لو حصل لطارق بن زياد أن حل اليوم بين ظهراني الحراكة المتوجهين صوب جزيرة لامبيدوزا الإيطالية لكان قد خاطبهم قائلا: «أيها الناس، العدو أمامكم ووراءكم ...». نازحو تونس وليبيا هؤلاء، جراء الاختناق الاقتصادي والحرب، يوجدون اليوم في وضعية كرة البينغ- بونغ. ما إن يطردهم البوليس الفرنسي إلى الحدود الإيطالية حتى يرجعهم البوليس الإيطالي إلى الحدود الفرنسية! إن كانت إيطاليا «بوابة» للمهاجرين فإن فرنسا أصبحت سدا منيعا في وجوههم. وقد تفاقم الوضع بعد تسليم إيطاليا 20 ألفا من المهاجرين التونسيين تراخيصَ مرور نحو شمال أوربا، وتحديدا في اتجاه فرنسا. غير أن رد باريس جاء سريعا على لسان كلود غيان، وزير الداخلية، الذي صرح بأن فرنسا تفكر جيدا في إلغاء مؤقت لاتفاقيات شينغين، وهي المعاهدات المنظمة لحركة المرور بين 22 دولة أوربية. وتنص إحدى المعاهدات التي صادقت عليها 22 دولة على أنه من حق كل بلد، وبعد استشارة بقية الدول، أن يعيد التفتيش عند حدوده في حالة المس بالأمن العام أو بالأمن الوطني. على ضوء هذا الوضع، دخلت العلاقات بين روما وباريس مرحلة غير مسبوقة من شد الحبل. ولتلطيف الأجواء والوصول إلى حل يخدم المصلحة الأوربية، يعقد بروما هذا الأسبوع لقاء يجمع نيكولا ساركوزي برئيس المجلس الإيطالي سيلفيو بيرلسكوني. لم تنتظر فرنسا نهاية هذا اللقاء للإفصاح عن سياستها المتشددة، وذلك بإلغائها رحلات القطار الرابطة بين مدينة فانتيميلي الإيطالية وفرنسا. إن موجات المهاجرين التونسيين والليبيين، الذين ركبوا البحر في اتجاه جزيرة لامبيدوزا ثم بعدها في اتجاه مدينة فانتيميلي على الحدود الإيطالية-الفرنسية، هي إفراز مباشر لسياسة الاستعمار الجديد التي تتزعمها فرنسا. فالقصف المكثف الذي شنه الحلفاء على جيش القذافي لم يكن من عواقبه دك مواقعه وحسب، بل تسبب أيضا في تفكيك البنية الجغرافية للعمران لما دفع بآلاف السكان إلى مغادرة بيوتهم والنزوح إلى أماكن أخرى برا أو بحرا من خلال المخاطرة بركوب قوارب الموت. المؤكد أن موجة الهجرة الليبية نحو الشمال مرشحة قادما لمدٍّ أوسع. المفارقة الإكزوتيكية في السياسة الفرنسية هي أن ما يصنعه وزير الخارجية بيد يخربه وزير الداخلية باليد الأخرى، أي أنه في الوقت الذي يسعى فيه آلن جوبيه إلى تلميع صورة فرنسا في الخارج (وقد قطع شوطا لا بأس به)، يعبد كلود غيان الطريق بالفخاخ من حول البلد. أعطى جوبيه إشارات رمزية في الكلمة التي ألقاها خلال مناظرة معهد العالم العربي في موضوع «انتفاضات الربيع العربي»، حين اعترف: «كنا نعتقد أننا نعرف جيدا العالم العربي، لكن الثورات الحالية أثبتت أننا نجهل عنه العديد من الجوانب...». وخلال زيارته لتونس، أعلن عن تخصيص فرنسا لمبلغ 500 ألف أورو كمساعدة مع دعوة تونس إلى حضور اجتماع مجموعة الثمانية. الإشارة الثالثة هي الزيارة التي ينوي ساركوزي القيام بها لمدينة بنغازي. على الطرف الآخر، نجد كلود غيان، وزير الداخلية، الذي ينشط منذ تعيينه على رأس الوزارة في بسط الأسلاك من حول الأجانب، وخاصة المسلمين منهم. يبقى السؤال: ما دلالة هذه الازدواجية؟ المؤكد أن ثمة حسابات ضربها مهندسو السياسة في قصر الإليزيه: إدراج هذه الخطوات كعنصر من عناصر تأهيل ساركوزي للاستحقاق الرئاسي القادم. لكن وعلى الرغم من إنشاد البنغازيين ل«وان- ثو- ثري: يحيا ساركوزي»، ورغم إطلاق اسمه على أحد الطرق السيارة، فإنهم سيقفون يوما عند الحقيقة التالية: أن ساركوزي يفضل رائحة البترول على رائحة العرب. تبقى الحقيقة الأخرى وهي أن ساركوزي وصل إلى السلطة بفضل حملته ضد المهاجرين و«خبطه» لشباب الضواحي. وقد بدأ وزيره في الداخلية، الذي أشرف عام 2006 على حملته الانتخابية للرئاسة، معاودة نفس السيناريو. لكن من سيضمن له هذه المرة نفس النتيجة؟ وماذا لو تسبب الحراكة في خسارة الساركوزية؟