أوشك الشاب البريطاني على الغرق في البحر، صيف عام 1975، دوامة شديدة تظهر فجأة فيشعر بضعف شديد يجعله غير قادر على الاحتفاظ بتوازنه.. لا يجد من يساعده.. يصرخ بأعلى صوته دون جدوى..لم يعد أمامه سوى نداء ربه.. "لئن أنقذتني فلسوف أعمل من أجلك شيئا"! كان الشاب المغني العالمي "كات ستيفنز"، الذي كان يلقب بملك البوب في بريطانيا، وحين استجاب الله له ونجاه، ما بر بوعده، إذ يمكث كثيرا حتى أعلن إسلامه وصار يوسف إسلام. ولد ستيفن جورجيو في 21 يوليو 1947، بلندن، في وسط متعدد المذاهب، إذ كان والده قبرصيا يونانيا أرثوذكسيا، بينما والدته كانت سويدية كاثوليكية، وفي الوقت الذي كان فيه المجتمع البريطاني أنجيليكانيا، أدخلته أمه مدرسة دينية تعلم فيها أن الإنسان يمكن أن يصير إلها إذا أتقن عمله، فشجعه هذا على إجادة الغناء. بعد طلاق والديه، عندما كان في الثامنة من عمره، رحل ستيفن مع والدته إلى مدينة بافل بالسويد، حيث بدأ حياته الفنية في سن صغيرة بعد دراسة قصيرة للفن، وعند بلوغه سن 18، حقق نجاحا لا بأس به بعد أدائه أغنية" سأقتني بندقية" سنة 1966، إلا أنه اضطر إلى التوقف عن الغناء بسبب مرضه بالسل، الذي كاد يودي بحياته وهو في سن 19، ما اضطره إلى دخول المستشفى لمدة عام تقريبا، حيث عكف على قراءة كتب الفلسفة والتصوف الشرقي، وتمنى لو أنه يعرف الطريق إلى اليقين الروحي، إذ كان يشعر بأن حياته بها شيء غير مكتمل، رغم النجاح الذي حققه، وفي النهاية قرر أن يعود إلى الغناء، لكن بطريقة جديدة تجعله أكثر التزاما تجاه ما يحسه ويفكر فيه. بعد خروجه من المستشفى، استأنف ستيفنس حياته الفنية، بعدة أغان مثل"عالم متوحش" و"طلع الصباح"، محققا نجاحا كبيرا خول له شهرة عالمية، بحيث استطاع الفوز إلى جانب إلتون جون بلقب أفضل كاتب أغان في بريطانيا، لتميز أغانيه بحسها الفلسفي العميق والتأملي في الحياة، وتجلياتها، لقد كان نجما بكل ما تحمله الكلمة من معنى. سجل 8 ألبومات قبل أن يبلغ العشرين من عمره، واستطاعت إحدى أغانيه أن تدخل قائمة أفضل 10 أغنيات في بريطانيا آنذاك، فغير اسمه إلى كات ستيفنس، وهو اسم شهرته، التي حققها ولم يكن قد تعدى الثانية والعشرين من عمره بعد. بعد ذلك حققت أغنيتاه "الطريق لمعرفة الله"، و"ربما أموت الليلة" نجاحا كبيرا زاده حيرة، فطرق باب البوذية ظنا منه أن السعادة هي أن تتنبأ بالغد لتتجنب شروره، فصار قدريا وآمن بالنجوم وقراءة الطالع، ثم انتقل للشيوعية ظنا منه أن السعادة هي تقسيم ثروات العالم على الجميع، لكنه شعر أنها لا تتفق مع الفطرة، فاتجه كات ستيفنس إلى تعاطي الخمور والمخدرات ليقطع هذه السلسلة الصعبة من التفكير، بعد أن أدرك أنه ليست هناك عقيدة توصل إلى اليقين، وعاد إلى تعاليم الكنيسة. صادف حادث الغرق ومرض كات ستيفنس بالسل، عودة أخيه من رحلة زار فيها القدس وأحضر فيها هدية له عبارة عن نسخة مترجمة من القرآن. ويحكي كات عن هذه اللحظة في مذكراته قائلا "أمسكت بالمصحف فوجدته يبدأ باسم الله، فنظرت للغلاف فلم أجد اسم مؤلف، حاولت أن أبحث فيه عن ثغرة أو خطأ فلم أجد، إنما وجدته منسجما مع الوحدانية الخالصة، فعرفت الإسلام". قرر كات ستيفنس السفر إلى فلسطين، ودخل المسجد الأقصى فأحس بالطمأنينة، وعندما رجع إلى لندن التقى بفتاة مسلمة صرح لها برغبته في إشهار إسلامه، فأخذته إلى المركز الثقافي الإسلامي بلندن، وهناك نطق بالشهادتين وأعلن إسلامه. ومنذ تلك اللحظة طوى الشاب الإنجليزي صفحة "كات ستيفنس" تماما وأصبح يعرف باسم "يوسف إسلام". بدخوله الإسلام، اعتزل يوسف إسلام الموسيقى الصاخبة، ورأى أن يستغل موهبته، التي أعطاه الله إياها في خدمة الدعوة إلى الله، فقام بتسجيل عدد كبير من الأناشيد الدينية، التي ألفها بالإنجليزية مع تطعيمها بكلمات وجمل عربية لإكسابها روحا إسلامية عذبة، فبدأ، منذ 1993، في تسجيل مجموعة من الألبومات وصلت حتى الآن إلى 10، وحرص في تلك الألبومات على إيصال قيمة ومفهوم الإسلام للمسلمين وغير المسلمين، إذ تضمنت هذه الشرائط أناشيد وأغنيات دينية ذات محتوى تثقيفي تعليمي، إذ يقول في أحد حواراته "إذا كنا نرى السوء في بعض الأشياء، فعلينا توفير البديل الحلال ليستمتعوا به، فأنا أحرص دائما على أن تكون أناشيدي الدينية على المستوى الفني والتقني نفسه لألبوماتي السابقة حتى لا ينفر منها أحد". قدم أول ألبوماته الإسلامية كمنشد بعنوان "حياة آخر الأنبياء"، الذي روى فيه القصة الكاملة لحياة الرسول، كما تضمن أغنية "طلع البدر علينا"، وتلاه بالألبوم الثاني عام 1997. بالإضافة إلى هذين الألبومين، سجل يوسف إسلام عددًا من الأغنيات الإسلامية للأطفال من أشهرها "هذا من أجل الله"، التي تحولت إلى نشيد رسمي في عدد كبير جدا من المدارس الإسلامية في بريطانيا، وقدم بعدها أغنيتين مع فريق الأناشيد الماليزي "ريحان"، وهما "الله هو النور"، و"خاتم الرسل". وفي 6 مارس 2003، وقبيل الحرب الأميركية على العراق، أصدر يوسف إسلام توزيعا جديدا لأغنيته "قطار السلام"، التي استخدم فيها الدفوف، ليعلن موقفه الرافض للحرب، معلقا "كتبت قطار السلام ضد الحرب لتصل رسالتها لقلوب الملايين، وتلبي حاجة كبرى للناس لكي يشعروا بأن ثمة أملا يتزايد، فأنا كإنسان وكمسلم أشعر أن هذا هو إسهامي في الدعوة للحل السلمي". للإشارة، يوسف إسلام متزوج ولديه 5 أولاد، حرص على تعليمهم تعليما إسلاميا بجانب التعليم النظامي الإنجليزي، دخل أخوه الإسلام مبكرا، أما أبوه فقد أسلم قبل وفاته بيومين.