البحث الذي أصدرته كلير-غابريال تالون، وهي باحثة معربة بمعهد الدراسات السياسية في باريس، إضافة نوعية إلى خزانة البحث عن الإعلام القطري بشكل عام وقناة «الجزيرة» بشكل أخص، في علاقتهما بالنظام الحاكم. إن كانت القناة وليدة ظروف أنثروبولوجية، اقتصادية وجيوسياسية، فإنها بالرغم من شفافيتها الفائقة تبقى كيانا إعلاميا متذبذب الهوية، بحكم الجدلية الخفية بتعبيراتها القبلية، وأقطاب النفوذ التي تسيرها وتتحكم فيها. وتشير الباحثة إلى أن كلمة «جزيرة» في اللغة العربية تبقى كلمة، غامضة. إذ تعني الكلمة في نفس الوقت، الجزيرة، شبه الجزيرة، الواحة، أرض تقع بين نهرين، أو منطقة جغرافية محفوفة بالصحراء. في هذا المجال يتم الحديث عن «جزيرة العرب»، «جزيرة الأندلس»، كما نتحدث عن «الخزيرات» بالجنوب الإسباني. مثلها مثل ماكدونالدز، نايك، إيف سان لوران، سي-إن-إن الخ... أصبح رمز «الجزيرة» ماركة مسجلة في المخيل الدولي، حيث تفوق شهرتها شهرة بعض البلدان التي لا تتمتع بأي شفافية في المشهد الدولي.. فاللقب في زمن العولمة أصبح مرآة للهوية وأداة للتعريف والترويج. واستراتيجية الماركيتينغ التي انتهجتها القناة القطرية كانت الغاية منها تأصيل المرجعية في التربة المحلية والإقليمية (الجزيرة القطرية، الجزيرة العربية)، خلافا لبعض الفضائيات العربية التي هي فضائيات «أوف-شور» تبث من خارج البلد. لذا فالمكون والدلالة الجغرافية التي يستند عليها العنوان عاملان أساسيان في الترويج والدعاية. وفي موضوع القناة، تاريخها، ظروف نشأتها، وطفرتها في المشهد الإعلامي العالمي ألفت أبحاث، عقدت ندوات، وتدخل رؤساء دول لشيطنتها أو للدفاع عن حقها في الخبر الحر. البحث الذي أصدرته كلير-غابريال تالون، وهي باحثة معربة بمعهد الدراسات السياسية في باريس، إضافة نوعية إلى خزانة البحث عن الإعلام القطري بشكل عام وقناة «الجزيرة» بشكل أخص، في علاقتهما بالنظام الحاكم. إن كانت القناة وليدة ظروف أنثروبولوجية، اقتصادية وجيوسياسية، فإنها بالرغم من شفافيتها الفائقة تبقى كيانا إعلاميا متذبذب الهوية، بحكم الجدلية الخفية بتعبيراتها القبلية، وأقطاب النفوذ التي تسيرها وتتحكم فيها. وتشير الباحثة إلى أن كلمة «جزيرة» في اللغة العربية تبقى كلمة غامضة. إذ تعني الكلمة في نفس الوقت الجزيرة، شبه الجزيرة، الواحة، أرض تقع بين نهرين، أو منطقة جغرافية محفوفة بالصحراء. في هذا المجال يتم الحديث عن «جزيرة العرب»، «جزيرة الأندلس»، كما نتحدث عن «الخزيرات» بالجنوب الإسباني. وقد استعمل علماء الجغرافيا «جزيرة المغرب» للحديث عن بلدان المغرب العربي. لكن في الاستعمال المتداول تحيل الكلمة على المهد الجغرافي للحضارة العربية الإسلامية، أي على «شبه جزيرة العرب». جاء ذكر إمارة قطر في أدب الرحلات أو تقارير الجغرافيين كقرية أو كمرفأ للصيد. ما بين القرنين السادس عشر والثامن عشر، لم تأت الخرائط الإيطالية، الفرنسية، البريطانية والهولندية على ذكر قطر. قطر تخرج من نفوذ السعودية حين أعلن أمير قطر في نوفمبر 1996 عن إطلاق قناة «الجزيرة» الإخبارية، رغبة