يبدو أن عدد المغربيات اللواتي يتسوقن عبر شبكة الأنترنت في تزايد. ولا عجب في ذلك، فهذه الطريقة الحديثة في التسوق، التي تعرف بال«إي شوبينغ»، تُوفّر العديد من التسهيلات وتُؤمّن، بشكل جيد، المعاملات المالية وطرق التسليم فيآجال قياسية. فلنلقِ نظرة على عالم التسوق الافتراضي. هل سبق لكم ارتياد هذا السوق الافتراضي عبر الأنترنت أو ما يعرف بال«إيشوبينغ»؟ هل تحتاطون وتتفادَوِْن اللجوء إليه لانعدام الضمانات الكافية؟ إذا كان هذا حالكم، فإن هناك فئة وضعت ثقة عمياء في العالم الافتراضي، في حين أن فئة أخرى اكتفت بتصنيفه في خانة «النصب والاحتيال». أما أولئك الذين اعتادوا الخروج للتسوق في نهاية الأسبوع فلا يُبْدون أي رغبة في التخلي عن هذه المتعة، مهما كلّفهم ذلك. من تكون يا ترى تلك النساء اللواتي لا يتوانين في صرف الآلاف من الدراهم بعد بضع نقرات واحدة على الحاسوب؟ ولماذا يلجأن إلى هذا «السوق الافتراضي»؟ يعتبر التسوق الإلكتروني فرعا من فروع التجارة الإلكترونية، المعروفة ب«إي كوميرس». وإذا رجعنا عشر سنوات إلى الوراء، سيتبيَّن لنا أن شراء الملابس عبر الأنترنت كان مقتصرا فقط على المشاهير والأغنياء. وإذا كان التسوق بمحلات «فوبورغ سان أونوري» في ما مضى «ترفا» في حد ذاته، فقد اتخذت المغربيات اليوم، بشكل متزايد، من الأسواق الإلكترونية ملجأ لهن، إذ يكفي الواحدةَ منهن أن تفتح حاسوبها الشخصي لكي تحصل على كل حاجياتها. وهكذا، وبفضل بطاقة ائتمان بنكية قيمتها 1000 درهم، يمكن الزبونة أن تقتني ما تريد من الملابس والإكسسوارات ليس من المغرب فقط بل حتى من الخارج. وتمنح بعض البنوك لزبنائها بطاقات بنكية خصيصا لهذا الغرض (الأداء الإلكتروني)، غير أن بعض النساء لا يجرُؤْن على استعمالها، مخافة الوقوع في شباك المحتالين. وفي اتصال مع الخط الأخضر للموقع الإلكتروني «iloveme.ma»، وهو موقع للتسوق الإلكتروني ، بدا لنا وكأنه ليس هناك مجال للتخوف أو التشكيك في عملية تسليم المشتريات: «نحن نعمل بتعاون مع بريد المغرب، والحديث عن النصب في مواقع التسوق الإلكترونية في المغرب هو بمثابة اتهام لبريد المغرب بالنصب»، تقول إحدى العاملات في موقع «iloveme.ma»، مضيفة بهذا الصدد: «نستقبل، يوميا، حوالي 100 طلبية على الهاتف، ولا يمكننا أن نتكلم عن نجاح هذه التجربة، لأن التسوق بهذه الطريقة يعرف انتشارا واسعا في أوربا وأمريكا، أما في المغرب فتبقى المسألة من قبيل الكماليات». وتبقى ميزة التسوق في العالم الرقمي أن اقتناء سترة أو حقيبة يد لا يتطلب مجهودا كبيرا، فهي مسألة نقرات فقط على لوحة مفاتيح الحاسوب. اعتادت «سلمى»، الموظفة الشابة، على مصطلح ال«إي شوبينغ»، فهو حاضر في حياتها اليومية. ويرجع السبب في ذلك إلى أنها عملت، في ما مضى، في هذا المجال. «أنا شخصيا أضع كامل ثقتي في المواقع الإلكترونية، إذ كنت أعرف جيدا شركاءها ومع من تتعامل. أنا