صدر للباحثين الاقتصاديين جوزيف ستيغليتز، الحائز على جائزة نوبل للاقتصاد، وليندا بيلمس المحاضرة في جامعة هارفارد، كتاب بعنوان "حرب أل3 تريليونات دولار"، في مارس 2008 لم تخطيء إدارة بوش حساباتها بشأن منافع حربها على العراق فحسب، بل أخطأت أيضا بشأن الكلف الباهظة لهذه الحرب التي مضى عليها خمس سنوات. وبدلاً من توقعات الرئيس بوش ومستشاريه بأن تكون حرباً سريعة وغير مكلفة، فقد أصبحت ثاني أطول حرب تخوضها أمريكا. وتشير تقديرات باحثين اقتصاديين مرموقين في الولاياتالمتحدة إلى أن تأثيرها على الاقتصاد الأمريكي فاق كل التوقعات، وتقدر كلفة ما تكبده حتى الآن 3 تريليونات دولار (أي 3 آلاف مليار دولار). ويتوقع هؤلاء الباحثين أيضا إن تخلّف الحرب آثاراً وخيمة على مستقبل الاقتصاد الأمريكي، وعلى مدى عقود، وإن كانت بعض المؤشرات إلى ذلك بدأت تطفو على السطح في الفترة الأخيرة مقترنة ببدايات مرحلة ركود اقتصادي يشبه في بعض سماته "الركود الكبير" في أواخر عشرينات القرن الماضي. بالنسبة إلى العراقيين، تكتسب دراسة تأثير الحرب على الاقتصاد الأمريكي أهمية خاصة لارتباط ذلك على نحو وثيق بخطط صناع القرار في واشنطن وسياسة الإدارة الحالية (والمقبلة) تجاه الملف العراقي، والاحتمالات التي تكتنف مسارها، بما في ذلك مسألة الوجود العسكري الأمريكي، البعيد المدى والمفتوح، في العراق والسيطرة على ثرواته النفطية الهائلة. فمن جهة، سيكون من السذاجة الاعتقاد بأن الولاياتالمتحدة، وبالأخص الاتجاهات اليمينية المتطرفة في المؤسسة الحاكمة والمجمع الصناعي العسكري، ستتخلى بسهولة عن الأهداف التي رسمتها للحرب في العراق ومنطقة الشرق الأوسط، في إطار استراتيجيتها للأمن القومي على الصعيد العالمي، خصوصاً بعد كل ما تكبدته من "خسائر" اقتصادية وسياسية، وفي الأرواح، خلال السنوات الخمس الماضية. يضاف إلى ذلك، توقع احتدام الصراع والتنافس على مصادر الطاقة، وبالأخص النفط، بين أمريكا ومنافسيها القدامى والجدد، بالأخص في أوروبا وآسيا (الصين والهند)، وما يعنيه ذلك بالنسبة إلى احتياطي النفط الهائل في العراق الذي يحتل المرتبة الثانية عالمياً. من جهة أخرى، يمكن للأعباء المتزايدة على الاقتصاد الأمريكي جراء الحرب واستمرار الوجود العسكري في العراق، إلى جانب تعمق ألازمة الاقتصادية الراهنة، أن تعزز مواقع الأوساط السياسية في أمريكا التي تفتش عن مخرج من المأزق العراقي، والسعي إلى بدائل لسياسات المحافظين الجدد الأحادية على الصعيد الدولي، التي أضعفت موقع الولاياتالمتحدة ونفوذها وهيبتها وأدت إلى تسريع وتيرة الانتقال من نظام القطب الواحد، الأمريكي، إلى ما سيصبح نظاماً متعدد الأقطاب على صعيد عالمي. ومما له دلالة كبيرة في هذا الشأن أن الحرب في العراق وآثارها على الاقتصاد الأمريكي استقطبت اهتماماً متزايداً في الجدل الذي دار في حملة الانتخابات التمهيدية في الولاياتالمتحدة، خصوصاً بين المرشحين الرئاسيين للحزب الديمقراطي. وبرزت هذه القضية بقوة اكبر في الشوط الأخير من الحملة الانتخابية لكلا الحزبين الجمهوري والديمقراطي، في الفترة بعد غشت والى انتهاء الانتخابات الرئاسية 2008. وعلى رغم انه لا يتوقع حدوث تغييرات سريعة في السياسة الأمريكية