في إخراج إمارة قطر من كنف المملكة العربية السعودية، التي كانت تغذي، منذ القرن التاسع عشر وقبل أن تصبح قوة نفطية، رغبتها في إبقاء نفوذها الشامل على شبه «الجزيرة» العربية. في المجال الإعلامي وقبل إطلاق قناة الجزيرة كانت السعودية، ومنذ عام 1970، عبر المستثمرين، تبسط هيمنتها على السوق الإعلامي العربي، لكنها وسعت هذا المجال في التسعينيات، بإطلاق أمراء سعوديين مقربين من العائلة الحاكمة أربع مجموعات قنواتية هي: روتانا (1987)، إم-بي-سي» (1991)، آي-ر-تي (1993) وقناة «أوربيت» (1994). كان المشهد الإعلامي يتمفصل حول بضعة شخصيات سعودية أمثال الشيخ فيصل بن سلمان، الأمير خالد بن سلطان، دلة البركة، الوليد بن طلال، خالد بن عبد الرحمان السعود، الشيخ صالح الكامل، الشيخ وليد إبراهيم...الذين يحتكرون القطاع الخاص وأغلبية الموارد الإعلانية. لما أطلق أمير قطر اسم القناة القطرية الفضائية الأولى على قناة الجزيرة، عبر عن رغبته في تمثيل الهوية العربية الإسلامية للقرن الواحد والعشرين، على حساب جارته السعودية. فصامية النظام السعودي منذ الستينيات كانت العائلة الملكية السعودية تطمح إلى البحث عن بسط هيمنتها على الإعلام الجهوي مع الاستمرار في فرض نظام خاص على المجتمع السعودي، حتى يتسنى لها الحفاظ على شرعيتها الدينية داخل المملكة. وإلى غاية التسعينيات نجحت في تمويل وسائل إعلام «أوف-شور»، متحررة ويديرها أعضاء من العائلة الحاكمة، فيما تابعت ممارسة الرقابة محليا على وسائل الإعلام الوطنية والعالمية. كان على رأس أكبر مجموعة إعلامية سعودية مسيرون من أمريكا، أستراليا، كندا جاؤوا من سكاي نيوز، بي-بي-سي، سي-بي-إس. أما البرامج التي كانت قائمة على التسلية فلم تسلم من انتقادات الفقهاء والقوى المحافظة بالمملكة. وقد تحدث الخبراء الإعلاميون عن فصامية النظام الذي أطلق فضائيات في الخارج ببرامج للتسلية والترفيه، فيما تسود في الداخل عقلية قروسطية. في عام 2001 وفي الوقت الذي حققت فيه البرامج السياسية مثل «الاتجاه المعاكس»، «أكثر من رأي» لقناة «الجزيرة» اختراقا واضحا على خلفية الانتفاضة الثانية في فلسطين، رد الإعلام السعودي باستراتيجية تقوم على المزيد من التسلية. هكذا طرحت قناة MBC برنامج «من يريد الفوز بالملايين؟»، بغية منافسة «الجزيرة». لكن في سنوات التسعينيات انكسر التوازن بانبثاق تكنولوجيات حديثة وصعود الحركات الإسلامية في المملكة. كما تدخلت عوامل أخرى، أهمها صدمة النفط،، حرب العراق، ضغط الأمريكيين، للدفع بالنظام السعودي إلى تحرير القبضة حول المشهد الإعلامي. لكن الإصلاحات التي أدخلها النظام السعودي لم تكن سوى رمزية. ترجم هذا الانفتاح بإطلاق قناة وطنية مستقلة، هي قناة «المجد»، وإصدار جريدة «الوطن»، لسان حال الإصلاحيين بالمملكة بمنطقة عسير. كما أصدرت الحكومة عام 2002 قانونا للصحافة، ورخصت بإنشاء مجلس للصحافيين. رهان المنافسة بين فصائل العائلة الحاكمة في غياب إصلاح للاقتصاد العمومي، لم تكن للإصلاحات الإعلامية التي أدخلها النظام القطري سوى تأثير باهت على مسلسل التغيير