صحيفة إيطالية: المغرب فرض نفسه كفاعل رئيسي في إفريقيا بفضل "موثوقيته" و"تأثيره"    عامل إقليم الجديدة يزور جماعة أزمور للاطلاع على الملفات العالقة    بوريطة: المغرب شريك استراتيجي لأوروبا .. والموقف ثابت من قضية فلسطين    مثل الهواتف والتلفزيونات.. المقلاة الهوائية "جاسوس" بالمنزل    الحسيمة : ملتقي المقاولة يناقش الانتقال الرقمي والسياحة المستدامة (الفيديو)    تعيين مدير جديد للمدرسة الوطنية للهندسة المعمارية بتطوان    المنتخب المغربي يفوز على نظيره المصري في التصفيات المؤهلة لكأس أمام أفريقيا للشباب    إقصائيات كأس أمم إفريقيا 2025 (الجولة 5).. الغابون تحسم التأهل قبل مواجهة المغرب    اشتباكات بين الجمهور الفرنسي والاسرائيلي في مدرجات ملعب فرنسا الدولي أثناء مباراة المنتخبين    السفيرة بنيعيش: المغرب عبأ جهازا لوجستيا مهما تضامنا مع الشعب الإسباني على خلفية الفيضانات    مقاييس التساقطات المطرية خلال 24 ساعة.. وتوقع هبات رياح قوية مع تطاير للغبار    بحضور التازي وشلبي ومورو.. إطلاق مشاريع تنموية واعدة بإقليم وزان    عنصر غذائي هام لتحسين مقاومة الأنسولين .. تعرف عليه!    وزيرة الاقتصاد والمالية تقول إن الحكومة واجهت عدة أزمات بعمل استباقي خفف من وطأة غلاء الأسعار    لمدة 10 سنوات... المغرب يسعى لتوريد 7.5 ملايين طن من الكبريت من قطر    الأرصاد الجوية تحذر من هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم وغدا بعدد من الأقاليم    الدرك الملكي بتارجيست يضبط سيارة محملة ب130 كيلوغرامًا من مخدر الشيرا    المنتخب المغربي الأولمبي يواجه كوت ديفوار وديا في أبيدجان استعدادا للاستحقاقات المقبلة    أزمة انقطاع الأدوية تثير تساؤلات حول السياسات الصحية بالمغرب    هل يستغني "الفيفا" عن تقنية "الفار" قريباً؟    مصرع شخص وإصابة اثنين في حادث انقلاب سيارة بأزيلال    بتهمة اختلاس أموال البرلمان الأوروبي.. مارين لوبان تواجه عقوبة السجن في فرنسا    بعد ورود اسمه ضمن لائحة المتغيبين عن جلسة للبرلمان .. مضيان يوضح    الارتفاع ينهي تداولات بورصة الدار البيضاء    ‬المنافسة ‬وضيق ‬التنفس ‬الديموقراطي    حوالي 5 مليون مغربي مصابون بالسكري أو في مرحلة ما قبل الإصابة    الجمعية الوطنية للإعلام والناشرين تسلم "بطاقة الملاعب" للصحافيين المهنيين    ألغاز وظواهر في معرض هاروان ريد ببروكسيل    الحكومة تعلن استيراد 20 ألف طن من اللحوم الحمراء المجمدة    صيدليات المغرب تكشف عن السكري    ملتقى الزجل والفنون التراثية يحتفي بالتراث المغربي بطنجة    الروائي والمسرحي عبد الإله السماع في إصدار جديد    خلال 24 ساعة .. هذه كمية التساقطات المسجلة بجهة طنجة    الإعلان عن العروض المنتقاة للمشاركة في المسابقة الرسمية للمهرجان الوطني للمسرح    نشرة إنذارية.. هبات رياح قوية مع تطاير للغبار مرتقبة اليوم الخميس وغدا الجمعة بعدد من أقاليم المملكة        معدل الإصابة بمرض السكري تضاعف خلال السنوات الثلاثين الماضية (دراسة)    تمديد آجال إيداع ملفات الترشيح للاستفادة من دعم الجولات المسرحية    مركز إفريقي يوصي باعتماد "بي سي آر" مغربي الصنع للكشف عن جدري القردة    الاحتيال وسوء استخدام السلطة يقودان رئيس اتحاد الكرة في جنوب إفريقا للاعتقال    حفل توزيع جوائز صنّاع الترفيه "JOY AWARDS" يستعد للإحتفاء بنجوم السينماوالموسيقى والرياضة من قلب الرياض    الدولة الفلسطينية وشلَل المنظومة الدولية    أسعار النفط تنخفض بضغط من توقعات ارتفاع الإنتاج وضعف الطلب    