تجاه العراق في حال فوز الديمقراطيين، لكن مثل هذا التغيير سيؤثر بقوة على اتجاهات هذه السياسة على المدى المتوسط، ويفتح الباب على مصراعيه لاحتمالات عدة. وهو ما يعني في المقابل، بالنسبة إلى العراق والعراقيين تحديداً، إتاحة فرصة او فرص ثمينة للتعجيل بإنهاء الوجود العسكري الأمريكي، عبر فرض جدول زمني للانسحاب مدعوم بقرار دولي، وانتزاع السيادة الوطنية الكاملة للعراق واستقلال قراره السياسي والاقتصادي. ولا جدال في أن تحقيق هذا الهدف الحاسم يتطلب تحقيق إجماع وطني يستند على حركة شعبية ذات مشروع وطني، ديمقراطي موضوعياً، يتخطى الانقسامات الطائفية والقومية والفئوية، ويشكل بحد ذاته شرطاً ملازماً لاستعادة الوحدة الوطنية وإرساء مقومات الدولة المدنية الديمقراطية في العراق. كلفة العمليات العسكرية المباشرة تشير أحدث دراسة للباحثين جوزيف ستيغليتز، البروفسور في جامعة كولومبيا والحائز على جائزة نوبل للاقتصاد (2001)، وليندا بيلمس المحاضرة في السياسة العامة في جامعة هارفارد (*)، إلى أن كلفة العمليات العسكرية الأمريكية المباشرة وهي لا تتضمن حتى الكلف البعيدة المدى مثل رعاية قدامى المحاربين المصابين تزيد على كلفة حرب فيتنام، التي استمرت 12 سنة، وتبلغ أكثر من ضعفي كلفة الحرب الكورية. وحتى في أحسن السيناريوهات المحتملة، يتوقع إن تبلغ هذه الكلفة عشرة إضعاف ما كلفته حرب الخليج الأولى، وتزيد بنسبة الثلث تقريباً على كلفة حرب فيتنام، وتبلغ ضعف كلفة الحرب العالمية الأولى. والحرب الوحيدة في تاريخ أمريكا التي كلفت أكثر منها هي الحرب العالمية الثانية، عندما خاض 16،3 مليون جندي أمريكي القتال على مدى أربع سنوات، وبلغت كلفتها الإجمالية (بقيمة الدولار في 2007، وبعد أخذ معدل التضخم بالاعتبار) حوالي 5 تريليونات دولار (أي 5 آلاف مليار دولار). وفي تلك الحرب، عندما شاركت القوات المسلحة الأمريكية كلها تقريباً في القتال ضد الألمان واليابانيين، كانت الكلفة لكل جندي اقل من 100 ألف دولار (بقيمة الدولار في 2007). بالمقارنة مع ذلك، تصل كلفة الحرب في العراق إلى 400 ألف دولار لكل جندي. ولم يتحسس الأمريكيون بعد هذه الكلف. فالكلفة بالدم دفعها الجنود المتطوعون ومتعاقدون جرى استئجارهم. أما الكلفة المالية فقد جرى تمويلها كلياً بالاقتراض. ولم تجر زيادة الضرائب لتمويلها، بل جرى في الواقع خفض الضرائب على الأغنياء. ويعطي العجز في الموازنة الأمريكية الانطباع بأنه يمكن تعطيل فعل قوانين الاقتصاد، وان بالإمكان الاستمرار، عبر زيادة العجز، بتمويل الإنفاق على الحرب والحاجات الاجتماعية على السواء. لكن هذه القوانين لا يمكن أن تلغى. وتبقى كلف الحرب حقيقية حتى إذا جرى تأجيل استحقاقاتها إلى جيل آخر. وقد ارتفع الدين القومي للولايات المتحدة بحوالي 2،5 تريليون دولار منذ بدء الحرب، ويرجع 1 تريليون دولار منه بشكل مباشر إلى الحرب بالذات. ويستمر هذا الرقم بالارتفاع، وتشير التقديرات إلى انه بحلول 2017 سيرتفع الدين القومي، بسبب الحرب وحدها، بحوالي 2 تريليون دولار. تقديرات عشية الحرب شهدت إدارة بوش عشية الحرب نقاشات حول الكلف المحتملة. وقدّر لاري ليندسي، المستشار الاقتصادي للرئيس الأمريكي ورئيس المجلس الاقتصادي الوطني، أنها