في عيادته الخاصة في مدينة الرباط، استقبلنا الدكتور «عبد القادر» (اسم مستعار)، أحد أطباء التوليد ومعالجة العقم. رحّب بنا في مكتب عيادته البسيطة ووافق على الحديث إلينا عن شروط إجرائه عمليات الإجهاض السري. أكد هذا الطبيب، الذي رفض كشف اسمه، ل«المساء» أنه يقوم بإجراء ثلاث عمليات إجهاض كمعدل يومي. لكن الدكتور شفيق الشرايبي، رئيس الجمعية المغربية لمحاربة الإجهاض السري، يعتبر أن هذا المعدل يبقى ضعيفا، لأن بعض الأطباء يُجْرون أكثر من سبع عملية إجهاض يوميا. معدل كبير لعمليات طبية غير قانونية، يرجعه المراقبون إلى ظهور «سماسرة» وأطباء اغتنوا بفضل عمليات الإجهاض السري، التي يُجرونها لفتيات وقعن في فخ الحمل نتيجة اتصال جنسي غير محمي. لكنْ، هل يعتبر هؤلاء الأطباء أن ما يقومون به هو، فعلا، «سمسرة»؟. الجواب الذي جاء على لسان الطبيب عبد القادر ينفي هذا الأمر ويضيف قائلا: «أنا أتعامل مع حالات الإجهاض كأي حالة طبية ترِد على عيادتي، والسيدة التي ترغب في الإجهاض مثلها مثل جميع المرضى»... هذه العمليات الطبية يعاقب عليها القانون، لكن «القانون لا يكون دائما صحيحا، بل يمكن أن يكون متجاوزا»، يقول هذا الطبيب الذي يشتغل في هذه المهنة منذ أكثر من عشر سنوات. «هي قوانين، حسب بعض الأطباء، أصبحت متجاوزة ويجب أن تواكب تطور المجتمع المغربي، لا ينبغي العمل بقوانين متواجدة منذ أكثر من خمسين سنة»، يقول شفيق الشرايبي، الذي يواصل معركته من أجل تقنين الإجهاض، على الأقل، في بعض الحالات. «أطباء لا يتعاطون سوى للإجهاض السري» الدكتوران الشرايبي وعبد القادر وآخرون اعتبروا أن الوقت قد حان لتغيير القوانين فعليا، لكن استمرار تشدد القانون المغربي بخصوص الحالات التي يمكن فيها القيام بالإجهاض وتخصيصه عقوبات حبسية صارمة في حق الطبيب، خاصة في حالة وفاة الأم، ساهم في انتشار أطباء مختصين في الإجهاض السري. «هناك أطباء مختصون في الإجهاض ولا يتعاطون لشيء غيره»، يقول الدكتور الشرايبي، الذي ما فتئ يردد أن حل مشكل الحمل خارج مؤسسة الزواج لا يجب أن يكون من خلال القوانين الزجرية، ولكن من خلال التوعية وسن قانون يبيح الإجهاض في حالات معينة، خاصة في حالة الاغتصاب أو زنا المحارم أو المرض العقلي، وكذا تشوه الجنين، «لكن لا حاجة إلى دراسة لمعرفة أن الإجهاض شائع في المغرب»، يقول الطبيب عبد القادر، فالأزواج الشباب المتزوجون حديثا أو الذين يعانون مشاكل مادية أو حتى السيدات المسنات، هم من زبائن هذا الطبيب، الذي ليس بحاجة إلى إشهار أو حتى دعاية، فالغالبية العظمى من الفتيات اللائي يرغبن في الإجهاض يعرفن إلى أين يتجهن، أطباء كمشاهير السينما والإعلام. «أسماء مثل هؤلاء الأطباء تنتشر في صفوف الباحثين عن حل كالنار في الهشيم»، تقول مريم، التي كانت إحدى زبونات هذا الطبيب، وتواصل حديثها مفسرة «اسم هذا الطبيب معروف لدى الفتيات اللواتي أعمل معهن، لأنه يقبل إجراء مثل هذه العمليات وبأثمان منخفضة مقارنة مع أطباء آخرين». فمريم ومجموعة من صديقاتها قمن بإجراء عمليات إجهاض لدى هذا الطبيب، بل