العام للمجتمع، بل أكثر من ذلك ساعد هذا الوضع على تعزيز نفوذ الطائفية العائلية، وخاصة تعزيز سلطة العائلة الحاكمة. لكن أسبابا بنيوية وظرفية تآلفت منذ مجيء الشيخ حمد إلى السلطة لتعزيز سلطة ونفوذ آل ثاني وشبكات حلفائهم على الاقتصاد بصفة عامة والميدان الإعلامي بوجه خاص. كما تميز نظام الشيخ حمد كذلك باحتضانه الإخوان المسلمين، الذين فروا من مصر هربا من قمع الدولة. غير أن نفوذ الإخوان المسلمين، الذين كانوا يحظون برعاية القصر، نافسه نفوذ ما سمي بالتيار الوسطي، وعلى رأسه يوسف القرضاوي، الداعي إلى إصلاحات ليبرالية. شبكات النفوذ الثلاث عزز التحرير النسبي للمشهد الإعلامي من دور ثلاث شبكات نافذة تتحكم فيها شخصيات تقع خارج نفوذ عائلة آل ثاني. للشبكة الأولى ارتباط وثيق بوزارة الخارجية وتقع تحت نفوذ الشيخ حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني. تنتظم هذه الشبكة حول مجموعة من الشخصيات، منهم موظفون سابقون في نفس الوزارة، ديبلوماسيون سابقون وصحافيون حصلوا على وظائف سامية داخل الديبلوماسية القطرية قبل أن يعينوا في مراكز رئيسية ضمن هيئة تحرير صحف وطنية، أشهرهم أحمد علي الذي عمل مديرا لمجلس إدارة جريدة «الوطن»، والذي منح رتبة سفير من طرف الشيخ حمد بن جاسم، والشيخ حمد سحيم آل ثاني الذي شغل منصب أول وزير للخارجية بعد استقلال البلاد، قبل أن يعين رئيسا للمجلس الإداري الحالي لصحيفة «الوطن». الشخصية الثانية التي تتمتع بنفوذ داخل الجهاز هو الشيخ حمد بن جاسم بن جابر آل ثاني، وهو أيضا صهر الأمير، وهو شخص يتربع على أولى ثروة في البلاد. أما على مستوى قناعاته الدينية فهو وهابي محافظ ومناهض لتيار «الوسطية»، الذي يسانده الشيخ يوسف القرضاوي والشيخة موزة. وهو رجل أعمال ليبرالي مناهض للتيار «القطبي»، الموالي لمنظمة حماس، وفي الوقت ذاته مؤيد لفتح حوار مع إسرائيل. وهو بذلك أقرب من أطروحات الشيخ عبد الحميد الأنصاري، العميد الليبرالي سابقا لكلية الشريعة بجامعة قطر، الذي «تألق» في الجرائد القطرية بمواقفه المناهضة ليوسف القرضاوي وتنديده بالعمليات الانتحارية في فلسطين، العراق وأفغانستان، ودفاعه عن التطبيع مع الدولة العبرية. تهيمن على شبكة النفوذ الثانية الشيخة موزة بنت ناصر المسند، التي بسطت مراقبتها على وزارة التعليم كما تحكمت بشكل مبكر في أجندة الإعلام بنضالها في سبيل مجموعة من الإصلاحات السياسية. كما رعت مشاريع إعلامية مثل مدرسة الصحافة القطرية التي رأت النور عام 2008، أو مركز قناة «الجزيرة» للأطفال. كما استندت على الأوساط الجامعية والتربوية لإطلاق منابر كفيلة بتمرير صورة حداثية عن المرأة. كما أن ممثلي تيار الوسطية بزعامة الشيخ القرضاوي كان دعامة معنوية لها. وقد تبنت ودعمت موقع «إسلام أونلاين»، الذي نشطت فيه أسماء القرضاوي، الزوجة الثانية للمفتي، وإنتاج برنامج «للنساء فقط». وخلافا للشيخ حمد بن جاسم، فإن الشيخة موزة بمناهضتها للتيار المحافظ، هي المعبر عن ليبرالية اجتماعية إصلاحية تدعو إلى تحرير المرأة. المجموعة النافذة الثالثة يمثلها قدامى