قد تصل إلى 200 مليار دولار. لكن هذا الرقم تعرض إلى الاستهانة به من قبل وزير الدفاع السابق دونالد رامسفيلد الذي وصفه بأنه "هراء". واعتبر نائبه، بول ولفويتز، أن عملية إعادة الأعمار في مرحلة ما بعد الحرب يمكن أن تمول من عائدات النفط العراقية التي سترتفع. وقدم ميتش دانييل، مدير مكتب الإدارة والموازنة، ورامسفيلد تقديراً لكلف الحرب يتراوح بين 50 و60 مليار دولار! واعتبرا أن جزءاً منها ستموله بلدان أخرى. (إذا أخذنا بالاعتبار معدل التضخم، بقيمة الدولار في 2007، فان هذه الكلفة التقديرية ستتراوح بين 57 و69 مليار دولار). لكن هذا المبلغ أصبح ينفق كل ثلاثة اشهر! وتجدر الإشارة إلى انه حتى لاري ليندسي، بعدما لفت إلى أن الحرب يمكن إن تكلف 200 مليار دولار، أضاف قائلاً: "سيكون أنجاز الحرب بنجاح شيئاً نافعاً للاقتصاد". وتكشف مراجعة تقديرات ليندسي الآن انه قلل بشكل كبير من تقدير كلف الحرب ذاتها وأيضا كلفتها بالنسبة إلى الاقتصاد. وإذا أقرّ الكونغرس الأمريكي تخصيص بقية الميزانية التكميلية للحرب التي تبلغ 200 مليار دولار للسنة المالية 2008، يكون الكونغرس قد خصص أكثر من 845 مليار دولار للعمليات العسكرية، وإعادة الأعمار، وكلف السفارة الأمريكية، وتعزيز الإجراءات الأمنية في القواعد الأمريكية، وبرامج المساعدات الأمريكية في العراق وأفغانستان. ومع اقتراب السنة الخامسة للحرب من نهايتها، تشير لتقديرات لكلفة العمليات العسكرية (أو ما يمكن أن يسمى ب"الإنفاق الجاري") للسنة 2008 إلى أنها ستزيد على 12،5 مليار دولار شهرياً للعراق، وهي زيادة كبيرة بالمقارنة مع كلفتها في 2003 عندما بلغت 4،4 مليار دولار شهرياً. وإذا أضيفت الحرب في أفغانستان، فان الكلفة الكلية هي 16 مليار دولار شهرياً. ويعادل هذا المبلغ الموازنة السنوية للأمم المتحدة. ولا يشمل هذا الرقم أل500 مليار دولار التي تنفقها الولاياتالمتحدة بالفعل سنوياً على المصروفات المعتادة لوزارة الدفاع. كما انه لا يتضمن نفقات أخرى مخفية، مثل جمع المعلومات الاستخبارية، أو أموال ممتزجة بميزانيات وزارات أخرى. أرقام رسمية.. وأرقام فعلية أن الكلفة الإجمالية للحرب أعلى بكثير من الرقم الرسمي لان هناك كاف كثيرة لا تدخل ضمن حسابات الإدارة. على سبيل المثال، غالباً ما يقول مسئولون في الإدارة بأن أرواح الجنود لا تقدر بثمن. لكن من منظور الكلفة، تظهر هذه الأرواح "التي لا تقدر بثمن" على سجل حسابات للبنتاغون كمبلغ 500 ألف دولار فحسب، وهو ما يدفع كمساعدات وفاة وبوليصات تأمين على الحياة. وبعد أن بدأت الحرب، ارتفع هذا المبلغ من حوالي 12 ألف دولار إلى 100 ألف دولار (مساعدة الوفاة) ومن 250 ألف دولار إلى 400 ألف دولار (بوليصة التأمين على الحياة). لكن هذه المبالغ لا تمثل سوى جزء مما كانت عائلات القتلى ستتقاضاه لو أن الأفراد فقدوا أرواحهم في حوادث مرور. ففي مجالات مثل الصحة وضوابط السلامة تقدّر الحكومة الأمريكية قيمة حياة مواطن شاب في ذروة قدرته على كسب الأجر بما يزيد على 7 ملايين دولار، وهو اكبر بكثير من المبلغ الذي تدفعه المؤسسة العسكرية الأمريكية كمساعدات وفاة. وباستخدام هذا الرقم، تبلغ كلفة أل4 آلاف جندي أمريكي الذين قتلوا في العراق حوالي 28 مليار