استطاعت حركة شباب 20 فبراير أن تعيد إلى الواجهة الأغنية الحماسية والثورية، بعدما تم تناسيها لفترة من الزمن وباتت جزءاً من الماضي لا تُذكَر إلا حينما نتذكر أيام «ناس الغيوان» و«جيل جيلالة». هذه العودة عرفها بالذات فن «الراب» في المغرب، الذي يمتاز -بالمقارنة مع باقي البلدان العربية- بهامش من الحرية يسمح له بالخوض في ما يسمى الطابوهات والقضايا المهمة. وبذلك، توالت الأعمال الفنية لمجموعة من فناني «الراب» و«الروك» وغيرهما في المغرب، شبابا كانوا أو رجالا، التي تعبر عن رأي هؤلاء في حركة 20 فبراير وكذا في الحراك الاجتماعي والسياسي الذي تشهده البلاد. «الثوار الجدد»، هكذا يلقب البعض مجموعة من مغني فن «الراب»، ذائعي الصيت في المغرب، خاصة أولئك الذين ينتقدون القضايا الاجتماعية والاقتصادية، وطبعا، السياسية، بصرامة، بعيدا عن مواضيع الحب والغرام، التي «ميّعت» عالم الموسيقى حسب بعض المتتبعين. وقد شكلت «ثورة» شباب حركة 20 فبراير مناسبة ليظهر الدور الذي تقوم به أغاني «الراب» الثورية بقوة، حمّس بعضها الشباب للنزول إلى الشارع وترديد البيت الشعري الشهير «إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر»، وبعضها عبّر -صراحة- عن رفضه هذه الحركة وما جاءت به، كما قال أحد «الرابّورات» («رابور» هو الاسم الذي يُطلق على مؤدي أغاني الراب) من مدينة طنجة المعروف ب«مادي»: «ردو بالكم، هادي خطة ملعوبة وغادي تبقى في التاريخ مكتوبة.. عرفو شْنو تختارو قدور ليكوم، ومن أعداء الله يا المسلمين ردوا بالكم»... لقد استخدم الشباب أغاني «الراب» التي نشرت في المواقع الشهيرة على شبكة الأنترنت من أجل التعبير عن رفض أصحابها المشاكل والأزمات التي يعيشها المجتمع المغربي، كما شكلت وسيلة مميزة لإيصال مطالبهم و«رسائلهم» إلى «كل من يهمهم الأمر»... تميزت أغاني «الراب»، في الآونة الأخيرة، بتركيزها على قضايا وطنية وسياسية مهمة، مثل قضية الصحراء والعلاقات المتوترة بين المغرب والجزائر وجبهة البوليساريو، فيما تطرق البعض الآخر لقضايا إقليمية ودولية، مثل القضية الفلسطينية والوحدة العربية وأحداث العراق، ووجهت أيضا انتقادات للسياسة الخارجية الأمريكية. انتشار الراب في المغرب يعرف فن «الراب» على أنه لون موسيقي يمتاز بلفظ المؤدين كلمات الأغنية، التي تمتزج مع إيقاعات موسيقية دون الالتزام بلحن معين. ويُعرّفه الأكاديميون بأنه نوع من الموسيقى ذات إيقاع يرافق كلمات مرتجَلة أو مكتوبة. بدأ في جاميكا في نهاية الستينيات كنوع موسيقي جديد متفرع عن ال«دانس هول» (dance hall) قبل أن ينتشر في الولاياتالمتحدةالأمريكية في بداية السبعينيات على يد الأمريكيين الأفارقة، ومنه إلى باقي دول العالم في بداية التسعينيات. وفي المغرب، لم يلق هذا اللون الموسيقي الجديد ترحيبا كبيرا في بداياته، بسبب غرابة الكلمات والإيقاعات الموسيقية، وحتى هندام «الرابور»، حيث لم يظهر بقوة إلا مع بداية الألفية الثانية، ليصنع بذلك مكانا له في الساحة الفنية المغربية وحتى على الصعيد المغاربي. انتشر فن «الراب»، بإيجابياته وسلبياته، بين الشباب بسرعة وتناسلت فرق «الراب» وازداد عددها، بعدما حصلت على دعم إعلامي كان غائبا في السابق. كما ساهمت المهرجانات الفنية في تقديم الفرق الصاعدة. ويعد «بولفار» البيضاء و«جيل موازين» أشهرَها. كما كان للغة المستعمَلة، والمعروفة ب«لغة الشارع» -وليس اللغة السوقية- تأثير خاص على هذه الأغاني سهّل انتشارها في مختلف المدن المغربية، بعدما امتزجت كلمات الأغاني بين الدارجة والأمازيغية إلى جانب العربية والفرنسية والإنجليزية. إلا أن السبب الرئيسي الذي يقف وراء هذا الانتشار، حسب المتتبعين لما يدور في الميدان، يعود، بالأساس، إلى تساهل الرقابة وعدم تشددها مع مؤدي الراب، كما يحدث في باقي الدول العربية والمغاربية. ولعل ما حدث مؤخرا لمغني الراب التونسي حمادة بن عمر خيرُ دليل على ذلك، حيث اعتقلته السلطات التونسية بعدما أطلق أغاني على الأنترنت تنتقد أسلوب الحكومة في التعامل مع احتجاجات شبان تونسيين ضد تفاقم البطالة، قبل أن تفرج عنه. وجاء منطق الرقابة هذا من خلال بعض القضايا والمواضيع الحساسة التي يطرحها هذا اللون الفني، انتقدت الوضع الاجتماعي والاقتصادي والسياسي. فنانون مع 20 فبراير حرك شباب 20 فبراير ساحة «الراب» المغربي، وتوالت بذلك «التّْراكات» أي القِطع الموسيقية، منها من يؤيد ويُحفّز الشباب على الخروج والمشاركة في مسيراتها واحتجاجاتها، ومنها ما عبّر عن رفض هذه الحركة، فبالأحرى أن تتحدث باسم الشعب المغربي، بكل مكوناته. وهنا، ظهر مغنو «راب»، بعضهم مغمورون، برزوا مع حركة 20 فبراير، وآخرون معروفون في الساحة الفنية المغربية. «كاتب ليك هاد الرسالة ما ننقص فيها لسطور.. باش ندرك نقول ليك بْاللّي الحومة كاملة محفورة.. باللي الأمن الوطني والحنوشة كايلعبو بينا.. باللي الضو والما والمعيشة غاليا علينا»... كان هذا مقتطفا من أغنية راب باللهجة الشمالية، نشرت على موقع «يوتوب»، تؤجج «ثورة» الشباب وتحفزهم على الخروج بكثافة والمشاركة في مسيرة 20 فبراير، قصد الاحتجاج ضد الفساد والرشوة، المتفشيين بين رجال الأمن والسلطات المحلية والبرلمان، وللاحتجاج ضد نهب المال العام وتزوير الانتخابات، إضافة إلى قضايا أخرى تتعلق بالفقر وإدمان المخدرات وارتفاع حوادث السير والبطالة والهجرة السرية وتزايد الفوارق الطبقية وتدهور التعليم... ويضيف «الرابور»: «كيفاش بغيتي المغرب يكون حر ويتقدم؟». «كايضرني خاطري» هو عنوان أغنية نشرت في «يوتوب» بعد مسيرة 20 فبراير،. تستهل الأغنية بهتافات المشاركين في المسيرة في الرباط. تهتف بالبيت الشعري المتداول: «إذا الشعب يوما أراد الحياة.. فلا بد أن يستجيب القدر.. ولا بد لليل أن ينجلي.. ولا بد للقيد أن ينكسر»... في هذه الأغنية، انتقد الشاب الذي يؤديها ما أسماه التفرقة الواقعة بين المغاربة بسبب النقاش حول الجهات التي تقف وراء حركة الشباب. طالب بالوحدة وبالتخلي عن الشعارات المنمقة: «حركة 20 فبراير خْلّات بنادم حايرْ.. شلا ما قالو عليها.. هي حركة شعبية يسارية عدلية سلفية حقوقية»... ويتابع أنها حركة تمثل كل ما ذكر سابقا، فيها شباب ضد الفساد، يعني مواطنين يرى أنهم يصنعون الحياة في دولة الحق والقانون ويقفون ضد ناهبي المال العام ويطالبون بالإصلاح والعدل. وتلت كلماته شعارات لمشاركين في المسيرة، يهتفون ضد القناة الثانية المغربية، في إشارة إلى امتعاضهم من وسائل الإعلام العمومية... كما انتشرت في «يوتوب» أغنية تنتقد مؤسسات البلاد وحكومة الوزير الأول عباس الفاسي واحتكار أسرته كلَّ المناصب وأوضاع المغرب الراهنة، ويستعرض فيها مغني مجهول يطلق على نفسه اسم «معاد الحاقد»، معاناة الشعب من الفساد في شتى الميادين، من الرشوة والاغتناء السريع واختلاس المال وعدم استقلال القضاء والدعارة والسياحة الجنسية وانتشار المخدرات.. بينما يحتكر المسؤولون القطاعات الإستراتيجية في المغرب، وانتقد الوزراء، الذين يملكون ثروات طائلة. وجاء في الأغنية أن وقت التغيير حان مع حركة 20 فبراير. وردد مغني «الراب» شعارات الحرية والكرامة التي رفعها المتظاهرون خلال مسيرة 20 فبراير: «شكون هوما شكون هوما؟.. غير فواسة اللّي حاكمينْ شكون حنايا؟.. شكون حنايا ولاد الشعب المظلومين.. شكون حنايا؟ شكون حنايا؟ ولاد الشعب المقهورين»... تداول الشباب المغاربة هذه الأغاني في ما بينهم، على صفحات الموقع الاجتماعي «فيسبوك»، خاصة مع بداية مسلسل مسيرات الاحتجاج، الحركة شجعت المزيد من الشباب المتحمس لهذه الحركة وللأهداف التي تنادي بها على إصدار أغان أخرى تسير في نفس السياق، وهو ما نتجت عنه أغنية جريئة لشاب وفتاة أطلقا على نفسيهما اسم «فنانون من أجل حركة 20 فبراير»، هما «معاد الحاقد» و«جيهان»، ورفعا من خلالها سقف الانتقاد الموجه للوضع السياسي والاجتماعي في البلاد. يبدأ مطلع الأغنية ب«إذا الشعب يوما أراد الحياة.. ينوضْ يدوي على راسو، باراكا من السكات، راهم كلاو رزقنا لاحو لينا لفُتاتْ». وقد مثلت الأغنية دعوة خاصة إلى تحقيق مطالب تتوافق مع ما نادى به مشاركون في المسيرات التي باتت تنظَّم تقريبا كل يوم أحد. «وا نوضو يا النّعّاسة، شوفو الشعب في مصر.. شوفو شعب التوانسة.. وكذبْ عليك اللي قال ليكْ المغرب حالة خاصة.. واخّا العيشة مخصوصة وسياسة التكليخْ عندكم راها مدروسة.. لهيتونا بالشطيح والرديح ولالاكم لعروسة»... هكذا يوجه «الحاقد» انتقاده للمغاربة، داعيا إياهم إلى نبذ سياسة السكوت على الفساد وإلى الوقوف ضده، كما انتقد أعضاء لجنة المانوني لمراجعة الدستور، معتبرا أن الشعب هو من يملك حق تشكيل هذه اللجنة.