أشتري، في الغالب، مواد تجميلية وملابس وإكسسوارات من خلال هذه المواقع، دون أدنى مشكل. ولا أتسوق عبر الأنترنت ترفا، بل فقط لأنني لا أملك الوقت الكافي لفعل ذلك شخصيا، فهي مسألة وقت لا غير ولم يسبق لي أن تعرضتُ لعملية نصب أو تأخروا في تسليم الطلبيات». وليست «سلمى» وحدها من تُعوّل على العالم الافتراضي للتسوق، ف»حسناء»، وهي مهندسة معلوميات شابة، تقول إنها تجد متعة في التسوق عبر الأنترنت من خارج المغرب، خاصة في الأسواق الافتراضية الفرنسية. «سبق لي أن اقتنيت مواد تجميلية لشركات معروفة ولستُ نادمة على ذلك، لأن جودة هذه المواد عالية. أما بالنسبة إلى تكاليف التسليم فلا تتعدى مئات الدراهم، بالإضافة إلى ثمن المنتوج، الذي يتغير حسب تصنيفه وجودته». ويبدو أن «الترف» الحقيقي هو ما تقدم عليه «نادية»، الأستاذة الجامعية، حيث اشترت حقيبة «لوي ڤيتون» قيمتها 600 أورو مضافة إليها تكاليف التسليم!... لكنْ، ما العمل إذا تبيَّن أن المنتوج الأوربي الذي تقتنيه المغربيات عبر الأنترنت ليس في المستوى؟ للإجابة عن هذا السؤال -الذي قد يبدو في ظاهره سؤالا تافها، مع أنه ليس كذلك- فهذه المواقع، للوضوح والشفافية، تُعْلِم الزبناء أنه في حالة ما إذا وقع هناك مشكل في التسليم فما على الزبون سوى إرجاع المنتوج في الحال، وسيتكفل الموقع بتعويض كل السلع المكسرة أو الضائعة. والشرط الوحيد لكي يتم تعويض الزبون هو أن يشهد المكلف بالتسليم بحالة المنتوج أثناء التسليم ويذكر ذلك في وصل التسليم. ولهذا السبب غالبا ما لا يستفيد الزبون من أي تعويض إذا تعرضت المنتوجات للتلف. وهكذا نجد أن بعض المواقع، كما هو حال مواقع فرنسي للتسوق، تخبر زبناءها، في شكل ملحوظة ينشرها الموقع على صفحاته: «رغم حسن نيتنا، لا نستطيع أن نعوض أو نستبدل المشتريات، فتأميننا يرفض تحمل الضرر الذي تتعرض له المنتوجات المسلمة. وضمان هذه المنتوجات يتم في إطار الاستعمال العادي لها ولا يُغطّي الأضرار المادية المترتبة عن سوء الاستعمال أو التلف الناتج عن الحوادث أو بسبب عدم صيانة هذه المنتوجات». ولطمأنة الزبناء، تقوم هذه المواقع بإعلام الزبائن الأجانب أنهم يباشرون تلبية طلباتهم فور التوصل بها وأنهم يرسلون الطرود إلى الخارج عن طريق البريد أو عن طريق شخص ينقلها في أسرع وقت ممكن. ويستغرق تسليم الطلبيات ما بين يوم وأربعة أيام ويتوقف ذلك، بشكل كبير، على طريقة الدفع. وفي بعض الأحيان، حين يتلقى الموقع العديد من الطلبات في يوم واحد، يمكن أن تتأخر عملية التسليم بضعة أيام. وهذا ما لا يروق ل»ريما»، الصحفية الشابة، التي تؤكد لنا أنْ لا شيء يضاهي متعة التسوق وفحص الأشياء والمنتوجات بشكل شخصي والتأكد من جودتها واستبدالها على الفور، إذا تبيّن وجود عيب ما فيها. فبالنسبة إلى «ريما» لا شيء يمكن أن يحل محل العالم الواقعي، وهذا ما توافقها عليه «نبيلة» :»إن متعة التسوق في المحلات