دولار. كما أن الكلف التي يتحملها المجتمع جراء الحرب هي اكبر بكثير من الأرقام التي تظهر في موازنة الحكومة الأمريكية. واحد الأمثلة الأخرى على الكلف المخفية يكمن في فهم ما تعنيه الإصابات في صفوف الجنود الأمريكيين. فالإحصائيات التي تصدرها وزارة الدفاع عن الإصابات تركز على تلك التي تنجم عن عمل عدائي (قتالي)، وفقاً لما تحدده المؤسسة العسكرية. ولكن إذا أصيب جندي بجروح أو مات في حادث سيارة ليلاً، يوصف ذلك بأنه "ذو صلة بحادث غير قتالي"، حتى عندما يكون التنقل بالغ الخطورة بالنسبة إلى الجنود خلال النهار. وفي الواقع، يحتفظ البنتاغون بنوعين من السجلات. الأول هو لائحة الإصابات الرسمية الموجودة على موقع وزارة الدفاع في الانترنت. أما الثاني، الذي يصعب العثور عليه، فان المعلومات التي يتضمنها لا تتوفر إلا في موقع آخر على الانترنت ويمكن الحصول عليها بموجب "قانون حرية المعلومات". وتبيّن هذه المعلومات ان العدد الكلي للجنود الذين جرحوا أو أصيبوا أو عانوا من المرض هو ضعف عدد المصابين بجروح في أعمال قتالية. وقد يجادل البعض بأن نسبة من هذه الإصابات التي تقع خارج ظروف القتال يمكن أن تحدث حتي إذا لم يكن الجنود متواجدين في العراق. لكن الدراسة الجديدة للباحثين الأمريكيين ستيغليتز وبيلمس كشفت أن غالبية هذه الإصابات والإمراض يمكن أن تربط بشكل مباشر بالخدمة العسكرية في الحرب. الكلفة الإجمالية للحرب وبالاستناد إلى المعطيات المتوفرة عن التمويل لحالات الطوارىء، والى السجلات المتعددة، والانتباه إلى التقديرات التي تقلل على نحو مزمن من الموارد المطلوبة لمواصلة الحرب، سعى الباحثان الأمريكيان إلى كشف الإنفاق الفعلي على الحرب، وما يرجح أن تنفقه الولاياتالمتحدة عليها في النهاية. والرقم الذي توصلا إليه هو أكثر من 3 تريليونات دولار (3 آلاف مليار دولار)، مع الإشارة إلى أن الحسابات التي أجرياها استندت على افتراضات محافظة. وهما يلفتان إلى أن هذا الرقم (3 تريليونات دولار) يميل إلى إن يكون اقل من الرقم الفعلي. كما يوضحان انه لا يمثل سوى كلفة الحرب بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة، ولا يعكس الكلفة الهائلة التي تكبدها العراق أو بقية العالم?؟. فاتورات سيستمر دفعها لعقود كشفت تجربة حرب الخليج في 1991 أن حوالي 40 % في المئة من القوات الأمريكية التي بلغ عددها 700 ألف جندي (شاركوا في القتال لمدة شهر واحد) أصبحوا يستحقون تسلم مساعدات إعاقة (جسدية ونفسية)، ويدفع لهم أكثر من 4 مليارات دولار سنوياً من هذه المساعدات. لذا يمكن للمرء أن يتخيل ما ستكلفه الحرب الحالية، إذا استمرت أكثر من ست أو سبع سنوات، وإذا أخذنا بالاعتبار انه سيجري الزج بأكثر من مليوني جندي فيها. وبينما كانت نسبة المصابين إلى القتلى في الحروب السابقة تبلغ 2،5 إلى 1، فان هذه النسبة في الحرب الحالية هي 7 إلى 1. ويرجع ارتفاع هذه النسبة في حرب العراق إلى منجزات الطب الحديث وتطور العلاج المقدم للمصابين من الجنود الأمريكيين. وإذا جرى تضمين أولئك الذي يتعين إجلاءهم طبياً بسبب ما يعتبر حوادث غير قتالية أو إمراض، فان النسبة تصبح 15 إلى 1. والكثير من الإصابات بليغة وتتطلب تقديم رعاية على مدى الحياة. وسيشكل ذلك عبئاً