وقفت «سعاد» أمام المرآة وأرسلت نظرة لها معاني كثيرة: خليط غير منسجم من أحاسيس البؤس والشقاء والانتقام والتحدي والخوف والكره وربما الحب.. ثم شرعت تتذكر.. في ليلة الجمعة, في ال14 من يناير عام 2010، كانت في طريقها إلى مدينة فاس، لتحضر اجتماعا يخص عملها: تقضي ليلة ثم تعود غدا مساء، بعد أن أودعت ابنها، ذا الستة شهور، وابنتها، ذات الثلاث سنوات، عند والدتها، كما ألِفتْ في مناسبات كتلك. تحرك في قلبها أثناء الاجتماع فزع دفين واعتراها قلق غامض، وأنبأها «هاتف» الأمومة المرهف أن تُكلّم والدتها أثناء العشاء لتسأل عن طفليها، أكدت لها أن الصغير صار يبكي بدون انقطاع، فأوصتها أن تعطيه بعض المحاليل التي تركتها في محفظة الدواء، وتعاود الاتصال بها بعد العودة لإلى الفندق. كان قلق والدتها يخترق الأثير، فتوجست «سعاد» شرا، وقررت أن تمسك بمقود سيارتها وتعود لإلى الرباط، والساعة حينها قد تجاوزت العاشرة ليلا بدقائق. على امتداد الطريق، لم تدع هاتفها يستريح، فقد كان قلبها يخبرها أن الجرة لن تسلم هذه المرة. فهذا البكاء، منذ أربع ساعات، غير عادي أبدا... توقفت في آخر محطة في الطريق السيار لتعبئة البنزين. رن هاتفها هذه المرة لتسمع أمها تطمئنها أن الرضيع قد هدأ أخيرا وغرق في نوم هادي وبريء، واقترحت عليها أن تبيت في شقتها حتى الصباح، فلا داعي لإزعاجهم في منتصف الليل. ركنت سيارتها في المرآب التحت أرضي للعمارة واستقلّت المصعد، وقلبها يعصره خوف غامض. فتحت الباب بهدوء ودلفت، على مهل، إلى الداخل.. كان ضوء خافت ينبعث من غرفة نومها. ظنت أن «هشام»، زوجَها، ما يزال مستيقظا يتابع فيلما على التلفاز، قبل أن تنتبه إلى أن «الفيلم» الذي ستشاهده بعينيها سيكتب عليه قريبا «النهاية»: «هشام» و«نوال»، صديقتها الحميمة على السرير، وهما يصدران معا الآهات الأخيرة في الدرك الأسفل من جحيم الخيانة!.. وقفت لثوان كتمثال رخاميّ بارد لا تقوى على التصديق ولا التكذيب ولا على الصراخ ولا العويل، ولا حتى على التنفس.. قام «هشام»، مسرعا يدفعها خارج الغرفة ويغلق الباب دونها. «سعاد»، بقيت كما هي، بدون حراك.. بينما سكين غير صالح للذبح يقطع أوردتها وريدا، وريدا... سكين الخيانة: خيانة الحب وخيانة الصداقة! ما أقساها من ذبحة وما أغدرها من طعنة، «هشام يخونها»! ولكنْ، لماذا لم يذهب بعيدا ويُجْرِم؟ هل هذا إمعان في التنكيل بها، أم إنه لا يمكن أن يحب أخرى سواها، لذلك اختار أكثر الناس شبها بها وأكثرهم تذكيرا له بها: «نوال»، صديقة الطفولة والمدرسة والجامعة وزميلة العمل والجارة ومستودع أسرارها؟.. كيف تخونها في الغرفة التي أشركتها في اختيار أثاثها وديكورها؟... لم يكن الابن مريضا، إذن، ولا متألما. كان «يناديها» في الوقت المناسب لتكون في المكان المناسب لرؤيتهما يقطفان ثمرة الشجرة المحرَّمة.. لم تنبس ببنت شفة.. لم تصرخ ولم تطلق آهات حزينة ولا ولولات يائسة، بل وقفت بخشوع وسكينة حتى لبسا وخرجت «نوال»، تتصبب عرقا. طأطأت رأسها وغادرت على أصابع قدميْها وهي تحضن فستان سهرة أسودَ طويلا تلمع منه حبات الخرز التي تُزيّنه.. ولم تملك الجرأة لتغلق الباب وراءها.. وبقيت وجها لوجه أمام «هشام»، الذي بدا كحيوان جريح سقط في مستنقع آسن يعُجّ بالتماسيح، كم يسهل اصطياده!.. لكنها لم تسأله ولم تكلّمه إمعانا في إذلاله.. فالاستماع إليه قد يُخفّف من جرحه ويزيد من أسهمه في بورصة الكرامة والرجولية المغشوشة، لتدعه يرفل في الوحل المتعفن.. فلو تكلم، ربما، شوهها ليزوق نفسه، وربما اتهمها ليبرئ ضميره.. ها هو الصياد والأسد الهصور صار أمامها طريدة سهلة، ولكنها لن تطلق عليه رصاصة الرحمة، ستتركه يطلب الموت ولا يجده... دخلت غرفتها. جمعت الوسائد والأغطية وألقت بها في كيس القمامة. إنها تعبق عطرا متبقيا من مائدة اللئام.. عطر يسبب لها حالة ربو نفسي.. نامت إلى جانبه، بعينيين مفتوحتين وعقل شارد... قامت في الصباح. أخذت حمامها، كالعادة، وأعدّت الإفطار وذهبت تسأل عن أولادها. ولم تنس أن تفرغ على جسدها قنينة عطر كاملة، ربما، لكي تخفي الرائحة النتنة لجثتين مميتين في قلبها: جثة الصداقة وجثة الحب!... واصلت «سعاد» مشوار الحياة بشكل عادي، كأنها لم تر ولم تسمع ولم تشتمَّ شيئا... ومع كل إشراقة شمس جديدة، تنطلق إلى عملها وإلى رعاية أسرتها وفي قلبها قد غربت شمس الحب لزوجها إلى الأبد، وصعدت على خشبة الحياة لتمثل دور الزوجة الغافلة والجميلة، الودودة والمطيعة.. استمرت كذلك في كل فصول «المسرحية» حتى النهاية. لقد آثرت العذاب على أن تتصرف كالحمقاوات وتطلب الطلاق وتقدم زوجها الزئبقي على طبق من ذهب لصديقة من حديد صدئ. جاءت عندي يوما، بعد أن قصّت قصتها، تطلب علاجا لانعدام الرغبة وموت الرعشة الجنسية منذ ليلتها المشهودة تلك. أجبتها: أنت تطلبين مني أن أصلح سيارة لا تتوفر على محرك ولا على بطارية ولا بنزين. آسف، أنا عاجز عن مساعدتك! فلا أجد لك علاجا يدفئ جسدا فارغا من الحب، سرقت منه الحياة برصاصة خيانة مزدوجة من زوج وصديقة!... استشاري علوم جنسية [email protected]