أصيب ستيفنس بمرض السل، الذي أقعده في الفراش معزولاً عن الناس في أحد المستشفيات لمدة عام تقريبًا، عكف خلاله على القراءة في كتب الفلسفة والتصوف الشرقي، وتمنى لو أنه يعرف الطريق إلى اليقين الروحي، إذ كان يشعر بأن حياته بها شيء غير مكتمل على الرغم من النجاح الذي حققه، وفي النهاية قرر أن يعود إلى الغناء، ولكن بمفاهيم جديدة تتسق مع ما قرأه أثناء المرض. المسيحية كانت ديانته، التي نشأ عليها بلندن تحت اسم ستيفن ديمتري جورجيو، حين أبصر النور في 21 يوليوز سنة 1947 في بيت مسيحي متعدد المذاهب، فقد كان أبوه يونانيا أرثوذكسيا، بينما والدته سويدية كاثوليكية، في الوقت الذي يعيش المجتمع البريطاني طبقا لتعاليم الكنيسة الإنجيليكانية. أدخلته أمه مدرسة دينية تعلم فيها أن الإنسان يمكن أن يصير إلهًا إذا أتقن عمله، فشجعه هذا على إجادة الغناء، إذ إنه سجل ثمانية أشرطة قبل أن يبلغ العشرين من عمره، وكانت إحدى أغنياته ضمن أفضل عشر أغان في بريطانيا آنذاك، فغير اسمه إلى كات ستيفنس، وهو الاسم الذي ذاعت به شهرته، وأصبح يحلق في آفاق أوروبا كلها أثناء موجة «الهيبيز» في ستينيات القرن الماضي ولم يكن قد تعدى الثانية والعشرين من عمره بعد. جاء اليوم الذي سيغير فلسفة ستيفنس إلى الحياة . حدث ذلك حين كان يسبح في البحر في صيف عام 1975. دوامة شديدة تظهر فجأة شعر خلالها ستيفنس بضعف شديد جعله غير قادر على الاحتفاظ بتوازنه في الماء. لم يجد أحدًا قريبًا منه يمكن أن يساعده.. فنادى بأعلى صوته لعل أحدًا ينقذه، لكن دون جدوى. وحين أوشك على الغرق صرخ بأعلى صوته: يا رب.. وأخذ على نفسه العهد: «لئن أنقذتني سوف أعمل من أجلك شيئًا». أصيب ستيفنس بمرض السل، الذي أقعده في الفراش معزولاً عن الناس في أحد المستشفيات لمدة عام تقريبًا، عكف خلاله على القراءة في كتب الفلسفة والتصوف الشرقي، وتمنى لو أنه يعرف الطريق إلى اليقين الروحي، إذ كان يشعر بأن حياته بها شيء غير مكتمل على الرغم من النجاح الذي حققه، وفي النهاية قرر أن يعود إلى الغناء، ولكن بمفاهيم جديدة تتسق مع ما قرأه أثناء المرض. وبالفعل حققت أغنيتاه «الطريق لمعرفة الله» و»ربما أموت الليلة» نجاحًا كبيرًا وباع أكثر من 60 مليون نسخة. توجهه الجديد زاده حيرة، فطرق باب البوذية ظنًا منه أن السعادة هي أن تتنبأ بالغد لتتجنب شروره، ثم انتقل إلى الشيوعية ظنًا منه أن السعادة هي تقسيم ثروات العالم على الجميع، ولكنه شعر أنها لا تتفق مع الفطرة، فاتجه كات ستيفنس إلى تعاطي الخمور والمخدرات، ثم عاد إلى تعاليم الكنيسة، وبعد شفائه عاد إلى عالم الغناء والموسيقى ثانية، ولكن موسيقاه حينذاك بدأت تعكس أفكاره الجديدة. يقول في إحدى أغنياته: «ليتني أعلم ليتني أعلم من خلق الجنة والنار ترى هل سأعرف هذه الحقيقة وأنا في فراشي أم في حجرة متربة بينما يكون الآخرون في حجرات الفنادق الفاخرة». في ذلك الوقت كتب أيضاً أغنية أخرى «الطريق إلى معرفة الله». صادف هذا التمزق الروحي لكات ستيفنس عودة أخيه من رحلة زار فيها القدس وأحضر فيها هدية له عبارة عن نسخة مترجمة من القرآن. ويحكي كات هذه اللحظة في مذكراته: «أمسكت بالمصحف فوجدته يبدأ باسم الله، فنظرت للغلاف فلم أجد اسم مؤلف، وحاولت أن أبحث فيه عن ثغرة أو خطأ فلم أجد، إنما وجدته منسجما مع الوحدانية الخالصة، فعرفت الإسلام». بعد ذلك قرر كات ستيفنس السفر إلى فلسطين، ودخل المسجد الأقصى فأحس بالطمأنينة، وعندما رجع إلى لندن التقى بفتاة مسلمة صرح لها برغبته في إشهار إسلامه، فأخذته إلى المركز الثقافي الإسلامي بلندن، وهناك نطق بالشهادتين وأعلن إسلامه. وفي تلك اللحظة طوى الشاب الإنجليزي صفحة «كات ستيفنس» إلى الأبد، وأصبح يعرف باسم «يوسف إسلام»، وأسس جمعية خيرية توفر المساعدات لليتامى والفقراء في البوسنة «كوسوفو» وكوسوفو والعراق وأفريقيا وفلسطين. عاد يوسف إسلام إلى الغناء في سنة 1993 من خلال الأناشيد الدينية، فقام بتسجيل عدد كبير منها باللغة الإنجليزية مع تطعيمها بكلمات وجمل عربية لإكسابها روحا إسلامية عذبة، وحرص في تلك الألبومات على إيصال قيمة ومفهوم الإسلام للمسلمين وغير المسلمين. وبالإضافة إلى هذين الألبومين، سجل يوسف إسلام عددًا من الأغنيات الإسلامية للأطفال، من أشهرها «هذا من أجل الله»، التي تحولت إلى نشيد رسمي في عدد كبير من المدارس الإسلامية في بريطانيا. وقدم بعد ذلك أغنيتين مع فريق الأناشيد الماليزي «ريحان»، وهما: «الله هو النور» و«خاتم الرسل». وقد ركز يوسف إسلام على إيصال صوته إلى الأطفال انطلاقا من أن المجتمع الغربي مبتلى بحوادث عنف وقتل يقوم بها الأطفال، بسبب عدم ترسيخ روح الإيمان بالله في نفوسهم منذ الصغر. تعليقا على هذه النوعية من الموسيقى والغناء، أكد يوسف إسلام في اللقاءات التي أجريت معه على أن الإنشاد الديني وسيلة صالحة لمحاربة الموسيقى الفاسدة، فهو يرى أنه من غير الطبيعي أن يُمنع الناس من الترفيه والاستمتاع بأوقاتهم. كما أضاف في أحد اللقاءات الصحفية «إذا كنا نرى السوء في بعض الأشياء، فعلينا مهمة توفير البديل الحلال ليستمتعوا به، فأنا أحرص دائما على أن تكون أناشيدي الدينية على نفس المستوى الفني والتقني لألبوماتي السابقة حتى لا ينفر منها أحد». افتتح يوسف إسلام في شتنبر 2002 مقرا إقليميا لشركة «جبل النور» للتسجيلات والإنتاج الإعلامي ذات التوجه الإسلامي في دبي، في خطوة استهدفت تعزيز نشاط الشركة في منطقتي الشرق الأوسط والأقصى. وتعمل «جبل النور» في مجال إنتاج المواد الإعلامية المسجلة على أسطوانات CD وDVD وأشرطة الفيديو، إلى جانب طبع الكتب والمؤلفات الخاصة بشرح ثقافة وقيم الإسلام. ورغم اهتمام يوسف إسلام بأمور المسلمين المختلفة، فإن جل اهتمامه انصب على التعليم الذي رآه البداية الحقيقية لتكوين جيل مسلم في أوروبا، فبدأ اهتمامه بالتعليم الإسلامي عام 1983 عندما أصبح رئيس وقف المدارس الإسلامية ببريطانيا؛ فأسس المدرسة الابتدائية الإسلامية تحت اسم «إسلامية»، ثم المدرسة الثانوية الإسلامية للبنين والبنات في شمال لندن -وهما المدرستان الإسلاميتان الأوليان ببريطانيا- ثم طالب الحكومة البريطانية بتخصيص ميزانية للمدارس الإسلامية، أسوة بالمبالغ التي تخصصها الحكومة للطوائف الدينية المسيحية واليهودية. ورغم أن الحكومة لم تستجب لطلبه آنذاك، فإنه لم ييأس، بل استمر في حملته إلى أن وافقت حكومة بلير الحالية على تخصيص ميزانية لدعم المدارس الإسلامية ببريطانيا. ولم يقف الأمر عند هذا الحد، بل نجحت حملته في دعوة الأمير تشارلز ولي عهد بريطانيا إلى زيارة إحدى المدارس الإسلامية بلندن، فامتدح الأمير تشارلز تلاميذها، قائلا: «أنتم سفراء تقدمون المثل لأحد الأديان السماوية، وهو دين الإسلام». ولم يقتصر العمل الدعوي ليوسف إسلام على الأناشيد والتعليم الإسلامي، فيوسف يدير عددًا لا بأس به من المؤسسات الخيرية الإنسانية، من أهمها مؤسسة «العطف الصغير»، التي تقدم خدماتها في مجال رعاية الأطفال وضحايا الحرب في منطقة البلقان، وهي مؤسسة معتمدة لدى الأممالمتحدة، حيث مثل يوسف إسلام شخصيًا المؤسسة في اجتماعات المؤتمر السنوي الخامس والخمسين للجمعيات غير الحكومية في سبتمبر 2002 بنيويورك. كما يشرف يوسف إسلام على جمعية «عمار المساجد» الدينية، إلى جانب تأسيسه عددا من الحلقات الدراسية للمسلمين الجدد في بريطانيا. ونال يوسف إسلام نصيبه من العنجهية الإسرائيلية عندما كان يزور القدس في عام 2000 لتصوير فيلم تليفزيوني عن الأماكن التي زارها في مقتبل حياته الإسلامية، حيث رفضت السلطات الصهيونية دخوله إلى القدس، بل احتجزته في زنزانة صغيرة بلا ماء أو خدمات قبل أن يتم ترحيله إلى ألمانيا، وكانت حجة الإسرائيليين أن يوسف إسلام يخصص جزءًا من عمله الخيري لصالح حركة حماس، الأمر الذي أنكره متسائلا: «هل تقديم الأموال ليتامى الفلسطينيين دعم لحماس؟ كما واجه يوسف إسلام صعوبات بيروقراطية في زيارته للولايات المتحدة سنة 2009، إذ أجبرته تأشيرة عمل غير محددة على إقامة حفل واحد ب»لوس أنجليس». وقبل ذلك بخمس سنوات تم تحويل مسار طائرة متجهة من لندن إلى واشنطن بعدما اكتُشف وجود يوسف إسلام على متنها. وقال هؤلاء المسؤولون إن «يوسف إسلام على قائمة الممنوعين من دخول الولاياتالمتحدة لأسباب تتعلق بالأمن القومي، وإنه سيرحل على أول رحلة متاحة إلى خارج الأراضي الأمريكية». ولبغضه للحروب والدمار والقتل، دخل يوسف إسلام معترك السياسة وأصبح داعية سلام عالميا، ونتيجة لنشاطه وثقل مركزه العالمي قبلت الحكومة العراقية وساطته أثناء اندلاع حرب الخليج الثانية 1991، وأفرجت عن أربعة أسرى إنجليز، كما قام بالعديد من الزيارات إلى البوسنة، وعقد العديد من الحفلات الدينية في سراييفو، وألّف ألبومًا سياسيًا عن مأساة البوسنة أسماه «ليست لدي مدافع هادرة» سنة1997. وإزاء الحملة الشرسة التي تعرض لها الإسلام منذ هجمات 11 سبتمبر، حرص يوسف إسلام على حضور الندوات الدينية في شتى أنحاء العالم، أكد فيها على سماحة الدين الإسلامي وبراءته من التهم الموجهة إليه جزافًا. وعلى الرغم من مشروعية اهتمام يوسف إسلام بالسياسة، فقد كان يهتم بعدم إعلان ذلك حتى لا تتأثر المؤسسات الخيرية التي يديرها من وراء ذلك، أو أن يتم إيقافها بدعوى دعمها للإرهاب، كما حدث مع مؤسسات أخرى عقب أحداث الحادي عشر من شتنبر.
التسعينيات شهدت عودة يوسف إسلام إلى الغناء الديني وفي 6 مارس 2003 وقبيل الحرب الأمريكية على العراق أصدر يوسف إسلام توزيعا جديدًا لأغنيته «قطار السلام» Peace Train التي استخدم فيها الدفوف والإيقاعات النحاسية وجاءت لتعلن موقفه الرافض للحرب على العراق، ويعلق عليها يوسف بقوله: «كتبت قطار السلام ضد الحرب لتصل رسالتها إلى قلوب الملايين، وتلبي حاجة كبرى للناس لكي يشعروا بأن ثمة أملا يتزايد، فأنا كإنسان وكمسلم أشعر بأن هذا هو إسهامي في الدعوة للحل السلمي». في التسعينيات عاد يوسف إسلام إلى الغناء بإصدار بعض الأغاني الدينية، التي تميزت بالرقة الشديدة والبساطة المتناهية، وفى نفس الوقت بالعمق الشديد الذي يتناسب مع عمق شخصيته الإيمانية والفنية. وأصدر ألبوم»كأس أخرى» وبعده أصدر في عام 2009 ألبوم «مغني الطريق» Roadsinger. كما أهدى المنتفضين في العالم العربي أغنية منفردة بعنوان «شعبي» my people . ألبومات جديرة بالإنصات والتأمل تحمل رسالة سلام لما يريد يوسف إسلام وكات ستيفنس معا إبلاغه للناس جميعا أيا كانت «الديانة» الديانة والثقافة. وقد كرم رئيس الاتحاد السوفياتي السابق، ميخائيل غورباتشيف، يوسف إسلام، ومنحه جائزة السلام لنشاطه في مجال العمل الخيري. ويعيش يوسف إسلام في لندن هو وزوجته وأولاده الخمسة، وفي الفقرة الأخيرة من مذكراته كتب: «أخيرا أود أن أقول إن كل أعمالي أبتغي بها وجه الله، وأدعو الله أن تكون في قصتي عبرة لمن يقرؤها. وأود أن أقرر بأني لم أقابل أي مسلم قبل اقتناعي بالإسلام ولم أتأثر بأي شخص، فقد قرأت القرآن ولاحظت أنه لا يوجد إنسان كامل، ولكن الإسلام كامل، وإذا قمنا بتطبيق القرآن وتعاليم الرسول عليه الصلاة والسلام سوف ننجح في هذه الحياة. أدعو الله أن يوفقنا في اتباع سبيل الرسول عليه الصلاة والسلام».