ثقيلاً على نظام الضمان الاجتماعي الأمريكي. وتبيّن التجربة المستخلصة من الحرب العالمية الثانية إن الإنفاق على رعاية قدامى المحاربين بلغ ذروته بعد انقضاء أكثر من أربعة عقود على انتهاء تلك الحرب. الحرب وتأثيرها على سعر النفط يثار جدل أحيانا حول وجود تأثير ايجابي للحروب على الاقتصاد، وهو فهم خاطىء نشأ من الدور الذي لعبته الحرب العالمية الثانية في مساعدة الولاياتالمتحدة على الخروج من الأزمة الاقتصادية الكبرى ("الركود الكبير"). لكن أصبح واضحاً أن الحرب في العراق لها تأثير سيء إلى حد كبير على الاقتصاد الأمريكي. ويمكن تشخيص أربعة أصناف لتأثيرات الحرب على الاقتصاد الإجمالي للولايات المتحدة. • الأول يتمثل بتأثير الحرب على أسعار النفط. إذ كان سعر برميل النفط اقل من 25 دولاراً قبل الحرب، بينما يزيد الآن على 100 دولار(تحديث وصل برميل النفط مايقارب150$ وهبط الى 130%). وقبل خمس سنوات، كانت الأسواق الآجلة تتوقع أن يصمد سعر أل25 دولار لعقد من السنين على الأقل. وبالرغم من توقع زيادة الطلب من الصين والهند، كان يفترض أن يلبي العرض هذه الزيادة. ومع توفر إمدادات كبيرة وكلفة استخراج واطئة في الشرق الأوسط، توقعت الأسواق أن يرتفع الإنتاج متمشياً مع الطلب. لكن الحرب غيّرت هذه المعادلة. واستندت حسابات الباحثين ستيغليتز وبيلمس للكلفة الإجمالية للحرب على تقديرات محافظة جداً لتأثيرها على سعر النفط (5 إلى 10 دولارات من الزيادة)، وعلى افتراض أن الزيادة الناجمة عنها ستستمر لفترة 7 إلى 8 سنوات فقط. وأوضح البروفسور ستيغليتز في شهادته أمام اللجنة الاقتصادية المشتركة في الكونغرس، في 28 شباط 2008، أن ذلك الافتراض كان "محافظاً بشكل غير واقعي" لأنه على سبيل المثال "تتوقع الأسواق الآجلة اليوم أن يبقى سعر النفط أعلى من 80 دولار طيلة العقد المقبل على الأقل". ومن شأن الأموال الإضافية التي تنفقها الولاياتالمتحدة لشراء النفط أن تخفض الدخل القومي. • التأثير الثاني ينشأ من حقيقة أن الإنفاق على الحرب لا يحفز الاقتصاد الأمريكي على المدى القصير بقدر ما يفعله الإنفاق، مثلاً، على البنية النحتية أو التعليم الذي توجد حاجة ماسة إليه في الولاياتالمتحدة. • التأثير الثالث هو أن الإنفاق على الحرب، بشكل مباشر وغير مباشر على السواء، عبر العجز المتزايد، يحجب الاستثمارات التي كانت ستزيد إنتاجية أمريكا في المستقبل. • التأثير الرابع أدى ارتفاع الدين القومي الناجم عن الحرب الى اقتراض المزيد والمزيد من الأموال من خارج الولاياتالمتحدة، ما يجعلها الآن مدينة للآخرين أكثر بكثير مما كانت قبل خمس سنوات. وسيدفع الأمريكيون، والجيل القادم منهم، فائدة على هذا الدين. ولا يعني اقتراض المزيد بدلاً من دفع الفاتورات المستحقة سوى تأجيل دفع فاتورات الحرب. وسيؤدي دفع هذه الفاتورات إلى خفض مستوى معيشة الأمريكيين بالمقارنة مع ما كان سيكون عليه. وهي نتيجة قاسية بشكل خاص إذا أخذنا بالاعتبار ان متوسط دخل المواطن الأمريكي اليوم هو اقل مما كان عليه قبل خمس سنوات. لذا لم يكن مفاجئاً انه عندما احتاجت مؤسستان ماليتان كبيرتان في أمريكا، هما "سيتي بانك" و"ميريل لينتش"، إلى المال بسرعة مؤخراً، لم تكن هناك سيولة مالية كافية في