ولدت كلير غالوا في باريس 1937، وهي كاتبة وصحفية أصدرت حوالي 15 كتابا. أول إصداراتها كان رواية تحت عنوان «لرغبتي الوحيدة» في 1965. كما أصدرت «القلب في أربعة أجزاء» و«الحياة ليست برواية» و«ساعات خطيرة» و«خيانات صادقة» و«كرامة العاطل»، وهو عبارة عن شهادات لأربعين شخصا يروون معاناتهم مع الإقصاء والتهميش. وإيمانا منها بقضيتها، تنازلت كلير غالوا عن حقوق النشر لجمعية الدفاع عن العاطلين. وكما حاول كتاب «كرامة العاطل» ترجمة المعاناة الاجتماعية التي يتخبط فيها الإنسان في ظل الأزمة الاقتصادية الحالية، يحاول أيضا أول كتاب عن البوعزيزي «العيش بحرية» شرح الأحداث المفاجئة التي عرفتها تونس في بداية 2011 وتهنئة الشعب التونسي على هذه الثورة الديمقراطية الرائدة في تاريخ الدول العربية. ويعطي هذا الكتاب نبذة عن حياة محمد طارق البوعزيزي، الذي عانى من ويلات الذل والإهانة، مما دفعه إلى إضرام النار في جسده يوم 17 دجنبر 2010. كما تحاول كلير غالوا من خلاله رصد الميكانيزمات التي أفضت إلى قيام الثورة في تونس والانتفاضة ضد ديكتاتور سلب الشعب كل حرياته. «سأسافر بعيدا يا أمي، اعذريني فلن يفيد اللوم والتوبيخ. لقد تهت ويداي عاجزتان عن الحراك، سامحيني إذا لم أتصرف بحكمة وعصيت. ألقي اللوم يا أمي على الظروف التي نعيشها، فالذنب ليس ذنبي. أنا ذاهب ولا مجال للعودة، ولا تنسي أبدا بأنني لم أذرف دمعة واحدة. لن ينفع اللوم والبكاء مادام الظلم والكذب والتضليل سائدا في الأرض. أحس بشيء غريب، لست على ما يرام، أنا لست في حالتي الطبيعية. أنا الآن أستعد للسفر وأتساءل عما إذا كانت هذه الرحلة نحو النسيان بمحض اختياري». هكذا استهلت كلير غالوا كتابها بكلمات رجل غاب عن أهله ليظهر للعالم بأكمله. حاولت كلير غالوا من خلال هذا الكتيب إعطاء القارئ نبذة عن حياة محمد طارق البوعزيزي، صاحب الفضل في قيام أول ثورة شعبية عربية، كما حاولت رصد مظاهر التسلط والديكتاتورية العمياء لزين العابدين بن علي ولزوجته ليلى طرابلسي.
17 يناير 2011 لكل شيء بداية. وشاءت الأقدار أن تكون بداية الثورة التونسية على أنقاض جسد محروق. إن النار التي أضرمها البوعزيزي أطفأته للأبد، إلا أنها أنارت سماء التونسيين والدول العربية الأخرى، التي انتفضت بعد سبات طويل على ظلم واستبداد حكامها. تاريخ 17 يناير 2011 سيبقى محفورا في ذاكرة كل عربي، فهو تاريخ قال فيه البوعزيزي: لا للظلم والإهانة. أفضل الموت على أن أحيا مذلولا. صرخة أشعلت فتيل الانتفاضة التي ستطيح بالديكتاتور زين العابدين بن علي في ظرف شهر واحد فقط ليتبعه آخرون. هذا التاريخ كان نقطة انطلاق تيار تحرري في جميع الدول العربية. وجل الحكاية لمن يجهلها أنه في هذا اليوم التاريخي قام البوعزيزي بإضرام النار في نفسه أمام مقر سيدي بوزيد احتجاجاً على مصادرة السلطات البلدية في مدينة سيدي بوزيد عربة كان يبيع عليها الخضر والفواكه لكسب رزقه، وللتنديد برفض سلطات المحافظة قبول شكوى أراد تقديمها في حق الشرطية فادية حمدي التي صفعته أمام الملأ وقالت له: Dégage، أي ارحل. فأصبحت هذه الكلمة شعار الثورة للإطاحة بالرئيس. وكذلك شعار الثورات العربية المتلاحقة. أما محمد البوعزيزي فقد توفي بعد 18 يوماً من إشعاله النار في جسده، لتخلد روحه في تمثال تذكاري في العاصمة الفرنسية باريس. البوعزيزية تطرقت كلير إلى ظاهرة البوعزيزية، في إشارة إلى ظاهرة الانتحار حرقا، التي استفحلت في الدول العربية، علما بأن هذه الظاهرة كانت موجودة، إلا أنها لم تأخذ بعدا رمزيا إلا بعد حادثة البوعزيزي. عرفت تونس منذ بداية العام الحالي 2011 أكثر من 14 عملية انتحار حرقا وحوالي 37 محاولة فاشلة. وسبق لمستشفى الحروق والإصابات البليغة، الذي أصبح يحمل اسم محمد البوعزيزي، منذ منتصف فبراير الماضي، أن استقبل من يناير إلى أكتوبر 2010 أكثر من 280 حالة لمواطنين