«إنه لاعب ذكي في التشكيلة النهائية للمنتخب الوطني».. هكذا كان المدرب الرائع، هداف المونديال على مر الأزمنة جوست فونتين يقدّم التعريف الكامل لوسط الميدان المتألق عبد الإله مرزاق.. اللاعب الذي شكّل، رفقة جيله من لاعبي شباب المحمدية، فريقا نموذجيا يستحق الإشادة.. كان مرزاق يختال في القميص رقم 10 ويحول، رفقة فرس واعسيلة والحدادي، «ملعب البشير» إلى قطعة تلتهب متعة وفرجة.. ازداد مرزاق في مدينة القنيطرة سنة 1957، وبعد سنة واحدة، انتقل، مع أسرته، إلى مدينة الدارالبيضاء، التي استقر فيها 12 سنة، قبل أن يلتحق بمدينة المحمدية. كان الصغير، يومها، يعشق الكرة. تفجّرتْ لديه مواهب كروية وفضل، ساعتها، أن يراقب من خلف الأسوار تداريب فريق الشباب، أحيانا، ويتسلل إلى الملعب أحيانا أخرى.. وحدث أن شاهده «مكتشف النجوم» عبد القادر أيت أوبا وهو يداعب الكرة فدعاه إلى الالتحاق بالفريق. تدرّج مرزاق عبر أقسام شباب المحمدية، قبل أن تأتيه «برقية» سريعة من عبد القادر لخميري، الذي أعجب بمهاراته فدعاه إلى اللعب إلى جانب الكبار.. «لقد أسعدني حقيقة أن ألتحق بفريق الكبار. أذكر أنني كنت أبلغ من العمر حينها 17 سنة. كان المرحوم لخميري قد أعطاني فرصة جديدة للانطلاق في عالم الكرة. جاورتُ آنذاك أسماء كبيرة: فرس، اعسيلة، الرعد والإخوان الحدادي... كان مسارا جميلا امتد أكثر من 13 سنة، حققتُ خلالها مع «الشباب» لقب البطولة وتأهلنا إلى نهاية كأس العرش. لعبتُ موسما واحدا للاتحاد، حين حكم القدَر على «الشباب» بالنزول إلى القسم الثاني، وقد كنت قريبا من الالتحاق بفريق الوداد البيضاوي، لكن المفاوضات بين الفريقين انتهت إلى طريق مسدود». كان مرزاق سعيدا بوجوده داخل فريق شكّل، لسنوات عديدة، واحدا من رهانات البطولة ونافس حتى فريقي الوداد والرجاء في شعبيتهما. كان أجمل ما أهداه القدَر انضمامه إلى المنتخب الوطني للشبان، الذي شارك في كأس العالم للشبان في تونس، قبل أن يلتحق بالمنتخب الأولمبي ويفوز معه بدوري ماليزيا سنة 1980. «لن أنسى، أبدا، أول مباراة رسمية لي مع المنتخب المغربي للكبار. كان ذلك ضد المنتخب الجزائري في الجارة الشرقية، بعد الهزيمة النكراء في البيضاء، الهزيمة التي أنهت مسار العديد من اللاعبين ليظهر جيل جديد من المبدعين، كبودربالة، حمامة، التيمومي والزاكي.. وكما تبقى الأشياء الجميلة عالقة بالذاكرة، فلن أنسى، أيضا، واحدة من لحظات الألم، حين تم إقصائي من التشكيلة الرسمية التي خاضت نهائيات كأس إفريقيا في نيجيريا. كنا قد لعبنا، قبل ذلك، مباراة ودية بقيادة فونتين. أشاد المدرب الفرنسي، يومها، بمؤهلاتي. كنت أحمل القميص رقم 10، وأحيانا رقم 8، كنت مكلَّفاً بتنفيذ الضربات الثابتة والأخطاء. وفي مكناس -ما زلت أتذكر ذلك وكأن الحكاية وقعت بالأمس القريب- كنا سنواجه المنتخب التونسي. أعَدّ جوست فونتين التشكيلة الرسمية للفريق وتوجه إلى مراكش ليودع زوجته، ولكنه تعرض لحادثة سير اضطرته للسفر، على وجه السرعة، إلى الديار الفرنسية قصد العلاج، وتحمّل مسؤوليةَ تدريب الفريق حميدوش وجبران. تم تعويضي باللاعب عزيز الدايدي وجلست على كرسي الاحتياط في نيجيريا، أيضا. احتل المنتخب المغربي، يومها، الرتبة الثالثة، بعد إقصائنا من طرف منتخب البلد المنظم، وانتصرنا على مصر في مباراة الترتيب». كان حجم الإحباط شديدا. عاد مرزاق إلى المغرب يجُرّ ذيول خيبته، بعدما لم يحالفه الحظ في كسب رسميته، ليتعرض بعدها إلى كسر في رجله اليسرى أمام «المولودية الوجدية»، أرغمه على الابتعاد عن الميادين الرياضية لستة أشهر. لم يغادر فريق «الشباب»، رغم عروض بعض الأندية. وفي نهاية مساره الرياضي لعب ل«الرجاء البيضاوي» في لقاءين ضد «النهضة القنيطرية» و«اتحاد طنجة»، ولكن قدَر الإصابة ظل يتربّص به: أصيب في الركبة وأجرى عملية جراحية لم تكلَّل بالنجاح، الشيء الذي حكم عليه بإنهاء مساره الرياضي.. ليجد نفسه خارج أسوار المجد والشهرة. وجد نفسه وحيدا يصارع من أجل كسب قوت يومه، لم تُنصفه الكرة وانتهى به الأمر، كباقي اللاعبين الكبار الذين نحفظ أسماءهم ولا نعرف عنهم شيئا.. وقد اضطرته المعاناة اليومية إلى البحث عن شغل ليوفر مصاريف العيش لأسرته، التي تتكون من ثلاثة أبناء وزوجة. يسكن رفقة إخوته في منزل الوالد ويتقاسمون جميعا مدخول سيارة الأجرة التي يعمل مرزاق كسائق لها.. يجوب شوارع المحمدية ليحمل الزبائن، وفي القلب همّ وكمَد على «أيام العز»، التي صارت في «خبر كان»...