في مقابلة له مع وكالة الأنباء الألمانية طالب هشام الكروج، الذي تحول خلال الدورة الأخيرة لمنافسات أولمبياد بكين إلى صحافي يكتب الافتتاحيات في بعض الجرائد، الاتحادات الرياضية الدولية واللجنة الأولمبية الدولية بإيجاد حل لمشكلة تجنيس وهجرة اللاعبين من بلدانهم للانتساب إلى بلدان أخرى. فيبدو أن منظر العداء بحريني الجنسية ومغربي الأصل، رشيد رمزي، وهو يقوم بالدورة الشرفية حول مضمار السباق ملتحفا بالعلم البحريني بعد فوزه بالميدالية الذهبية قد تسبب لبعض أعضاء اللجنة الأولمبية المغربية في وخز ضمير حاد. على افتراض أن بعضهم مازال لديه ضمير. ويظهر أن أبطال المغرب السابقين مثل الكروج وسعيد عويطة يستطيعون الحديث عن هجرة الرياضيين المغاربة نحو بلدان أخرى، بينما ينسون أنهم هم أنفسهم هاجروا صحافيا من التعليق على منافسات بكين في قنوات تلفزيونية وطنية نحو قناة الجزيرة الرياضية التي ارتبطوا معها بعقود سمينة. ولو كان الإعلام الرياضي المغربي يحترم نفسه لكان تعاقد مع أبطاله العالميين السابقين لكي يعلقوا حصريا للمشاهدين المغاربة داخل المغرب وخارجه على منافسات بكين، بدارجة مغربية واضحة عوض تلك العربية المفككة المليئة بالأخطاء التي تشبه عربية المسلسلات المكسيكية المدبلجة. كل الذين تابعوا وصول رشيد رمزي أولا في سباق 1500 متر، شاهدوا مساعده وهو يحمل إليه هاتفا لكي يتحدث فيه. كان رئيس البعثة البحرينية ينقل إلى رمزي تهاني ملك البحرين على الذهبية الثمينة التي ستجعل دولة صغيرة مثل البحرين لا يتعدى عدد سكانها 800 ألف نسمة، تأخذ مكانها في سبورة الترتيب ضمن الدول الفائزة بالذهب الأولمبي. فما الذي حدث حتى تخلى رشيد رمزي عن علم المغرب وفضل حمل علم دولة البحرين. ومن حرم المغرب من بطل أولمبي كان يمكن أن يتلقى تهاني الملك محمد السادس عوض تهاني حمد بن عيسى آل خليفة. إن قصة اللجوء الرياضي لرشيد رمزي نحو دولة البحرين تلخص الوضع المنحط الذي وصل إليه التسيير الرياضي في المغرب. إذ ليس رشيد رمزي وحده من يجري تحت راية دولة البحرين وإنما هناك ثلاثة عدائين آخرين وعداءة، كانوا جميعهم يمارسون في أندية مغربية، قبل أن يطلقوا سيقانهم للريح ويفروا نحو ملاعب الأشقاء العرب. وعوض أن ينظر بعض المسؤولين إلى هؤلاء الرياضيين المغاربة من طالبي اللجوء الرياضي كخونة تخلوا عن حمل العلم الوطني في المنافسات الدولية، عليهم أن يكونوا صريحين مع أنفسهم ويسألوا بعضهم البعض عن الأسباب التي جعلت هؤلاء الرياضيين المغاربة يفضلون المغادرة الواحد تلو الآخر. أستطيع أن أقول أن الجمهور المغربي اقتسم مع رشيد رمزي فرحة الفوز بالميدالية الذهبية، رغم أنهم سمعوا مكان نشيد «منبت الأحرار» نشيدا عربيا آخر يتعرفون على كلماته لأول مرة. فرمزي يجسد في لاوعي المغاربة انتصار المظلوم الذي رفض رؤساؤه الإيمان بمواهبه ومقدراته واستهانوا بمستقبله. وهاهو يثبت لهم جميعا أنهم كانوا مخطئين، وعلى رأسهم عزيز داودة، عندما «كبروا» فيه عشرين ألف درهم، ثمن العملية الجراحية التي كان يتطلبها فخذه بعد إصابة تعرض لها خلال التداريب، وطردوه من المعهد الوطني للرياضات بالرباط. فقد كانت جامعة ألعاب القوى مهتمة أكثر بالكروج وبقية الأبطال الجاهزين لصعود منصات التتويج، ولا وقت لديها للاهتمام بعداء مغربي شاب كرمزي أحرز مركز وصيف بطل إفريقيا للشبان. ماذا كانوا ينتظرون من شاب فصل مستقبله على مقاس حلبات الجري، بعد أن ترك مقاعد الدراسة بمستوى الرابعة إعدادي، أن يصنع بعد تلقيه لقرار الطرد بإصابة بليغة في الفخذ، وأخرى أكثر قسوة في الكرامة. لقد اتخذ القرار الذي كان سيتخذه كل مغربي يوجد في