تختفي حين يصبح الأمر في العالم الافتراضي، لأن «الشوبينغ» يعني الخروج والتجول والاستمتاع، خصوصا إذا كنتِ برفقة جيدة». هدايا يسيل لها اللعاب تعتمد مواقع ال»إي شوبينغ» في المغرب على إستراتيجية تسويقية خاصة لشد انتباه الزبناء الجدد، وخير مثال على ذلك ما يقوم به موقع «إيسباس كادو» (Espacekado.ma)، الذي انضاف، مؤخرا، إلى لائحة الأسواق الافتراضية المغربية. وتختلف هذه الإستراتيجية باختلاف الزبائن، فهناك من يفضلون الهدايا وهناك من يفضلون الاستفادة من التخفيضات الموسمية إلى غير ذلك من التسهيلات. وتعتمد كل هذه المواقع على هذا النوع من التحفيزات لكسب اهتمام الزبون، لكن النقطة التي أغفلتها هذه المواقع هي «عقلية» الزبون، الذي لم يعتد على التسوق في العالم الافتراضي، لهذا يصعب عليه تقبُّل هذا النمط الجديد. ولهذا ينبغي على هذه المواقع أن تبدأ، أولا، بتغيير العقليات، بالاعتماد على الإشهار، للتعريف بهذه الأسواق الافتراضية. فما الجديد الذي يقدمه، إذن، موقع «إيسباس كادو»؟... الجديد، بكل بساطة، هو أن هذا الموقع يضمن لكل زبنائه السرية التامة بخصوص معاملاتهم ومعطياتهم الشخصية، علما أن الهاجس الأمني هو الذي يطغى على أذهان أولئك الذين يحولون أموالهم عبر الشبكة العنكبوتية. وفي هذا الموقع، يتم احترام كل خصوصيات الزبون، حسب المعايير المتعارَف عليها دوليا، فالأداء بالبطاقة البنكية، مثلا، يتم في سرية وأمان تامَّيْن، بفضل البرامج الإلكترونية لشركة «ماروك تيليكومرس» ومركز الدفع الإلكتروني بين البنوك اللذين يعتمدان على بروتوكولات وعلى تكنولوجيا جد متقدمة. البنية التحتية الإلكترونية لا يخفى على أحد أن ال»إي شوبينغ» في المغرب قطاع جد متأخر، مقارنة مع القطاعات التكنولوجية الأخرى، لعدة أسباب، منها أن هذا القطاع يعتمد على عوامل مختلفة، منها ما هو تقني ومنها ما هو اقتصادي وما هو نفسي. ولا يكفي امتلاك معدات إلكترونية جيدة وبرامج «إي شوبينغ» و»إي كوميرس» لكي تقنع الزبون باستعمال هذا النمط الجديد للتسوق، فأصعب شيء أن تدفع أموالا مقابل شيء «افتراضي»، لهذا فالأمر معقد للغاية ويتطلب، في المقام الأول، وضع إستراتيجية تدفع الزبون إلى الثقة في هذه المواقع. ورغم أن عددها في تزايد، فهي لا تحظى بإقبال كبير. ولا ننسى أن المغرب يملك، ومنذ زمن طويل، كل المؤهلات والإمكانيات التقنية التي تخول له الأداء الإلكتروني، ففي سنة 2001، قامت الأبناك المغربية بإنشاء شركة «ماروك تيليكوميرس»، التي كانت مهامها، آنذاك، تزويد الشركات بالبنية التحتية الإلكترونية والتقنية اللازمة لتأمين المعاملات المالية الإلكترونية . وهكذا أنشئت العديد من الخدمات الإلكترونية الخاصة بإرسال واستقبال الأموال. رغم وجود برامج للتسوق عبر الهاتف المحمول في المغرب، فنحن ما زلنا بعيدين، كل البعد، عن اعتمادها في المغرب! ويبقى السر في نجاح ال«إي يشوبينغ» هو الثقة