عواصف جديدة في إسبانيا تتسبب في إغلاق المدارس وتعليق رحلات القطارات بعد فيضانات مدمرة    "هيومن رايتس ووتش": التهجير القسري الممنهج بغزة يرقي لتطهير عرقي    إسرائيل تقصف مناطق يسيطر عليها حزب الله في بيروت وجنوب لبنان لليوم الثالث    الجيش الملكي يمدد عقد اللاعب أمين زحزوح    هذه أسعار أهم العملات الأجنبية مقابل الدرهم    ترامب يعين ماركو روبيو في منصب وزير الخارجية الأمريكي    غينيا الاستوائية والكوت ديفوار يتأهلان إلى نهائيات "كان المغرب 2025"    غارة جديدة تطال الضاحية الجنوبية لبيروت    أكاديمية المملكة تفكر في تحسين "الترجمة الآلية" بالخبرات البشرية والتقنية    الناقد المغربي عبدالله الشيخ يفوز بجائزة الشارقة للبحث النقدي التشكيلي    غياب علماء الدين عن النقاش العمومي.. سكنفل: علماء الأمة ليسوا مثيرين للفتنة ولا ساكتين عن الحق    جرافات الهدم تطال مقابر أسرة محمد علي باشا في مصر القديمة    سطات تفقد العلامة أحمد كثير أحد مراجعها في العلوم القانونية    كيفية صلاة الشفع والوتر .. حكمها وفضلها وعدد ركعاتها    مختارات من ديوان «أوتار البصيرة»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لماذا يريدون تحنيط «المساء»؟
نشر في المساء يوم 14 - 05 - 2011

كان الفراعنة في العصور القديمة يحنطون موتاهم تكريما لهم وصيانة لملامحهم وأجسادهم، لكي لا تنخرها الرطوبة والديدان، تبجيلا واحتراما لبني الإنسان، أما إعدام جريدة «المساء»
وتقديم مديرها إلى المحاكمة في حالة اعتقال وغلق الحدود في وجهه، رغم توفره على جميع الضمانات القانونية لمتابعته في حالة سراح، فهو بمثابة توقيع شيك على بياض، وإفساح المجال لرموز الفساد ولصوص المال العام لكي يعيثوا في الأرض فسادا، وإجبار الأقلام الشجاعة على التراجع إلى الوراء والاختفاء، وإخراس الأصوات المجلجلة والصداحة بالفضائح والتجاوزات الخطيرة التي تعرفها مجموعة من المرافق العامة والمؤسسات الاقتصادية والاجتماعية في بلادنا. الاعتقالُ بقرار سياسي يعوزه الأساس القانوني يعدُّ خرقا سافرا وانتهاكا مفضوحا للحق في التعبير. ومن غريب الصدف أن مصادرة حرية الصحافي المقتدر رشيد نيني جاءت متزامنة مع التفجيرات الإرهابية التي عرفها مطعم «أركانة» في مدينة مراكش وعلى مسافة قصيرة من خطاب 9 مارس الذي كان ثوريا بكل المقاييس، إضافة إلى الانفراج الملفت في طي ملف الاعتقالات السياسية. هذا القرار المتسرع وغير المؤسس يعد انتصارا حقيقيا لرموز الفساد وبعض العقليات المريضة التي تخشى التغيير، لأنه سيعصف بمجموعة من المواقع المتمترسة في خانة الحفاظ على الوضع القائم مهما كانت الظروف ومهما كلفها ذلك من ثمن. فالإصلاحات السياسية التي يعرفها المغرب بشكل سلس وسلمي، مقارنة بالبلدان المجاورة حيث الدمار والخراب والتقتيل وإراقة الدماء، أزعجت أعداء الوطن ودفعت بهم إلى زعزعة استقراره وأمنه بعبوات ناسفة جبانة غادرة خلفت مجموعة من الضحايا الأبرياء لا ذنب لهم سوى عشق سحر مدينة مراكش. والذين دبروا جريمة الاعتقال التعسفي لرشيد نيني لا يقدّرون الضرورة حق قدرها، فإن كانوا يعلمون تبعات ذلك فتلك مصيبة، وإن كانوا لا يعلمون فالمصيبة أعظم. هذه العينة النمطية من المسؤولين التي تتخذ قرارات جائرة بهذه الفظاعة تشكل خطرا على المصالح العليا للوطن وتفرغ كل الخطوات الإصلاحية من محتواها، كيف نقنع المنتظم الدولي بالجهوية الموسعة والحكم الذاتي والصحافيون يقبعون في السجون؟ كيف نجلب تعاطف أصدقاء جدد ونحن نسعى إلى إخراس كل الأصوات المنددة بالفساد والإفساد.