أمريكا. فقد أدت أسعار النفط المرتفعة والمدخرات المرتفعة في الصين وأماكن أخرى إلى تمركز هائل للثروة خارج الولاياتالمتحدة، ما اضطر المؤسسات المالية الأمريكية إلى التوجه إلى تلك المراكز(تحديث هناك كارثة مالية تمر بها الولاياتالمتحدة تسمى أزمة الرهن العقاري) أسباب القوة الظاهرية للاقتصاد حتى وقت قريب، بدا مثيراً للاستغراب بالنسبة إلى البعض انه بالرغم من الطريقة الواضحة التي تؤدي بها حرب العراق إلى إضعاف الاقتصار الأمريكي، فان هذا الاقتصاد بدا قوياً. فهل كان ذلك يعني أن هناك شيئاً ما يؤكد صواب تلك المقولة القديمة بأن الحروب نافعة للاقتصاد؟ الجواب هو أن نقاط الضعف هذه جرى إخفاؤها، بالضبط كما جرى إخفاء الكثير من الكلف الأخرى للحرب بحيث انه لا يمكن رؤيتها بسهولة. فقد جرى إخفاء التأثيرات الاقتصادية الإجمالية عبر سياسة نقدية فضفاضة، وتدفق للسيولة, وضوابط متهاونة. وسمح ذلك لمعدل مدخرات الأسرة الأمريكية بالتدني إلى الصفر، لتبلغ أدنى مستوياتها منذ "الركود الكبير" (في أواخر عشرينات القرن الماضي)، وساهم بزيادة فورة استهلاكية غير مسئولة عبر تشجيع سحب مئات مليارات الدولارات كقروض عقارية. وساعد ذلك، لفترة من الوقت، على أخفاء الكلفة الحقيقية للحرب(ملاحظة (2) أعلاه). وهذه ليست المرة الأولى التي تحاول فيها إدارة أمريكية حشد الدعم والتأييد لحرب لا تحظى بشعبية بإخفاء الكلف الحقيقية والكلية عن الشعب الأمريكي. كما أنها ليست المرة الأولى التي تعاني فيها أمريكا والشعب الأمريكي جراء ذلك. ففترة التضخم التي مرت بها أمريكا ابتداءً من أواخر ستينات القرن الماضي كانت، جزئياً على الأقل، نتيجة لفشل الرئيس الأسبق جونسون في التعامل كما يجب مع كلف حرب فيتنام وأجراء تعديلات مناسبة في الضرائب والإنفاق. وإذ يبدو أن الوضع الاقتصادي مختلف هذه المرة، وبالتالي فان النتائج الناجمة عن الحرب وتأثيراتها مختلفة، لكنها من نواح كثيرة أكثر حدة. آثار بعيدة المدى ليس معروفاً كم سيدوم التراجع أو الانكماش الحالي في الاقتصاد الأمريكي، أو مدى عمقه، لكن المرجح أن يكون أسوأ من أي تراجع مماثل في ربع القرن الأخير، وستكون كلفته هائلة. وحتى إذا بلغ معدل النمو هذه السنة 80 في المئة (حسب توقعات صندوق النقد الدولي)، وبدأ النمو يسترد عافيته السنة المقبلة ليصل إلى 2 في المئة، ويعود في 2010 إلى نمو بنسبة 53 في المئة مثلاً (وهي وتيرة تحسن أسرع مما يتوقع معظم المحللين)، فان الخسارة الإجمالية في الناتج على مدى هذه السنوات الثلاث (إي الفرق بين الناتج الفعلي للاقتصاد وقدرته) ستبلغ حوالي 51 تريليون دولار (أي 1500 مليار دولار) وفي كل الأحوال، مهما كان غنى أمريكا فأنها لا يمكن إن تهدر 3 تريليونات دولار دون ان يؤثر ذلك على قوتها ويضعف مكانتها على الصعيد العالمي، ويحد من قدرتها على خوض حروب عسكرية متزامنة عبر البحار، وبمستوى حربها في العراق. وإذا بقيت القوات الأمريكية في العراق سنتين اخريتين، فان ذلك سيضيف 500 مليار دولار على الأقل إلى الكلفة الكلية للحرب. ولا بد لكلف الحرب وتأثيرها على الاقتصاد أن تترك آثاراً بعيدة على مجالات حيوية تمس حياة المواطن الأمريكي، مثل الرعاية الطبية ونظام الضمان الاجتماعي والتعليم. (حسب