مباشرة بعد صدور قانون يمنع استعمال «الميكة الكْحلة»، صدر تعديل حكومي «طيّر» عددا من الوزراء وجاء بآخرين. إنها إثارة لم يتعودها المغاربة الذين اعتادوا الرتابة المقززة التي لا تكسرها سوى أخبار الفيضانات والحوادث الأليمة. ما الأهم، إذن.. منع الأكياس البلاستيكية السوداء أم التعديل الحكومي؟ أكيد أن القانون الأول أهم بكثير لأن الوزراء يأتون ويذهبون، والحكومات مثل فصول السنة، لا بد أن تذهب واحدة وتأتي أخرى، لكن الحقول التي تقتلها الأكياس البلاستيكية السوداء لا تعود إليها الحياة أبدا.. إنها تظل كذلك لقرون طويلة. وفي المغرب، مساحات شاسعة من الأراضي التي كانت قبل سنين حقولا خضراء يانعة وتحولت اليوم إلى صحاري مقفرة، لأن الأكياس السوداء تكفلت بالقضاء على كل أثر للحياة بها. الذين فصلوا قانون منع «الميكة الكْحلة» كان عليهم أن يتبعوه بقانون آخر ينص على منع «التحنزيز»، أي أن المغاربة عندما يبدؤون في استعمال الأكياس البلاستيكية الشفافة فهذا يعني أن مشترياتهم ستكون مكشوفة للجميع. وما يعرف عن المغاربة هو حرصهم الشديد على خصوصياتهم، فالمغربي عندما يمنحه التاجر كيسا أبيض ليضع فيه مشترياته يقول له: «زدْني عافاك واحد الميكة كحلة باش نخبّع فيها هاذ الشّي». لهذا السبب، يجب على حكومة عباس، الجديدة طبعا، أن تصدر قانونا يعاقب كل جار «يحنْزز» في «ميكة» جاره البيضاء. هكذا سيكون القانون مكتملا... وقانون منع استعمال «الميكة الكحلة» سيسير جنبا إلى جنب مع قانون منع «التحنْزيز» في «الميكة» البيضاء. بعد صدور قانون منع «الميكة الكحلة»، الذي سيخلده التاريخ المغربي بمداد من ذهب، يمكن للمغاربة أن يتنفسوا الصعداء وهم يرون كبير موظفي الدولة، عباس الفاسي، يفعل شيئا محسوسا. وكثيرون كانوا يسخرون من صلاحيات عباس ويقولون إنه لا يستطيع فتح تلفزيون مكتبه بدون إذن، لكن الحقيقة أن الرجل عكس ما نعتقده، لذلك فإن المغاربة ينتظرون منه المزيد. المغاربة ينتظرون مستقبلا صدور قانون يمنع تربية كلاب «البيتبول» التي نهشت أجساد عدد مهم من المغاربة. ومن الغريب أن الناس يذهبون إلى حدائق الحيوانات لمشاهدة الحيوانات المفترسة، بينما كان بإمكانهم رؤيتها في الشوارع وهي تتجول مع أصحابها، وبين الفينة والأخرى تنقض على أحد المارة وتنهشه، ثم تكمل طريقها. وإذا استطاعت حكومة عباس أن تصدر قانونا يمنع الكلاب المتوحشة في شوارع المغرب، فإن الناس سينتظرون أن يصدر قانون آخر يمنع استعمال الدراجات البحرية «الجيتسكي» في الشواطئ.. هذه الدراجات التي ألحقت بالمصطافين المغاربة ما لم تلحقه بهم أسماك القرش العدوانية. بعد قانون منع الجيتسكي، يمكن لحكومة عباس أن تصدر منعا آخر لا يقل أهمية، وهو منع المراهقين وأبناء الأغنياء والمختلسين وتجار الحشيش من استعمال الطرقات العمومية كحلبات لسباقات الرالي. المغاربة البسطاء تعبوا من رؤية هؤلاء الأبناء المدللين الذين يشبهون ديدانا مقززة وهم يتصرفون وكأن المغرب لهم وحدهم. لقد أصبح منظرهم وهم يتسابقون في الشوارع بسياراتهم الفارهة منظرا غير لائق بمغرب يعيش السنة العاشرة بعد القرن العشرين. هذا كل ما ينتظره المغاربة من عباس ويتمنون منه أن يحققه في هذه السنة الجديدة. فالمغاربة انخفض سقف أحلامهم بشكل كبير خلال العقود الأخيرة. إنهم لا ينتظرون لا إصلاحات دستورية ولا قانونا للمحاسبة ولا قانونا يفرض التوزيع العادل للثروات ولا قانون من أين لك هذا ولا من أين لك هذه. الناس يريدون فقط حياة آمنة، أما الإصلاحات الكبرى فإنها تشبه إصلاح الأسنان، إنها لا تبدأ قبل أن يرى الواحد أسنانه تتساقط الواحدة تلو الأخرى أو تبقيه مستيقظا طوال الليل.