مكانه. غير جنسيته وبدأ يركض تحت علم دولة البحرين التي احتضنته ووفرت له جميع الإمكانيات من أجل الظفر بذهبية بكين. فهل أخطأ رمزي لأنه أنقذ باتخاذه لقرار الهجرة والتجنيس مستقبله الرياضي من الفشل، أم أن الخطأ يتحمله أولئك الذين تسببوا في طرده من المعهد الوطني لألعاب القوى بذلك الشكل المهين وهو مصاب في حاجة إلى علاج. على هؤلاء المسؤولين الذين تناقلت الصحف أخبار احتلالهم لغرف انفرادية في بكين وكأنهم هم الذين سينزلون إلى حلبات المنافسة، في الوقت الذي كدسوا فيه اللاعبين مثل الأسماك في غرف مشتركة، أن يتأملوا جيدا عودة رشيد رمزي إلى المغرب لمتابعة التداريب استعدادا لملتقيات زوريخ وبروكسيل وشتودغارت. نفس الهواء الذي يستنشقه بقية العدائين المغاربة سيستنشقه رشيد رمزي، وسيركض في نفس المناطق الجبلية وفوق نفس العشب. وحده جواز السفر يختلف. على هؤلاء المسؤولين الذين تناقلت الصحف أخبار تعثر رحلة عودة بعضهم إلى المغرب للثقل الزائد عن الحد القانوني في أمتعتهم بسبب كثرة مشترياتهم الصينية والذين ذهبوا إلى بكين كما لو أنهم ذاهبون إلى درب عمر، أن يتأملوا عمق الجملة التي نطقها مسؤول رفيع المستوى في الرياضة الصينية يدعى «جيزهون وي»، فقد قال بأن الرياضة الصينية بحاجة إلى إصلاح. إذا كانت الرياضة الصينية التي تألقت وحصلت على المرتبة الأولى في عدد الميداليات في الأولمبياد في حاجة إلى إصلاح فإن الرياضة المغربية التي تفوقت عليها أثيوبيا وأصبحت تتنافس مع أفغانستان على سبورة الترتيب، بحاجة إلى ثورة حقيقية. بسبب هؤلاء المسؤولين الذين يختبئون اليوم جميعهم خوفا من تحمل وزر هذه الشوهة التي ذهبوا من أجلها إلى الصين، أصبح المغرب يحتل المرتبة 65 في دورة بكين. قبل أسبوع خرج المندوب السامي للتخطيط يندد في وسائل الإعلام العمومية بالظلم الذي يتعرض له المغرب كلما صدر تقرير دولي يصنف الدول حسب مستوى عيشها وتنميتها، وجاء تصنيف المغرب في الرتب الأخيرة. فهل ظلمتنا سبورة الترتيب في بكين هي أيضا حتى احتللنا أسفلها. أظن أن رتبة المغرب في بكين لم يظلمنا فيها أحد، وليست هناك دول جلبت إلى حلبات المنافسة أبطالا وهميين حصلوا على ميداليات كانت من نصيبنا. إن رتبتنا المتدنية في بكين تعكس حقيقة واقعنا الرياضي المبني على الغش والتحايل والمجانية والهواية في التسيير، واستصغار واحتقار الطاقات الواعدة، وتكسير طموحها في المهد. إذ ما معنى أن يرافق الوفد الرسمي أشخاص لا علاقة لهم بالرياضات المشاركة، في الوقت الذي يحرم فيه من مرافقة الوفد عناصر أساسية كمدربي بطلي القفز الطولي والسباحة والتايكواندو. ما معنى أن يحتكر بعض هؤلاء استعمال السيارات المخصصة للرياضيين في القرية الأولمبية ويدفعون الرياضيين إلى استعمال سيارات الأجرة. واضح أن هناك من ذهب إلى بكين ليقوم بالسياحة على حساب أموال دافعي الضرائب. وهؤلاء السياح الموسميون الذين يرافقون الوفود الرياضية الوطنية في كل مرة يأخذون الطائرة هم أول من يجب التخلص من رفقتهم، لأنها رفقة مكلفة لخزينة المملكة ولسمعة البلد. إن هؤلاء السياح الموسميين المقيمين في الجامعات الرياضية ووزارة الشبيبة والرياضة لن يقدموا استقالتهم من «اللصوق» في «رأس» الرياضة الوطنية. لأنهم استلذوا امتصاص دمائها منذ عقود طويلة. لذلك فعملية فطمهم عن «البزولة» ستكون صعبة، بل مستحيلة. وبدون عملية الفطام هذه سنرى عدائين وملاكمين ولاعبي جيدو ومصارعين ومدربين وأطباء رياضيين يحملون جنسيات أجنبية ويرفعون أعلام دول أخرى في الملتقيات الدولية. لقد قلنا لكم أن الحافلة عندما تتوقف عليكم أن تفكروا في تغيير المحرك وليس السائق. أفلا تعقلون.