أحالت عناصر الفرقة الثانية للأبحاث والتحري، التابعة للشرطة القضائية لأمن ولاية مدينة وجدة، على محكمة الاستئناف شخصا في الأربعينات من عمره بتهمة الضرب والجرح المفضيين إلى الموت. ولم تكن الضحية سوى أمه الطاعنة في السن بعد أن تلقت ضربة من فلذة كبدها في الرأس أدخلتها في غيبوبة لمدة ثلاثة أيام، قبل أن تلفظ أنفاسها الأخيرة. حلم زواج لا يتحقق كان حسن أو «بَّا حسن»، كما كان يحلو لشبان الحي المناداة عليه قد استهلك سنواته الثلاثة والأربعين وهو يطارد حلما بالزواج وتطارده صورة المرأة، رغبة في تأسيس أسرة كباقي أقرانه. كان حلمه أن يرى زوجة وأطفالا يملؤون البيت، الذي يعيش فيه مع أمه العجوز ذات الاثني والثمانين عاما بأحد أحياء سدرة بوعمود المهمشة. لكن كان الفقر والتعاسة والحرمان يملأ البيت الخرب بدل ذلك. كانت والدته تواجه طلبه بالرفض وتشترط عليه البحث عن عمل قار كي يتحمل مسؤولياته بنفسه.«الَمْرا خَاْص اللي يْقَوّْمْها وأنت لا خدمة ولا ردمة واشكون بغيت يخدم عليها؟» هذه العبارات كانت تكررها العجوز كلما فاتح حسن أمه في موضوع الزواج. كان رد الوالدة قاسيا بالنسبة لحسن، وكانت كل كلمة طعنة في رجولته وخيبة أمل بالنسبة إليه، لكنه لم يكن يجيبها، إذ كان يرى بأن الحق والمنطق كانا بجانبها. وكانت الأم العجوز متيقنة من جسامة مسؤولية الزواج ومتطلبات الأطفال. كما كانت متأكدة من أن ولدها لا يصلح أن يكون أبا ولا زوجا لأنه كان مدمنا على الخمر والكحول. كانت الأم تعتبر ابنها طفلا بسبب حماقاته. ورغم اعتداءاته المتكررة عليها عندما كانت تنتابه حالات هستيرية، لم تتجرأ يوما ما على تقديم شكاية ضده، وكان عفوها يسبق دائما سخطها وقلبها يتألم باستمرار لفلذة كبدها. ليلة الجريمة كانت الساعة تشير إلى الثامنة من مساء يوم الثلاثاء 15 نونبر الماضي، حين قرر «بَّاحسن» الخروج من البيت بعد أن عاقر الخمر، وغير بعيد لمح جمعا من الأطفال تتراوح أعمارهم بين 14 سنة و16 سنة، وضمنهم الطفل الذي لم ينس اعتداءه عليه أمام شباب الحي، فتوجه إليهم واختلط بهم وجلس إلى جانب «صاحبه». شرعت الجماعة في الإنصات إلى «باحسن» بعد أن شدت انتباههم قصة الفيلم الذي بدأ يرويه. كان الأطفال المحرومون من مشاهدة التلفزة أو ولوج السينما لعوزهم يصيحون باستمرار «ِزيدْ كَمَّلْ» «إيوا زيد» كلما توقف حسن ليسترد أنفاسه التي كتمها الخمر أو ليتذكر المشاهد المختلطة في مخيلته التي عكرتها الخمرة. انتهى الفيلم وفرح «بَّاحسن» بفرح وسعادة جمهوره وانتهز الفرصة للسلام على كل واحد منهم واتجه إلى «صاحبه» وعانقه وحاول تقبيله طالبا مسامحته، في الوقت الذي كانت الغرائز ما زالت مُتَّقِدَةً. أحس الشاب بالإهانة، فدفع حسن إلى الوراء للتملص منه، ووجه إليه لكمة في الفم مزقت شفته وأغرقتها في الدماء. دلف «المجروح» الكهل والمهان إلى البيت وبحث عن أي سلاح، فوجد في متناول يده قضيبا حديديا وخرج يهرول متمايلا لمحو العار بالدم هذه المرة. مقتل الأم كانت دهشة حسن كبيرة حينما وجد المكان خاليا، حيث انفض الجمع وانسحب الأطفال، متوقعين حدوث شيء ما، خصوصا الطفل صاحب ّباحسن». فعاد هذا الأخير إلى البيت يجر الخيبة للمرة الثانية. تحول حسن إلى وحش كاسر ، يدك كل ما يجد في طريقه ويكسر ما أمامه ويصرخ ويرعد ولم يكن ير البيت و ما فيه ولا أمه ولم يكن يسمع توسلاتها ولا صراخها الذي وصل إلى الجيران. استفاق «الغول» بعد دقائق ووجد والدته تئن أمامه ملطخة بالدماء في الرأس. ظل جامدا في مكانه دون أن يتحرك، ولم يفهم ما وقع لها.. تردد كثيرا عند فكرة إخطار رجال الأمن بسبب خوفه، كما لم يقدم المساعدة لوالدته، وعندما استيقظ صباحا ونادى أمه كالعادة لتحضر له الفطور، لم يسمع أي حركة. حينها استوعب خطورة الحالة فحملها إلى مستشفى الفارابي على متن سيارة أجرة. لكنه فوجئ لما طلب منه في قسم المستعجلات تأدية مبلغ الفحص فتركها هناك وذهب لإخبار الأخ والأخت. كشف خيوط الجريمة تلقت عناصر الفرقة الثانية للأبحاث والتحري حوالي الساعة التاسعة صباحا من يوم الأربعاء 16 نونبر خبرا مفاده وجود امرأة عجوز بمستشفى الفارابي في حالة غيبوبة بعد تلقيها ضربة في الرأس. وفور توصلها بالخبر انتقلت المصالح ذاتها إلى عين المكان وعاينت الضحية وتتبعت تطورات صحتها يوميا عَلَّها تستفيق فتفيد. في نفس الوقت باشرت البحث مع ابنها حسن، الذي حاول توريط المراهق خصمه باتهامه بالاعتداء على والدته بالضرب والجرح، فقامت الفرقة بوضع الابن تحت الحراسة النظرية بمعية خصمه بعد أن ورد اسمه في التحقيق، وتمكنت من تجميع كل الحيثيات خلال 48 ساعة حول سلوكاته ومعاملته مع والدته وإفادات شهود من الجيران، الذين صرحوا بأنهم مساء وقوع الجريمة سمعوا صراخ العجوز بعد أن دخل الابن في حالة هستيرية، بالإضافة إلى شهادات أفراد من أسرته، الذين أكدوا على أن حسن كان يعنف والدته، وقد سبق له أن كسر ساقها ولم تكن تريد تقديم شكاية به. كانت كل القرائن تشير إلى تورط حسن وحده في الجريمة التي اقترفتها يداه في حق من أخرجته إلى الحياة، وكانت تتمنى أن تموت على سريرها ميتة طبيعية فيدفنَها ابنها، لكنه قتلها وماتت في المستشفى بعيدة عنه، فدفنوها في غيابه. لم يستطع حسن أن يتشبث بإنكاره طويلا، إذ انهار واعترف بضربه أمه، بعد محاصرته بالقرائن والحجج، معللا ذلك بكونه لم يكن يعي ما يفعل ولا يتذكر ماذا وقع.