الباحثة الاقتصادية الأمريكية بيلمس فان مبلغ تريليون دولار يمكن ان يغطي توظيف 15 مليون مدرس في المدارس الحكومية، أو تقديم منح دراسية كاملة لأربع سنوات ل43 مليون طالب أمريكي في الجامعات الحكومية). وسيؤثر خفض الاستثمار المطلوب في التكنولوجيات والعلوم من القدرة التنافسية للاقتصاد الأمريكي. بالمقابل، كان الرابح الأكبر في أمريكا من حرب العراق هو الشركات الكبرى (مثل "هاليبرتون" التي احتكرت عقود إمداد وتموين القوات الأمريكية)، والمجمع الصناعي العسكري، وشركات النفط. وهناك دراسة - أعدها (إيرك ليفر) و (فيلس بينز)، وأشرف عليها معهد الدراسات السياسية بواشنطن – تبين تفاوت الآراء وتباين الأرقام حول الخسائر البشرية الأمريكية في العراق، حيث يتحاشى المسئولون الأمريكيون إعطاء تقديرات دقيقة عن التكلفة المالية لتلك الحرب؛ فما هي التكلفة الحقيقية التي تقع على كاهل دافعي الضرائب الأمريكيين جراء الحرب في العراق؛ وهل تقتصر الأرقام على التكلفة المالية المباشرة، أم أنها تتضمن أيضاً التكلفة غير المباشرة على الاقتصاد والسكان؟ الرغم من أن هذه المسالة لم تثر حتى الآن على نطاق واسع في الولاياتالمتحدةالأمريكية، إلا أن تقريرين مهمين نشرا مؤخراً، من المرجح أن يدفعا بمسألة تكاليف الحرب إلى معترك النقاش في أوساط الرأي العام، فقد كشفت دراسة - أعدها (إيرك ليفر) و (فيلس بينز)، وأشرف عليها معهد الدراسات السياسية بواشنطن - أن الكونغرس الأمريكي قد صادق حتى الآن على أربع دفعات مالية لتغطية نفقات الحرب على العراق، تبلغ في مجملها 4ر204 مليارات من الدولارات، ويدرس حالياً إمكانية المصادقة على تمويل إضافي بمبلغ 3ر45 مليار دولار لتغطية تكاليف العمليات، إلى حين المصادقة على دفعة تكميلية يرجح دفعها في ربيع عام 2006م. وقد أنفقت الولاياتالمتحدة حتى الآن مبلغ 251 مليار دولار نقداً على العمليات القتالية في العراق منذ بدء الحرب، ومازالت تمول الحرب بتكلفة قدرها 6 مليارات من الدولارات شهرياً. وكان (لورانس ليندسي) - الخبير الاقتصادي سابقاً بالبيت الأبيض - قد قدر تكاليف الحرب في مرحلة الاستعداد لها، على أنها ستكلف 200 مليار دولار، إلا أن مسؤولين آخرين بالإدارة الأمريكية رفضوا تلك التقديرات في حينها قائلين إنها تقديرات تتسم بالمبالغة. وبقسمة تكاليف الحرب - حتى الآن - على عدد سكان الولاياتالمتحدة، يتضح أن كل دافع ضرائب أمريكي قد تكلف حتى الآن مبلغ 727 دولاراً، مما يجعل الحرب في العراق أكثر الحروب تكلفة خلال ال 60 عاماً الماضية. وكشفت الدراسة - التي أشرنا إليها آنفاً - أنه منذ بدء الحرب تم استدعاء 000ر210 جندي من قوات الحرس الوطني الأمريكي من أصل 000ر330 جندي. وكانت دراسات حكومية سابقة قد أشارت إلى أن استدعاء نصف قوات الاحتياط والحرس الوطني تقريباً يحدث خسارة في الدخل عند استدعائهم للخدمة. ومن بين الذين تم استدعاؤهم حوالي 000ر30 من أصحاب الأعمال التجارية الصغيرة فقط. ولم تقتصر عمليات الانتشار لفترات طويلة وضغوط الحرب على الجنود فقط، وإنما امتدت للحياة الأسرية. ففي عام 2004م بلغت حالات الطلاق بين زيجات ضباط الجيش 325ر3 حالة طلاق، بزيادة 78% من حالات الطلاق في عام 2003م عند بدء الاحتلال الأمريكي للعراق.