إن البعض منهن قام بالعملية أكثر من مرة. كلفة عملية الإجهاض قد تصل إلى 15 ألف درهم عمر جنين مريم، رغم تجاوزه الشهر الأول، فإن الطبيب لم يطلب منها سوى مبلغ 1000 درهم من أجل الإجهاض، ويرجع عدم انتباه مريم إلى حملها إلا بعد مرور أكثر من شهر ونصف إلى أنها حاضت في الوقت المحدد. هذا الثمن المنخفض، مقارنة مع لائحة أطباء آخرين، يرجعه الدكتور الشرايبي، الاختصاصي في أمراض وجراحة النساء وعلاج العقم ورئيس مصلحة الولادة بمستشفى الليمون بالرباط، إلى عدد العمليات التي ينجزها بعض الأطباء. «الطبيب قد يطلب 1000 درهم إذا كان يجري أكثر من خمس عمليات يوميا، في حين أن البعض يطلب 8000 درهم للعملية الواحدة»، يقول الشرايبي، الذي تابع حديثه قائلا: «لكن قد تصل كلفة عملية الإجهاض في بعض الحالات إلى 15 ألف درهم». عدد الحالات الواردة ليس العامل الوحيد الذي يتحكم في تفاوت أثمان مثل هذه العمليات، «إذا تم الإجهاض في مكتب أو عيادة، أو إذا كان يتطلب التدخل الطبي تخديرا كليا أو جزئيا، هي محددات الثمن الذي أتقاضاه جراء العملية....»، يقول الطبيب عبد القادر، ويضيف «لكني أبدي مرونة في الثمن حسب الوضعية الاجتماعية للفتاة والشاب». هذا الطبيب أصبح متمرسا في الإجهاض عن طريق الامتصاص «aspiration»، لكنه لا يلجأ إلى الإجهاض كأول حل في حال استقبال سيدة تعبر عن شكها بحدوث حمل غير مرغوب فيه. «أحاول إقناع مرضاي بالعدول عن فكرة الإجهاض، وأمنحهم مهملة يومين للتفكير»، يقول الطبيب الأخصائي في أمراض النساء ومحاربة العقم، لكن أغلب السيدات يخترن الإجهاض، إلا في حالات السيدات المتزوجات، أما جميع العازبات فيخترن طريق الإجهاض»، يضيف هذا الطبيب متحدثا عن قرارات زبنائه تجاه إجهاض الجنين. «سوق» مربح رغم أن الهاجس الطبي يكون حاضرا خلال عمليات الإجهاض، فإن الجانب المقاولاتي يكون حاضرا أيضا لدى البعض من الأطباء... الدكتور عبد القادر واحد من بين هؤلاء، لذلك فإنه حدد تعريفة معينة لكل تدخل طبي يقوم به، «أنا طبيب، لكني ملتزم بدفع تكاليف العمال والكراء وصيانة الآلات». ثمن الاستشارة الطبية التي يقدمها الطبيب لا تكلف أكثر من 200 درهم ولا تقل عن 100 درهم، أما ثمن عملية الإجهاض، فلا ينزل هو الآخر عن 1000 درهم، «في الحالات التي يكون عمر الجنين غير كبير أطلب مبلغ 1500 درهم، لأني أعرف بأن المرضى سيطلبون خفض الثمن إلى 1000 درهم». إلى جانب ثمن الاستشارة الطبية، تنضاف مصاريف الكشف باستخدام الرنين المغناطيسي أو حتى تحليل البول. وبالرغم من أن هذا الإجهاض يجري بناء على خبرة طبية، فهذا لا يعني أن ظروف إجرائه تكون سليمة، فبعض هذه العمليات قد تعرف حدوث وفيات، وقد تتعرض بعض الفتيات، خلالها، إلى مضاعفات صحية خطيرة بسبب إجراء هذه العمليات بشكل سري في عيادات لا يتوفر بعضها على كامل الأجهزة الطبية المطلوبة، «أنا أحترم الظروف الطبية، لكن هناك أطباء لا يحترمونها»، يقول الطبيب عبد القادر. أما سميرة فتقر بأنها أجرت عملية إجهاض في عيادة أحد الأطباء دون أن يقوم بتخديرها. وبالنسبة إلى المشكل الآخر