خرجت إلى شوارع القاهرة بعد أيام من إعلان تطبيق قانون المرور الجديد لأشاهد التغيرات التي طرأت على الشارع المصري وأثر القانون الجديد في حياة الناس وهالني ما رأيت؟!! فلا أثر يذكر لأي تعديلات مرورية في الشوارع سوى كمائن الشرطة التي أصبحت كمائن لجبي المال من الناس وإتخام خزانة وزارة الداخلية بالمزيد من الأموال، حيث أخذت الصحف تنشر اليوم تلو الآخر حجم الأموال الضخمة التي جمعت من المخالفين وأعداد المخالفات المتزايدة، مشيت في الأحياء المختلفة فوجدت كل شيء على ما هو عليه، حيث الفوضى تضرب أطنابها في كل مكان، فأحياء مدينة نصر والمهندسين، وهي أكثر الأحياء المشهورة بصف السيارات بشكل عشوائي وأحيانا في منتصف الطريق وصفين متوازيين، كل شيء بها على ما هو عليه، حتى أني في بعض الأحيان كنت أجد صعوبة في السير بسبب تكدس السيارات في الشوارع، أما السير في الممنوع أو عكس السير فليس على ما هو عليه وحسب داخل المدينة، ولكنه على الطرق السريعة كما هو، حتى إني رأيت على إحدى الطرق السريعة خارج القاهرة ما يسمى ب«التكتك» وهو يسير عكس الاتجاه، رغم أنه ممنوع أساسا من الخروج من القرى أو المناطق العشوائية، رغم أنه يعمل دون أي قانون منظم له حتى الآن، و«التكتك» هذا هو إحدى الكوارث التي أنجزتها الحكومة خلال السنوات الأخيرة، حيث يتقدم العالم في وسائل النقل والاتصالات لكن مصر تتراجع، فالتكتك الذي ليس له قانون حتى الآن تسمح الدولة باستيراده وبيعه بل وتجوله حتى على الطرق السريعة، كما رأيت بعيني دون أن يكون له أي ترخيص تماما مثل حقيبة الإسعافات الأولية التي صدر بها قانون المرور الجديد، بينما لم تقم وزارة الصحة حتى الآن بوضع مواصفاتها في الوقت الذي قام فيه المواطنون بشراء ملايين الحقائب التي قام بعض المتنفذين باستيرادها من الصين أو بعض الدول الأخرى لمعرفتهم بمحتويات القانون قبل صدوره، حقيبة الإسعافات الأولية هذه أضحوكة كبرى، ففي الوقت الذي صبت فيه مئات الملايين من الجنيهات، جراء قانون الحقيبة، في جيوب بعض المتنفذين ليزدادوا غنى فوق غناهم بينما يزداد الفقراء فقرا فإن كثيرا من الخبراء يقولون إنه لو كان العبقري الذي وضع القانون يهدف بحق إلى العمل من أجل مصالح الناس والحفاظ على حياتهم لفرض رسوما تقدر بمائة جنيه على كل سيارة سنويا أثناء ترخيصها لبند تحسين الإسعافات والخدمة الطبية على الطرق، بدلا من مائة وثمانين جنيها ثمنا لحقيبة الإسعافات التي لا يعرف أحد كيف يستعملها ولا ما هي مواصفاتها، ولو تم توجيه المبالغ لإقامة نقاط إسعاف جيدة الخدمة وشراء سيارات وتدريب مسعفين وإقامة مستشفيات للحوادث لتقوم بإنقاذ أرواح الآلاف من الناس التي تموت بسبب خدمة الإسعاف المتأخرة والضعيفة على الطرق، وفي كل دول العالم المتقدم حينما يقع حادث لا يقوم أحد بالتدخل إلا المتخصصون وذلك حفاظا على أرواح المصابين، علاوة على أن أقصى مدة يمكن أن تصل فيها سيارة الإسعاف إلى مكان الحادث لا تزيد في كثير من الدول عن عشرين دقيقة، أما الطرق المتهالكة وسيارات الإسعاف المتآكلة في مصر فإنها في كثير من الأحيان لا تصل إلى مكان الحادث متأخرة بل لا تصل على الإطلاق، إن ثقافة الفوضى التي يمارسها الناس في شوارع مصر بشكل عام ليس بحاجة إلى قانون عشوائي لإنهائها وإنما بحاجة إلى ثقافة أخرى تلعب كل قوى المجتمع دورا في علاجها وأن تكون مصالح الناس فوق كل اعتبار، لقد صدر خلال السنوات العشر الأخيرة حوالي ألف قانون كثير منها كما قال الخبراء غير دستورية وكثير منها صدر لصالح الأقلية المتنفذة، كما أن معظمها عبارة عن قوانين عشوائية فاقمت من أزمة الفوضى القائمة في مصر والتي يمكن أن توصل البلاد، كما قال بعض الخبراء، إلى مرحلة انسداد، حيث يصبح الناس يوما فيجدوا كل شيء قد توقف فجأة، وإلا ما معنى أن يصدر قانون يحرم وقوف السيارات في الشوارع صفين في وقت لا توجد فيه «جراجات»، وما معنى أن يصدر قانون يجرم الدخول في الاتجاه المعاكس ولا توجد لوحة تشير إلى ذلك، وما معنى أن يصدر قانون للمرور دون تخطيط للشوارع ودون أرصفة للمشاة، ودون علامات ضوئية وأرضية، وإشارات مرور، الناس في الدول المتحضرة يلتزمون بقوانين السير لأنها جزء من ثقافتهم، قبل أن تكون هناك قوانين ملزمة يقف جيش من ضباط وعساكر المرور في الشارع لفرضها على الناس، فمنذ مرحلة الحضانة يتم تعليم الأطفال ثقافة احترام المرور وقواعد المرور وثقافة الحياة المنظمة. فالقضية في النهاية هي قضية ثقافة بالدرجة الأولى، فالثقافة السائدة في مصر هي ثقافة الفوضى، وحينما تتغير ثقافة الفوضى وتزول عندها يمكن الحديث عن تطبيق قانون المرور.