إن الصحافة، صاحبة الجلالة، سلطة رابعة وعلى رأسها «المساء» كيومية مواطنة متشبعة بثقافة الفضح، قالت في الجلادين والمسؤولين المنحرفين ما لم يقله مالك في الخمر، بالأدلة القاطعة والقرائن والحجج الدامغة. وتصفيتُها بهذا الشكل لن يزيدها إلا توهجا وإشراقا وتعاطفا كبيرا من لدن الرأي العام. ولعل القصف الذي تتعرض له في هذه الظرفية بالذات، بنيران صديقة، مرده إلى إفلاس الصحافة الحزبية وتراجع مبيعاتها وتقهقرها، فإذا كنت تحمل بين يديك جريدة حزبية وترتاد مقهى فإن عيون القراء تحاكمك وكأنك تحمل معك قطعة حشيش أو ذراعا من القنب الهندي. لقد ورثنا الانفصال نتيجة هذه القرارات المشوبة بالشطط في استعمال السلطة، والنتيجة أن المغرب لا زال يؤدي ثمنها إلى يومنا هذا في معارك عسكرية ودبلوماسية مكلفة والذين يستحقون المحاكمة هم من يحوكون هاته الدسائس المجانية غير محسوبة العواقب.
المغرب في الظرفية الحالية في حاجة إلى الرجال، وليس الذكور، وإلى النساء، وليس الإناث، لأنه لكل مرحلة رجالاتها، ومن يزرع الرصاص يحصد الألغام. لقد لامس رشيد نيني السلفية الأمنية والاستثناء المغربي والمغرب الفاسي والمياه الحمراء الصدئة التي يشربها سكان البيضاء وشبكة المظلات العائلية التي تحتكر خيرات البلاد وظاهرة الزواج السياسي والاقتصادي النفعي.. وكل هذه التجاوزات أقرها المجلس الأعلى للحسابات، ولا زال المجرمون الحقيقيون أحرارا طلقاء بدون حسيب ولا رقيب في مغرب الحداثة والانتقال الديمقراطي ودولة الحق والقانون. وإذا كنا نتحدث عن مخيمات الذل والعار بتندوف ونندد بالممارسات اللاإنسانية التي ترتكب في حق المحتجزين، فماذا عسانا نقول عن معتقل تمارة الرهيب الذي يشيب لهوله الولدان. وإذا كان حب الأوطان من الإيمان، فإن التنديد بالفساد كالماء المالح، كلما ازداد الإنسان منه شرابا ازداد عطشا، وإذا كان شارب الخمر يصحو بعد سكرته، فإن شارب الحب يبقى طول الدهر سكرانا.
دشنت في السابق محاولات فاشلة لتركيع «المساء» من خلال الحكم عليها بأداء تعويضات مالية خيالية للدفع بها في اتجاه الإفلاس، لكن هذا الإجراء لم يعط النتائج المتوخاة منه لأن اليومية لها قراء يحمونها، ثم تكررت محاولة أخرى من خلال الاعتداء بالسلاح الأبيض على رشيد نيني مع سبق الإصرار والترصد والتخطيط ومراقبة الضحية، وهي القضية التي سجلت ضد مجهول، والآن وصلت المرحلة إلى الحراسة النظرية وتمديدها ثم الأمر بالإيداع في السجن، يتلوه عقد جلسات المحاكمة ثم رفض السراح المؤقت لأسباب اعتباطية دون تعليل، وهيئة الدفاع مطالبة بأن تسلط الضوء على ملابسات هذه المحاكمة المثيرة التي تأتي في ظرفية استثنائية، حيث إن البلاد في مستهل وثبتها الأولى للانخراط في نادي الأنظمة الديمقراطية، لكن بعض الأيادي الخفية تحاول دائما أن تجرنا إلى الوراء وتخشى التغيير لأنه يمس بمصالحها. إن الهدف من توجيه تهمة التحريض وتحقير المقررات القضائية ومحاولة إلصاق الإشادة بالإرهاب برشيد نيني هو تهويل للموقف وتصوير للمعني بالأمر وكأنه يشكل خطرا حقيقيا على النظام العام. لكن هذه الادعاءات تنطوي على الكثير من اللبس والغموض، ففي الوقت الذي تصدر فيه أحكام قضائية نهائية ضد الإدارة وتمتنع عن التنفيذ بشكل صريح، لا نجرمها ولا نتابعها بإهانة القضاء أو إنكار العدالة، رغم أن الامتناع عن تنفيذ الأحكام يعد مخالفة قانونية صارخة واعتداء ماديا على مبدأ فصل السلطات. ومن شأن التوظيف الخاطئ لهذا المقتضى القانوني في حق الأشخاص وفي الظرف الراهن أن يهدم البنيان القانوني لضمانات المحاكمة العادلة، ومن ضمنها الحق في الدفاع وحق المتابعة في حالة سراح، كما من شأنه أن يخدش سمعة المغرب ويؤثر بشكل سلبي على المصالحة بين المواطن والإدارة وإعادة بناء الثقة بينهما. وثمة رسائل مشفرة تبعث بها إلينا لوبيات المقاومة والحرس القديم مفادها أننا لا زلنا نعيش خارج الزمان الديمقراطي. ورغم ذلك واستلهاما من تراثنا الشعبي الأصيل، ف«المساء» «كالسة ليهم ما كلست العمشة على كحلها» أحبوا أم كرهوا.
محمد خمريش - أستاذالقانون العام


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.