التي لا يجرؤ المغاربة على وضعها في هذا القطاع الافتراضي، المهيكَل والقانوني، لهذا يتعيّن على الأبناك أن تتحرك لتدخل على الخط وتتحمل مسؤوليتها بهذا الخصوص، لضمان أمن وسرية المعاملات المالية ولتعويض الزبون، في حالة تعرضه للاحتيال. وكما هو عليه الحال في جميع دول العالم، فإن الأبناك هي الوحيدة التي تضمن للزبون سلامة المعاملات المالية الإلكترونية... ورغم أن بعض المواقع المغربية تقترح منتوجات بسعر أقل، فإن المغاربة ما يزالوا متوجّسين من هذه الأسواق الافتراضية و«خائفين» منها. وكيفما كان الحال، فإن هذه الأسواق تعرف انتشارا ملحوظا ولا ينبغي تبخيسها.
التكنولوجيا الحديثة رافعة حقيقية للاقتصاد يعتبر استعمال التكنولوجيات الحديثة رافعة حقيقية للإقلاع الاقتصادي في المغرب، ويتمثل هذا الرهان، حاليا، في تمكين البلاد من الاندماج الكلّي في مجتمع المعرفة وفي تحفيز كل الفاعلين السوسيو اقتصاديين على الاستخدام الواسع لتكنولوجيا المعلوميات. ويرتكز مشروع «المغرب الرقمي 2013» على أربعة مبادئ تشمل خلق دينامية جديدة تقوم على صياغة أهداف طموحة وواقعية وتحديد الأولويات وإنجاز أنشطة ذات وقع كبير والإجراءات المواكبة لضمان نجاح هذه الأنشطة، ثم اعتماد نظام الحكامة وتوفير الموارد المالية اللازمة، عبر تعبئة مختلف الفاعلين العموميين والخواص وتقييم النتائج، طيلة المدة الزمنية التي يغطيها المخطط. وتروم هذه الإستراتيجية، التي انطلقت في أكتوبر 2009، بالأساس، جعل تكنولوجيا المعلوميات عاملا رئيسيا في تحقيق التنمية البشرية وقِيمة مضافة بالنسبة إلى الإدارة العمومية وباقي القطاعات الاقتصادية، علاوة على تمكين المغرب من احتلال موقع رائد في هذا المجال على المستوى الإقليمي. وقد أكد وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة أن «التجارة الاليكترونية (إي كوميرس) قطاع في طور النمو وأن المغرب يسير بخطى حثيثة نحو تطبيق إستراتيجية «الحكومة الإلكترونية»، التي تحوم حول دمج أكبر واستخدام أوسع لتكنولوجيا المعلوميات في الخدمات العمومية». حاليا، ونحن في 2011، بدأ العد العكسي لمشروع «المغرب الرقمي 2013»، وحسب وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة فإن هذا البرنامج يهدف إلى التخفيض من تكلفة العالم الرقمي وإلى تعزيز مكانة المملكة دوليا. ولا ننسى أن تطور التجارة الإلكترونية في المغرب يرتبط، ارتباطا وثيقا، بأمن الشبكات والتبادل الإلكتروني وكذا بحماية معطيات الزبون الشخصية ومكافحة الجريمة الإلكترونية.. ومن هنا تأتي ضرورة تعزيز الإطار القانوني الذي ينظم هذا المجال. ويبدو أن وزير الصناعة والتجارة والتكنولوجيات الحديثة، أحمد رضا الشامي، ما زال يواجه صعوبات جمة بهذا الخصوص، لأن الخطوط العريضة للقانون الجنائي بخصوص المخالفات التي لها علاقة بالعالم الإلكتروني ما زالت مجرد «حبر على ورق»... إعداد : هدى بلعابد