ثمة شيء على غير ما يُرام في بلدنا العزيز! صاحب قلم يُودَع السجن على ذمة التحقيق، والمتَّهمون بالفساد يصولون ويجولون في الداخل والخارج! لقد أخطأ الذين تفتقت «عبقريتهم» عن قرار وضع الزميل رشيد نيني خلف القضبان، ومتابعته بمقتضى القانون الجنائي وليس قانون الصحافة، وأساؤوا إلى وطننا مرتين: مرة بتلطيخ الصورة التي يرددها البعض عن المغرب كدولة تُحترم فيها إلى حد ما حرية التعبير والصحافة. ومرة ثانية، بالتشويش على مسار الإصلاح الذي أُعلن عنه من لدن أعلى سلطة في البلاد، وهو مسار رشح المغرب ليكون «الاستثناء» في خارطة الأوضاع السياسية العربية. ويبدو أن محرّكي الدعوى ضد نيني يستهدفون الإجهاز على تجربة صحافية فريدة تمثّلها صحيفة «المساء»، التي يكمُن جانبٌ من فرادتها في أنها استقطبت قراءً كثيرين لم تكن من عاداتهم اقتناء الصحف، وبالتالي جازت تسميتها «جريدة شعبية» بالمفهوم الإيجابي لهذه الصفة. كما أن الدعوى تستهدف أيضا الصحافيين، ممن يحملون مشعل الجرأة المهنية وفضح المسكوت عنه والنبش في ملفات سوء تسيير الشأن العام، وما أكثرها في المغرب! قد نتفق أو نختلف مع رشيد نيني في زاوية المعالجة وطريقة تناول هذا الملف أو ذاك، ولكن لا يجوز لأحد أن يُصادر حقه في التعبير وممارسة الاختلاف. فوجود قلم مثل نيني دليل على مستوى الحرية الذي وصلته الصحافة في المغرب، ومحاولة لجمه عن الكتابة أو فرض قيود عليه مساس خطير بتلك الحرية. السخرية والنقد حتى إن كانا لاذعين هما مِلح الإعلام، وبدونهما لا تُستساغ الكتابة الصحافية، وتكون بلا طعم أو مذاق. كان رئيس فرنسي سابق يشعر بأن شيئا على غير ما يرام إذا لم يقرأ «لوكانار أونشيني» ولا يجد فيها نقداً تجاهه. الجبناء من المسؤولين لا يريدون للصحافة أن تكون بالفعل سلطة رابعة، وتضيق صدورهم بفعل النقد. ومن يفعل ذلك، الأرجح أن لديه ما يخاف عليه، لأن «كل إناء بما فيه ينضح». والواقع أنه لم يعُد سرا من الأسرار أن تفتح هذه الجريدة أو تلك أو هذا الموقع الإلكتروني أو ذاك ملفا من ملفات الفساد، وتشير بالأصابع إلى مسؤول بعينه، مثلما فعل أيضا «المجلس الأعلى للحسابات». هذا شيء معقول جدا، ولكن ما ليس معقولاً هو صمت السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية إزاء ملفات الفساد. فإذا كنا فعلا بلدا ديمقراطيا، كما يردد الخطاب الرسمي، فالمفروض أننا سواسية أمام القانون، ومن هذا المنطلق، لماذا لا تتحرك الدعاوى ضد ناهبي المال العام.. ومُغيّبي الشفافية في الصفقات العمومية.. ومُستغِلي النفوذ.. وأصحاب الإثراء غير المشروع.. وهاضمي حقوق الكادحين، ممن تشير إليهم أصابع الاتهام في الصحف والتقارير المحلية والأجنبية؟ يضاف إلى ذلك، أن كلمة الفساد أصبحت تُتداول بكثرة، هذه الأيام، حتى في الإعلام السمعي البصري. وأخوفُ ما نخاف منه، أن يصير استعمال تلك الكلمة أمرا عاديا، وأن تُفرغ من حمولتها الأخلاقية والقانونية الخطيرة. لا نريد تطبيعاً مع الفساد، بل نريد محاكمةً لمرتكبيه واجتثاثاً لجذوره وتطهيراً للبلاد منه. أما محاكمة صحافي بقانون غير قانون الصحافة (الذي يحتاج هو الآخر إلى تعديلات) فليس سوى احتماء بغابة الفساد التي تريد أن تحجب شمس الحقيقية والتغيير. صحافي بالقناة الثانية الطاهر الطويل