقدة للمصداقية». بالمقابل، يرى محمد زين الدين، أستاذ القانون الدستوري، أن ما ميز تركيبة اللجنة أن أعضاءها 19 كلهم مغاربة، فلأول مرة تتم مغربة صياغة الدستور المغربي مقارنة مع الدساتير التي سبقته، حيث كان يتم صياغتها من قبل فقهاء دستوريين فرنسيين من طينة موريس دوفيرجيه ، ميشيل روسي ... كما تم الاعتماد على مقاربة تشاركية بالرغم من المؤاخذات التي اعترت بعض مراحل هذه المقاربة، إذ تم إشراك أغلب الأحزاب السياسية والنقابات، وحتى المجتمع المدني، حيث وصل عدد الأحزاب السياسية والنقابات التي تم الاستماع إليها إلى حوالي 100 هيئة فيما وصل عدد المذكرات الدستورية الإصلاحية إلى 185 مذكرة إصلاحية، وقد تمت الاستجابة للعديد من مطالب هذه المكونات وبنسب كبيرة. وبرأي زين الدين، فإن عمل اللجنة كان نتاجه «دستورا توافقيا، فجل الأطراف السياسية والمجتمعية وجدت جانبا مهما من مطالبها في صلب هذه الوثيقة الدستورية. وبالرغم من الاكراهات المتعددة التي واجهت هذه اللجنة، حيث وجدت نفسها محكومة بتوازنات سياسية جد معقلنة، وهو يفسر التعديلات الجوهرية التي طرأت في اللحظات الأخيرة على مسودة مشروع الدستور إلى جانب ضيق الحيز الزمني، فإنه يمكن القول وفقا للمصدر ذاته، أنها تمكنت من صياغة وثيقة دستورية متقدمة شكلا ومضمونا، فمن خلال قراءة أولية لمشروع الدستور الحالي نسجل تغييرا كبيرا وجذريا على مستوى الهندسة الدستورية انطلاقا من التصدير إلى الأحكام الانتقالية، فهناك تحولات جذرية شملت الهندسة الدستورية المغربية برمتها ليس فقط الإطار الشكلي. وفي الوقت الذي ينتظر أن يماط اللثام عن العديد من الحقائق بخصوص أشغال لجنة المنوني، في حال نشر محاضر أشغال اللجنة ومداولاتها ومداخلات أعضائها، لم تكن مهمة المستشار الملكي بالسهلة، وهو يشرف على عمل لجنة الآلية السياسية التي ضمت في عضويتها زعماء الأحزاب السياسية والمركزيات النقابية، بعد أن واجه في بداية عمل اللجنة مقاطعة الحزب الاشتراكي الموحد، بسبب اعتراضه على طريقة اشتغال اللجنة التي اعتبرها «غير متلائمة وطبيعة المرحلة التي تعيشها البلاد اليوم في ظل وجود مطالب واضحة، ولا منتجة لوضع معالم دستور مغربي جديد يحترم المواصفات الكونية للدساتير الديمقراطية ويستجيب لتطلعات الشعب المغربي التي قادها شباب 20 فبراير وتم التعبير عنها في المظاهرات والفعاليات التي عرفتها مناطق المغرب المختلفة». كما اصطدم معتصم وعمل اللجنة يشرف على الانتهاء، بانسحاب هيئات سياسية ونقابية (الطليعة الديمقراطي، الاشتراكي، المؤتمر الوطني الاتحادي، نقابة الكونفدرالية الديمقراطية للشغل) من الاجتماع ما قبل الأخير للجنة احتجاجا على عدم احترام اللجنة المكلفة بتعديل الدستور لمنهجية الاشتغال المتفق عليها، بعد أن أصر معتصم على تقديم المنوني عرض شفويا لمضامين دستور 2010 وعدماا تسليمها مكتوبة.