القاهرة بعيون سائقي سيارات الأجرة في «تاكسي» « إذا أردت أن تعرف مجتمع مدينة ما فتحدث إلى سائقي تاكسياتها»، هذه العبارة، التي يرددها الضيوف الدائمون على سيارات الأجرة، لا تنطبق فقط على مجتمعنا المغربي، بل إنها تنطبق على كل مجتمع في كل مدينة في العالم، سواء في لوس أنجلوس أو باريس أو بيكين، فما بالك بالمدن العربية التي يعرف أهلها، أكثر من سواهم من أبناء الثقافات الأخرى، بانفتاحهم على الغرباء من أول لقاء وميلهم إلى تجاذب أطراف الحديث معهم و»الفضفضة لهم» أو الفضول إلى معرفة ما لديهم. هذا ما فعله الكاتب المصري خالد الخميسي الذي جعل من «حواديث المشاوير» أو الكلام الذي يدور داخل التاكسي بين الزبائن والسائق موضوعا لكتابه الأحدث «تاكسي». جمع الخميسي في كتابه ثمانياً وخمسين قصة من القصص المتباينة، التراجيدية أو المشوقة أو المضحكة التي سمعها من سائقي سيارات الأجرة بالقاهرة، وخصص لكل واحدة من هذه القصص صفحتين، مايوازي ثلاثاً إلى أربع صفحات من الكتاب. يقول بعض النقاد إن خالد الخميسي كان رؤوفا بسائقي التاكسي الذين يوجد منهم ثمانون ألفاً في القاهرة وحدها، فهم معروفون، في شريحة كبيرة منهم، بنزوعهم إلى استهلاك معجم جنسي في أحاديثهم وباستعمالهم للمخدرات، وبحبهم مال وسعيهم إلى الاحتيال على الزبائن وإفراغ ما في جيوبهم من نقود، خاصة في ظل الجدل الدائر في القاهرة خلال الشهور الأخيرة حول ضرورة استعمال «البنديرة» أي العداد. إلى غاية اليوم- وقد صدرت الطبعة العاشرة من الكتاب، أكثر من 75 ألف نسخة- تبدو أغلب ردود الفعل التي تلقاها الكتاب إيجابية، فقد حقق الكتاب السنة الماضية أعلى المبيعات في معرض الكتاب بالقاهرة، كما قال عنه جلال أمين مثلا: «تاكسي» من أجمل ما قرأت من كتب في وصف المجتمع المصري»، فيما قال عنه عبد الوهاب المسيري: «عمل إبداعي أصيل ومتعة فكرية حقيقية». غير أن خالد الخميسي قال، في حديث لجريدة لوموند الفرنسية، إن بعض أصدقائه المحامين نصحوه بأن «يبتعد في كتابه عن نقل ما يدور داخل سيارات الأجرة من أحاديث غير معلنة عن النظام القمعي الذي يسود في مصر، حيث لايزال حسني مبارك ذي الثمانين سنة متمسكا بكرسي الرئاسة، بل ويحضر ابنه لكي يخلفه»، وقال الخميسي، في مقدمة الكتاب، إنه آسف لأنه لا يستطيع أن ينقل كل شيء مما دار بينه وبين السائقين بكل صراحة». ينحدر خالد الخميسي، الحاصل على ماجستير في العلوم السياسية من جامعة السوربون، الإعلامي والمنتج والمخرج وكاتب السيناريو، من أسرة معروفة في مجال الصحافة والأدب، فوالده عبد الرحمان الخميسي كان شاعرا وكاتبا معروفا وأمه ممثلة، وأعمامه وإخوانه كلهم يعملون في مجال الإعلام. وقد صدرت شهر يوليوز الماضي ترجمة إنجليزية للكتاب لكنها لم تأخذ بعين الاعتبار مصطلحات شوارع القاهرة العامية ذات الحمولة الشعبية الخاصة، وجارية حاليا ترجمة الكتاب إلى الهولندية والألمانية واليونانية وحتى السلوفينية، لكن ليس بعد إلى الفرنسية. رغم أن خالد الخميسي كتب كتابا ثانيا بعد «تاكسي»، تناول فيه موضوع هجرة ملايين المصريين لبلدهم من أجل إيجاد لقمة العيش في بلدان أخرى – الكتاب سيصدر في نونبر- ورغم أنه بدأ كتابة الثالث، إلا أن المتتبعين للمشهد الثقافي في مصر وصفوا كتابه الأول بكونه كان «ضربة معلم».