أقدموا على محاولة الانتحار حرقا، وهذا ما يؤكد أن الظاهرة كانت متغلغلة في المجتمع التونسي قبل حادثة البوعزيزي. وبدأت هستيريا حرق الذات تتخذ منعرجات خطيرة في تونس بعد أن انتقلت من سيكولوجيا الفرد المأزوم والمهزوم إلى سيكولوجيا الجماعة، التي بدأت تمجده وتنظر إليه كحركة فعل ثوري نجحت في إسقاط ديكتاتورية بن علي، وكفعل حقق لمحمد البوعزيزي الخلود والشهرة والمجد. ومن ناحية أخرى، اتخذ حرق النفس صورة العمل الضاغط على الحكومة، واللافت للأنظار أكثر من أي عمل آخر، حيث يحظى بالاهتمام الإعلامي في الداخل والخارج. كما أن إحراق النفس أصبح أهم أداة للانتحار في بلد أكدت فيه الدراسات أن واحدا من كل ألف من مواطنيه يحاول الانتحار بسبب البطالة والإدمان والأمراض النفسية والعجز عن مواجهة المجتمع. وكان ثلاثة من كبار الأطباء النفسانيين التونسيين أشاروا في دراسة علمية إلى أن آلاف التونسيين يحاولون الانتحار سنويا، مما يجعل تونس على رأس الدول العربية في هذا الشأن المؤلم والمؤسف. المجتمع والبطالة إن متوسط العمر بالنسبة للساكنة التونسية هو 28 سنة. وتصل نسبة البطالة إلى 14بالمائة، حسب المصادر الرسمية، في حين يزعم الاقتصاديون بأن هذه النسبة تصل إلى 30 بالمائة. أما الفئة العمرية ما بين 15 و27 سنة فتبلغ نسبة البطالة في صفوفها 72بالمائة. وهكذا تقول كلير إن تونس هي البلد الأكثر تقدما والأكثر وعيا من بين دول المغرب العربي، حيث تبلغ نسبة الساكنة التي تعرف الكتابة والقراءة 83 بالمائة، فأغلب التونسيين يتابعون دراستهم إلى حدود الجامعة، إلا أنهم بعد حيازتهم الدبلوم يصطدمون بواقع مر ليلتحقوا بمقاعد المقاهي ليل نهار. هم مهندسون ومحامون ومحاسبون، لكنهم بعيدون كل البعد عن العمل الاجتماعي والسياسي بالبلاد، ففي ظل حكم مستبد كحكم بن علي لا مجال للنقاش أو حتى الحلم، فنظام بن علي كان يدافع عن امتيازات الرأسمال الأجنبي والبرجوازية الكبيرة المرتبطة به وحفنة من السماسرة المقربين من القصر، وما عدا ذلك إلى الجحيم. وإذا كانت معضلة البطالة وليدة هذا النظام وسياساته، فإن القضاء عليه ليس بإزاحة رموزه، بل بإزالته جذريا. رقابة بلا حدود كشفت انتفاضة الشارع التونسي، التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي وحاشيته، العديد من القضايا، التي ظلت طيلة 23 عاما محظورا الحديث عنها ولو بمجرد الهمس، فحجم الرقابة والقمع الذي مارسه النظام لا يتصوره العقل البشري، حيث إن البوليس التونسي عمل في فترة الرئيس المخلوع على جس نبض الشارع وما يفكر فيه، ورصد توجهات المشتغلين في حقل السياسة من معارضين وحتى موالين، لدرء أي خطر قد يهدد النظام الذي فرض على الناس بقوة الحديد والنار· وتكشف وثائق تنشرها «البلاد» عن حجم تلك الرقابة التي تفوق فيها بن علي على الزعيم النازي هتلر، حيث تبرز الوثيقة الأولى وجود فرقة خاصة على مستوى الشرطة التونسية تكمن الوظيفة الأساسية لعناصرها في مراقبة التوجهات الدينية لأعوان الشرطة، ورصد مدى مواظبتهم على أداء الصلاة من عدمه، والتركيز على الصلوات التي يحرصون على أدائها في المسجد والبيت، ففي الوثيقة ذاتها كتب أن «ناظر الأمن الأول، التابع لمركز الأمن الوطني ببنقردان، وضابط الشرطة ورئيس مركز العلاقة مع المواطن بالمنطقة، اللذين عرفا بأدائهما الصلاة ومواظبتهما عليها، تبين بعد المراقبة السرية أن الأول يتردد على جامع سيدي عبد القادر لأداء صلاتي المغرب والعشاء خارج أوقات عمله، في حين يؤدي الثاني فرائضه الدينية في منزله»· كما تظهر الوثيقة ذاتها جدولا لمتابعة «مرتديات الزي الطائفي»، في إشارة إلى الحجاب، من زوجات وبنات أطر وأعوان الأمن· وتكشف وثيقة أخرى حجم الرقابة المفروضة على الإنترنت من خلال رصد تحركات المستعملين عبر مختلف فضاءات الإنترنت، وتسجيل نوعية المواقع الالكترونية التي يتم ارتيادها والمدة الزمنية