المطروح، فيخص ظروف الكشف عن الحمل وحتى تلك التي ترافق عملية الإجهاض، والتي تختلف بين الإجهاض الذي يوافق عليه القانون وبين الذي يمنعه تحت ذريعة العقوبة الحبسية، حيث تصل العقوبة في جريمة الإجهاض في حالة وفاة الأم إلى 20 سنة. «في حال إجراء إجهاض قانوني نقوم بمجموعة من الفحوصات للتأكد من عدم إصابة السيدة بأي مرض قد يساهم في حدوث مضاعفات أثناء التدخل الطبي، وهو الأمر الذي يصعب في حال الإجهاض السري»، يقول الدكتور عبد القادر، بابتسامة خبيثة، قبل أن يضيف بلغة موليير «نضطر إلى الاشتغال بالآليات الممكنة والمتوفرة». حبوب منع الحمل في الطوارئ: سوق جديدة للإجهاض تساهم الرغبة في إنهاء حمل غير مرغوب فيه في خلق سوق للإجهاض تدر أموالا مهمة على ممتهنيها، فحبة منع الحمل التي تستعمل في حالات الطوارئ، حققت، ومنذ بداية تسويقها بالمغرب، أرقاما مهمة، فخلال ثلاثة أشهر من تداولها في السوق المغربي تم بيع أكثر من ألف نسخة. حبة الدواء هذه، والتي يمكن أن تؤخذ بعد الاتصال الجنسي «لا بيلول دودمان la pilule de Demain»، وبعد مباشرة بيعها في الصيدليات المغربية، تحولت إلى حل سحري للفتيات اللواتي يخشين الحمل بسبب قيامهن باتصال جنسي غير محمي في الأيام التي تعرف الخصوبة. إنه أول دواء تم الترخيص لبيعه بالصيدليات منذ قدوم ياسمينة بادو إلى وزارة الصحة، بالرغم من أن أصوات الأطباء والمدافعين عن حق المرأة في امتلاك جسدها ظلت تطالب بتسويقه منذ سنة 1999، لكن الجميع انتظر إلى غاية 2008، حيث ستتم الاستجابة لهذا الطلب. وانضمت ساعتها هذه الحبة إلى موانع الحمل المتواجدة في السوق الصيدلي المغربي، لكنها، وعلى عكس حبوب منع الحمل التي تستخدم بشكل يومي، فإن هذه «الحبة السحرية» تستعمل في الحالات المستعجلة، خلال 72 ساعة التي تلي الاتصال الجنسي. وتعمل هذه الحبة، التي تباع بحوالي 100 درهم للحبة، كحبوب الحمل العادية، حيث تمنع تخصيب البويضة أو حتى تثبيت البويضة المخصبة، لكنها لا تمنع الحمل إذا ما تم تثبيته فعلا. لكن هذه الحبة التي تمت مباشرة بيعها في صيدليات المملكة منذ 2008، مازالت تثير حفيظة البعض، معتبرين أنها جاءت لتشجيع تحرر النساء جنسيا، وهو ما يؤكده محمد، بقوله إن المرأة المتزوجة تقبل على حبوب منع الحمل العادية، في حين أن دنيا، فتاة متزوجة، تؤكد أنها تستخدم هذه الحبة السحرية في الحالات التي يحدث فيها اتصال جنسي غير محمي، خاصة أنها تستخدم حبوب المنع العادية التي تسبب لها مجموعة من الأعراض الجانبية. نظريا، هذه الحبوب لا تباع إلا عن طريق وصفة طبية، في حين تدعو منظمة الصحة العالمية إلى بيعها بدون وصفة طبية. ولكن، نظرا إلى أنه يجب أن تؤخذ الحبوب في غضون 72 ساعة بعد الاتصال الجنسي، وإلا لن تكون ذات مفعول، كما أنه يصعب إيجاد الوقت اللازم للحصول على موعد مع طبيب من أجل استصدار وصفة طبية، فهو الأمر الذي يعتبره الأخصائيون أمرا لا يتفق مع مبدأ حبوب منع الحمل في حالات الطوارئ، لذلك فإن مجموعة مهمة من الصيدليات تكون أقل تشددا في هذا الجانب، وتبيع هذه الحبوب بدون وصفة طبية.