اقترنت فضائيات عربية بشعارات «كبيرة» طنانة، مثل «الرأي والرأي الآخر»، وهو شعار قناة «الجزيرة»، أو «الدقة والتميز» شعار قناة «العربية».. لكن الأحداث الأخيرة في العالم العربي جعلت مجموعة من المهنيين عبر العالم ينتبهون إلى حقيقة الانحياز الكامل لهذه الفضائيات، التي كانت تغطي سير الأحداث، كاشفة، في الوقت نفسه، طبيعة الأجندات السياسية التي كانت توجه الخطاب الإعلامي لكل قناة، وخاصة التباين الشاسع في نقل حقيقة الأحداث بين دولة وأخرى. فيما يذهب بعض المراقبين، في تحليلاتهم، إلى كون أغلب الفضائيات العربية مارست سياسة مزدوجة في تعاملها، بعد أن قامت بالتعتيم على حركة الاحتجاجات في البحرين والسعودية، من جهة، واتسم خطابها الإعلامي بالتحريض وتأجيج العنف، من جهة أخرى، أثناء تغطيتها أحداث مصر وتونس واليمن وسوريا... وقد أظهر استطلاع للرأي، أجراه مركز الدراسات العربي -الأوربي، ومقرّه باريس، أن الفضائيات العربية لا تتعامل بموضوعية مع ما يجري من أحداث في العالم العربي. ورأى 90.3٪ من الذين شملهم الاستطلاع أن الفضائيات العربية الإخبارية انتقلت من كونها «مصدر معلومات» إلى «محرك ثورات»، في كثير من الأحيان. أما 6.8٪ فذهبوا إلى أن معظم الفضائيات العربية تعاملت بموضوعية مع ما يجري من أحداث في العالم العربي وإلى أن الفضائيات المستقلة منها تعاملت مع الأحداث بنوع من الاستقلالية والموضوعية، بينما اعتبر 10.1٪ أن الإعلام سلاح ذو حدين: «إما لك وإما عليك». وخلص المركز إلى نتيجة مفادها أن تطورات الأوضاع في العالم العربي أثبتت انعدام وجود إعلام حر ومستقل، خصوصاً الفضائيات، لأن كل وسائل الإعلام العربية «تابعة» مالياً وسياسياً إلى جهة معينة وأنه لا توجد مؤسسات إعلامية عربية ذاتية التمويل والتوجه. وعندما تكون وسائل الإعلام خاضعة لوصاية مالية وسياسية لجهة معينة فهي، بالتالي، خاضعة مهنياً للجهة نفسها، وهذا ما يجعلها تلقي الأضواء على حدث معيّن وتعمل على تغييب حدث آخر، حسب ما تقتضي «المصالح»... من جهتها، انتقدت صحيفة «واشنطن بوست»، الأمريكية، تغطية قناة «الجزيرة»، الفضائية القطرية، الثورات، التي اندلعت في الدول العربية، وأكدت أن القناة القطرية، التي نالت «إشادة» على تغطيتها المكثفة أحداث الثورات العربية، توشك أن تفقد مصداقيتها بين طوائف العالم العربي، بسبب تغطيتها أحادية الجانب لبعض هذه الأحداث. ونقلت الصحيفة، عن بعض النقاد، وقوف «الجزيرة»، بوضوح، إلى جانب التظاهرات، لكنْ في البحرين تظاهرت القناة في نقلها لتطورات الأحداث هناك ب«الحيادية»، في حين كانت «تدعم» النظام البحرينى، وهذا النهج المتناقض جذب الانتباه، مؤخرا، إلى علاقات «الجزيرة»، الوثيقة بالحكومة القطرية، التي تمتلك هذه القناة ذائعة الصيت، وعزز أيضا الاتهامات بكون قناة البث الإذاعي يتم استخدامها ك«أداة» تخدم السياسة القطرية الخارجية، الطموحة. وأوضح النقاد أنه بينما تقترب التظاهرات من معاقل القناة، تتعرض استقلاليتها في نقل تطورات الأحداث للخطر. ورغم دعمها بعض التظاهرات ضد بعض أنظمة الحكم العربية طويلة الأمد، فقد بدا واضحا أن الشبكة الإخبارية ورئيسها غيّرا من «خططهما»، عندما تعلق الأمر ب«تهديد» مملكة أخرى في الخليج العربي. في السياق ذاته، أطلت الإعلامية السورية لونا الشبل، المستقيلة من قناة «الجزيرة»، على شاشة التلفزيون السوري من خلال برنامج «لقاء خاص» والذي اتهمت فيه قناة «الجزيرة» بخيانة الأمانة الصحافية وبأنها «تلفّق» الأخبار التي تبثها حول الأحداث في سوريا. وقالت الشبل، في البرنامج، إن هناك مخططا للإطاحة بنظام الأسد منذ فترة إدارة الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش -الابن، مدعية أنَّ دول الخليج خائفة من الحلف الإيراني -السوري وتموِّل وسائل الإعلام الموجَّه لنسف هذا الحلف. وشككت الشبل، أيضا، في مصداقية التقارير المصورة والأخبار التي تنقلها «الجزيرة» حول سوريا، معتبرة أن الحرفية الإعلامية للقناة تراجعت وأنها تخدم «مخططات الإطاحة بالنظام السوري». وأشارت الإعلامية إلى أن هذا المخطط كُتب عنه في العديد من الصحف والقنوات العربية والغربية وورد في بعض الكتب، وأبرزها «كتاب المحافظون الجدد»، حيث يقام على دعم المعارضين المحلِّيين في أي دولة لإسقاط النظام الذي يُعتقَد أنه قد يضرّ بمصالح أمريكا وإسرائيل، مشيرة إلى أن الموضوع لا يقتصر على «الجزيرة» و«العربيَّة» و«الشَّرق الأوسط» و«الحياة»، لأنَّ المخطط أكبر بكثير، وهو مكشوف حتى في كتب غربية صدرت منذ سنوات، وبعضها صدر بعد عهد بوش ورايس. كما تناولت الشبل، في حديثها، وثائق «ويكليكس»، الخاصة بقناة «الجزيرة»، والتي أكدت أن وزير الخارجية القطري ورئيس الوزراء عبّر عن اهتمام قطر بإزاحة النظام المصري، على أنْ تلعب «الجزيرة» دورا هاما في هذه العملية، طبقا للوثائق. وذكرت الشبل أن العديد من الصحف ووكالات الأنباء تتعامل مع وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية وأن وبعض موظفي تلك الصحف والوكالات هم «جواسيس يتخذون الصحافة غطاء ويتخفون حول صفة المحللين السياسيين». كما قالت الشبل إن «قناة «الجزيرة»، التي دخلتُها منذ سنوات هي غير قناة «الجزيرة» الموجودة حاليا»، مشيرة إلى أن ميثاق الشرف الموجود في القناة لا يُعمَل به حاليا، بل إن الأمور تسير وفق أجندات سياسية تفرضها «مخططات إعلامية»، وما تقوم به «الجزيرة» هو عمل ممنهج وتم في مصر وليبيا والسودان...