المستغرقة في تصفحها، إلى جانب الرسائل التي يتم تبادلها ومحادثات «المسنجر» أو «الشات»· كما كانت السلطات التونسية تحجب المواقع الاجتماعية مثل «يوتوب» و«فيسبوك» و«تويتر» و«دايلي موشن»، ومواقع إخبارية شهيرة، ومواقع المنظمات الحقوقية الدوليّة والمحلية، وبعض مواقع أحزاب المعارضة الرسمية وغير الرسمية، والعديد من المدونات الشخصية، وحتى المدونات التي تهتم بالثقافة والفنّ أخرى تتخصص في الطبخ لم تنج من المنع، إلا أن نشطاء الإنترنت وحقوق الإنسان والمدافعين عن حرية التعبير يتهمون «الوكالة التونسية للإنترنت» الحكومية في السابق، وهي مؤسسة حكومية تمثّل دور المشرف على خدمات الإنترنت وتعميم استعمالها في البلاد، بالوقوف وراء حجب المواقع الالكترونيّة وتدميرها. ويدل حجم هذه الرقابة على أن نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي لم يكن يترك صغيرة أو كبيرة في البلاد إلا ويخضعها للتفتيش والمراقبة، بغض النظر عن التقارير السوداء التي تصدرها المنظمات الدولية سنويا، والتي تؤكد فيها درجة التضييق الممارس على النشاط السياسي والإعلامي· تونس. . مهد الثورة الرقمية نجحت المواقع الالكترونية في نقل ما يحدث في الواقع باستخدام المحمول في التصوير والتسجيل ونقله على شكل مقطوعات فيديو وتبادله. كما لعبت دورا كبيرا في تعبئة الجماهير بعيدا عن الرقابة المتسلطة للأنظمة المستبدة. وهكذا نجح ال«فيسبوك» في تحويل الغضب الافتراضي إلى غضب واقعي من خلال الدعوات التي تبادلها الشباب لتلبية نداء التظاهر والتجمع للغضب ضد الفقر والبطالة والفساد. كما نجح في تجميع آلاف الشباب من خلال مئات الصفحات تحت مظلة واحدة ومطالب عادلة. و لعل سر نجاح المواقع الاجتماعية يرجع إلى ربط الحدث بالصوت والصورة معا. كما اتخذ الشباب لغة خاصة به في نقل الأخبار وتطورات الحدث بعيدة عن القوالب الصحفية والإعلامية. هذه المواقع الاجتماعية التي قربت بين المسافات أصبحت اليوم تعرف بما يسمى بالصحافة البديلة أو صحافة المواطنة باعتبارها أضحت تمثل فضاء للنقاش وإبداء الرأي بكل حرية خلافا لوسائل الإعلام الوطنية. وبالرغم من أن مجتمع المعلومات التونسي يوازي بإمكاناته دولا متقدمة تقنيا، مثل إيطاليا والهند وإندونيسيا والبرازيل وجنوب إفريقيا وروسيا، كما يتفوق على المكسيك ورومانيا، فإنه صنف ضمن قائمة «أعداء الإنترنت» في العالم، كما ذكر تقرير منظمة «مراسلون بلا حدود» للعام 2010.
مصففة شعر مستبدة أحكمت عائلة ليلى الطرابلسي، زوجة الرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن علي، قبضتها على جزء كبير من الاقتصاد التونسي. وتقدر ثروتها بمئات الملايين من اليورو، وتشتبه الأجهزة السرية الفرنسية في أنها نقلت معها1،5 طن من الذهب عند هروبها من تونس. كانت حصة عائلة الطرابلسي كبيرة في صيحات الاستهجان التي أطلقها التونسيون. ولدت ليلى عام 1957 في عائلة بسيطة، وكان والدها بائعا للخضر والفواكه الطازجة. وقد حصلت على الشهادة الابتدائية والتحقت بمدرسة الحلاقة، وعملت مصففة شعر، ثم تعرفت على رجل أعمال يدعى خليل معاوي، تزوجته وهي في الثامنة عشرة من عمرها، وعاشت معه ثلاث سنوات قبل أن يطلقها، تعرفت خلالها على محيط رجال الأعمال. وكما يقول كتاب «حاكمة قرطاج» المحظور حتى الآن من دخول تونس، لكن تم توزيع نسخ إلكترونية منه، فقد عملت في التجارة بين تونس وإيطاليا، إلى أن ألقي القبض عليها وسحب منها جواز سفرها، فطلبت من أحد معارفها، هو الجنرال طاهر مقراني، التدخل لاسترجاع الجواز، وكان الرئيس بن علي وقتئذ مديرا للأمن. اتهمت السيدة ليلى بأن سلطاتها تفوق سلطات الوزير الأول، حيث كانت تقيل الوزراء وتعين السفراء والمدراء العامين، ويقول كتاب «حاكمة قرطاج.. يد مبسوطة على تونس» إن شبكة أقاربها ضربت خيوطا عنكبوتية على كل القطاعات مثل الهاتف الخلوي والتعليم الحر.