تشكل تفجيرات مقهى أركانة بمدينة مراكش، يوم الخميس الماضي، ثاني عمل إرهابي يستهدف هذه المدينة منذ تفجيرات فندق أطلس إسني في شهر غشت من عام 2004، التي حدثت في أوج الأعمال الإرهابية، التي كانت تشهدها الجارة الجزائر، وأريد لها أن تكون بداية لإدخال المغرب مرحلة الاحتقان والمساس باستقراره، في مرحلة انتقالية كانت تشهدها المنطقة والعالم، عنوانها التحول من القطبية الثنائية إلى القطبية الأحادية، وما جره ذلك من تحولات على المستوى الداخلي في العديد من الدول العربية التي بدأت تسعى إلى التخلص من قبضة الحزب الوحيد. واليوم مع تفجيرات مراكش يتكرر السيناريو نفسه، لكن بشكل آخر هذه المرة. ففي الوقت الذي اتجه المغرب إلى الإعلان عن إصلاحات عميقة وتم تشكيل لجنة خاصة لوضع دستور جديد للمملكة، في ظل مرحلة انتقالية جديدة أيضا تتميز بتحرك الشارع العربي في العديد من الدول العربية، وما واكب ذلك من إطلاق سراح بعض المعتقلين ضمن دفعة كبيرة من الوارد أن تعقبها دفعات أخرى، مما يؤشر على أن العلاقة بين الدولة وبين السلفية الجهادية في طريقها نحو الانفراج، في هذا التوقيت الدقيق تأتي هذه التفجيرات في المدينة الحمراء لكي توجه رسالة وحشية، هدفها عرقلة مسار الإصلاح إن لم يكن توقيفه، وإرجاع عقارب الساعة إلى الوراء. وبصرف النظر عن المنفذين، الذين لم تكشف التحقيقات حتى كتابة هذه السطور عنهم، وما إن كانت التفجيرات تحمل بصمات داخلية أو تحمل بصمات لتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، فإن السؤال الذي يطرح يتعلق بالجهات المستفيدة من هذه الأحداث الإجرامية. ولا شك أن ما يجمع هذه الجهات هو التآمر على استقرار المغرب ومساره الإصلاحي والإجماع الذي تحقق حول هذا المسار منذ الخطاب الملكي في التاسع من مارس الماضي، فالمؤكد أن هناك جهات لا تريد أن يتبلور هذا المسار الإصلاحي الشامل في إطار دولة ديمقراطية تتمكن من عبور المرحلة الانتقالية بسلاسة بعيدا عن التشنج والاحتقان الداخلي. هذه هي الرسالة الأولى من هذه الجريمة الإرهابية. أما الرسالة الثانية فترتبط بالمناخ العام الجديد، الذي فتحه الإفراج عن المعتقلين السياسيين وبعض المعتقلين في إطار ما يسمى بتيار السلفية الجهادية، وهي تسعى إلى ضرب هذه المكتسبات وإعادة الاحتقان بين الدولة وبين هذا التيار إلى نقطة الصفر، والسعي إلى دفع السلطات المغربية نحو تكرار سيناريو تفجيرات العام 2003 في الدارالبيضاء. ومن الواضح أن السياق السياسي العام، الذي وقعت فيه التفجيرات الأخيرة، يتميز كثيرا عن الظروف التي تم فيها تنفيذ تفجيرات16 ماي 2003، بالنظر إلى الانفراج السياسي الذي انطلق في البلاد بعد التطورات العربية والدولية الأخيرة، وتراجع الموجة الإرهابية على المستوى الإقليمي، وبالموازاة معها تقلص خطاب مواجهة الإرهاب، بعد الضربات الأمنية الاستباقية التي تلقتها الخلايا الإرهابية في عدد من المناطق.