موظفي وزارة الإعلام بإشراف الشيخ حمد بن ثامر، ابن عم الأمير، الذي تقلد عدة مناصب قبل أن يعين رئيسا لمجلس إدارة «الجزيرة» قبل نهاية 1994. وهو محافظ، معارض لتيار الوسطية ومقرب من الإخوان المسلمين الراديكاليين المناهضين لإسرائيل. هكذا أصبح الحقل الإعلامي حلبة للصراع بين هذه الشبكات والأجنحة الثلاثة. وتعتبر قناة «الجزيرة» البؤرة الساخنة التي تبلور من حولها الصراع بين هذه التيارات والاتجاهات. ولا يفوت الباحثة التشديد على الأطروحة التالية، وهي أن تاريخ القناة ما هو إلا مرآة لتاريخ العشيرة الحاكمة بأقطاب نفوذها وصراعاتها.
الخبر على مدار الساعة جاءت حرب العراق لتغير موازين الإعلام بالمنطقة. إذ أطلقت السعودية قناة «العربية» مع ترتيب برامجها وفق التقويم الزمني السعودي. كما احتوت العائلة الملكية ممثلي حركة الصحوة الإسلامية، الذين تم تهميشهم من النظام الإعلامي، لمواجهة المد الأصولي الراديكالي، الذي اكتسح المملكة على خلفية حرب العراق. هكذا كلف سلمان العودة، أحد الوجوه السياسية لحركة الصحوة، عام 2001 بتسيير الموقع الإسلامي «الإسلام اليوم». كما كلف الأمير الوليد بن طلال الكويتي طارق السويدان بالإشراف على قناة دينية جديدة هي فضائية «الرسالة». ومكن هذا الانفتاح النظام من الحفاظ على الوضع القائم مع رغبة في نزعة شوكة المعارضين. غير أن ضغط رجالات الدين نجح في آخر المطاف في طرد العناصر الليبرالية من الصحافيين. هكذا أبانت المؤسسة الدينية عن وزنها الحقيقي. بالموازة، أبانت قناة «الجزيرة» عن نجاعتها اللوجيستية من خلال استراتيجية إعلامية مناقضة بالتمام لإستراتجية النظام السعودي والإماراتي، فقد كانت أولى قناة عربية لبث الخبر على مدار الساعة. هذا الخيار يناقض كلية خيار التسلية الذي انتهجته السعودية، بل دول الخليج. كما أن «الجزيرة» هي قناة تعمل من الداخل ولا تبث من الخارج كما هو حال أغلب الفضائيات السعودية. كما تتميز «الجزيرة» بتعدد خطها التحريري وتعدد طاقمها الإعلامي، أي بوجود أغلبية من الصحافيين غير قطريين. كما كانت «الجزيرة» ترجمانا للإسلام السياسي في شخص منشطها يوسف القرضاوي، في الوقت الذي تعثرت المحاولات الإصلاحية في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات. أية أسباب سياسية وبنيوية لتفسير نجاح النموذج الإعلامي القطري؟ هل يعني ذلك أن النظام تخلص من النزعة المحافظة للنخب السياسية والدينية التي تعيق لدى الجيران انبثاق وتطور الإعلام المستقل؟ لم يفت الباحثة التذكير بالدور الذي لعبته الشيخة موزة بنت ناصر المسند، الزوجة الثانية للأمير، في تحرير المشهد الإعلامي القطري، والتي كانت وراء حملة إصلاح قانون الصحافة والمنشورات. لكن تضيف الباحثة أنه من الصعب وضع قناة «الجزيرة» الممثل للانفتاح الجديد للحقل الإعلامي القطري. منذ البداية، نحى الشيخ حمد القطريين من هيئة التحرير. إذ في المجموع، لم يمثلوا سوى 21,79% من الطاقم العام. وانحصر وجودهم في التسيير الإداري والتقني. كما تسبب تعيين مسؤولين من جنسيات أخرى في مغادرة العديد من القطريين للقناة.