كان من تداعيات الحروب التي أشعلت فتائلها أمريكا في كل مكان أن أصبح العالم برمته يترنح تحت وطأة أزمة اقتصادية شاملة، لم تدع مكانا إلا وألقت بظلالها عليه وأفرغت الخزانة المالية الأمريكية من 3 تريليونات دولار، ناهيك عن إرغام بعض دول الخليج على تسديد خسائر أمريكا في حربها على العراق، كل هذه الأموال بددتها الآلة العسكرية الأمريكية الرهيبة في بلدان بعيدة عنها بآلاف الأميال، كالعراق وأفغانستان والصومال، والتي تدعي أمريكا أنها تهدد أمنها القومي، علاوة على بؤر توتر أخرى في مختلف أصقاع المعمور، راح ضحيتها عشرات البشر ونزح وشرد بسببها الملايين في ظرف ولايتين قاد فيهما بوش أعظم دولة في الكون وأوقعها في مستنقع الجرائم وانتهاك حقوق الإنسان وزج بأبنائها في أتون فقر مدقع يبحثون جراءه عن لقمة سائغة من القمامة وبقايا الأطعمة.. واعتقد العالم أن خلَفه أوباما، الذي خدع العالم ب(التغيير)، يملك عصا سحرية تحمل الإنسانية من نيران الحروب إلى رغد العيش والاطمئنان، ويصبح العالم أكثر أمنا، إلا أن شيئا من ذلك لم يحدث حتى الآن، فقد شدد أوباما على مواصلة ما سمي «الحرب على الإرهاب»، وذلك بتجريب وابل مما أنتجته المصانع الأمريكية من أسلحة الفتك المتطورة المحظورة عالميا على الفقراء في باكستان وأفغانستان، مقدما بذلك على قتل الأبرياء، في العراق وقطاع غزة فضلا عن انفجار الربيع الديمقراطي في الوطن العربي عبر ثورات لإسقاط رموز الفساد بغرض التغيير. وزعم أوباما أن بإمكانه إنقاذ البشرية من أزمتها المالية وحروبها المتفاقمة.. والسؤال الذي يطرح بقوة: هل سيبقى رؤساء أمريكا، الذين هم بمثابة «ريموت كونترول» في أيدي اللوبي الصهيوني، يعبثون بمصائر شعوب العالم إلى ما لا نهاية.. في وقت ما فتئ فيه العالم يموج في بحر من الفتن والفوضى العارمة التي يذكيها سماسرة الأسلحة وأمراء الحروب الذين أهلكوا الحرث والنسل، كما يجرى في حروب الشوارع بالصومال والعراق وكذا حروب القمع الدموي في كل من ليبيا واليمن وسوريا التي تفتك بالشعب العربي كما تبرز ذلك المشاهد التراجيدية المبثوثة يوميا عبر الفضائيات العالمية ومختلف وسائل الإعلام التي تدمي القلب وتملؤه حسرة وأسى.. ويرى كثيرون، في ظل قانون الغاب الذي يسود العالم، أنه يتعين على مناهضي الأمريكيين الطغاة الذين يستعملون الفيتو أو يلجؤون إلى ازدواجية المعايير ضد الشعوب الأخرى كاستحلالهم السلاح النووي لأمريكا وتحريمهم إياه على الآخرين لصالح إسرائيل التي تظهر نفسها للعالم حملا وديعا، بينما هي عدوة العالم ومفجرة الفتائل في كل مكان من قبيل الرئيس الفلسطيني، ورئيس فنزويلا هوغو شافيز، والرئيس الإيراني، والرئيس السوداني، والعراقيون الأحرار والباكستانيون الأحرار والأفغان والسوريون واليمنيون والليبيون وكذا المغاربة الذين ارتكبت في حقهم جرائم حرب ضد الإنسانية في مجازر بشعة بالصحراء المغربية على يد عبد العزيز المراكشي وجنرالات الطغمة العسكرية الجزائرية والرؤساء المتعاقبين على قصر المرادية في الجزائر.. يتعين على هؤلاء المتضررين (مناهضي السياسة الأمريكية) أن يرفعوا شكاية موحدة إلى محكمة الجنايات الدولية بغرض استصدار مذكرة توقيف في حق الطغاة والمجرمين الذين ارتكبوا جرائم حرب ضد الإنسانية، وعلى رأسهم المجرم بوش وحلفاؤه الصهاينة الإسرائيليون المتورطون في المجازر الوحشية بغزة، وعبد العزيز المراكشي، متزعم انفصاليي البوليساريو، ومن معه من عسكر الجزائر، وكذا القذافي وعلي صالح وبشار الأسد وتقديمهم إلى العدالة بتهمة (ارتكاب جرائم حرب ضد الإنسانية) قصد محاكمتهم، كما يحاكم حاليا مجرم الحرب الجنرال الصربي «راتكو ملاديتش» الذي ألقي عليه القبض بالرغم من اختفائه وهروبه لمدة 15 عاما.. فهؤلاء وأمثالهم لا ينبغي أن يفلتوا من العقاب، ويفترض في قضاة المحكمة الدولية ألا يتوانوا في تنفيذ مقتضيات القانون في حق هؤلاء المجرمين مادامت هذه المحكمة قد أسست على دعامات قانونية دولية صلبة لإحقاق الحق وإزهاق الباطل، لا تسمح بالتفريق بين الأغنياء والفقراء أو الكيل بمكيالين كالسيناريو المحبوك الذي طبخته أمريكا والمنتظم الأممي السائر في فلكها باتهام الرئيس السوداني العالم الورع «عمر البشير» بارتكاب فظائع حرب في دارفور لتسويغ ذرائع تقوض هذا البلد العربي لتفرض عليه عقوبات أو تعطي الضوء الأخضر لتدخل عسكري لنهب مقدراته النفطية والزراعية، كما لا يمكن أن يكون القيمون على المحكمة الجنائية الدولية ك(أوكامبو) مجرد موظفين لدى الأممالمتحدة توجههم حسب هواها وكأن محكمة الجنايات الدولية صنيعة أمريكا حتى لا تتكرر المآسي ويستتب الأمن والاستقرار في أنحاء العالم.. رمضان بنسعدون - صحفي