قرّر الرئيس الأمريكي الجديد باراك أوباما إغلاق معتقل غوانتانامو. وحسناً فعل. فإنّ ما شهده هذا المعتقل من انتهاكات لحقوق الإنسان، شيء خطير جدا، يكشفُ كثيرا من تفاصيله كتابُ ديفيد روز «غوانتانامو، حرب أمريكا على حقوق الإنسان» والذي ترجمه إلى اللغة العربية وعلق عليه وسيم حسن عبده، وصدر عن دار الأوائل للنشر والتّوزيع. وقد ظهر مجهود المترجم في هذا الكتاب بالإضافة إلى الترجمة الجيّدة في التعاليق المهمّة التي أثبتها في الهوامش، وكذلك في ضبطه لكلماتٍ قد يخطئ بعضُ القرّاء قراءتها . وينقسم هذا الكتاب إلى أربعة أجزاء بعد كلمة حول الكاتب، ومقدمة المترجم، والتقديم وهذه الأجزاء هي: 1 بدافع الشّرف. 2 أقلّ الأماكن سوءا. 3 معلومات استخباريّة قيّمة بشكل هائل 4 معاني خليج غوانتانامو. بالإضافة إلى ملحق صور فظيعة يجدها القارىء في نهاية هذا الكتاب الذي نقدم في هذه الحلقة لمحة عامة عن الجزئين الأولين منه، على أن نقدم في الحلقة القادمة إن شاء الله الجزئين الثالث والرابع. وبالله التّوفيق. *********** قصّة قاعدة غوانتانامو: يقول المترجم وسيم حسن عبده إن بعض الجدل يعتري قصّة حصول الولاياتالمتحدة على قاعدة غوانْتانامو البحريّة، والتي تقع على السّاحل الجنوبيّ الشّرقيّ للجزيرة الكوبيّة. ففي رواية تؤيّدها مصادر عدّة؛ من بينها تلك الرسمية في الولاياتالمتحدة، أتى، أنّه بعد انتصار الولاياتالمتحدة على إسبانيا المستعمرة لكوبا عام 1898، انتهت الحرب الإسبانية الأمريكية. وكانت قاعدة غوانتانامو إحدى غنائم أمريكا من تلك الحرب. بينما هناك من يقول إن سلطة أمريكا على غوانتانامو تعود الى نحو مائة عام، وبالتحديد إلى العام 1903، عندما قبلت كوبا التخلي عن هذه المنطقة لجارتها الصديقة، آنذاك الولاياتالمتحدة؛ كبادرة امتنان من الكوبيين للدعم الذي قدمه الأمريكون لهم أثناء مقاومتهم للاحتلال الاسباني، مقابل إيجار سنوي، قدره حوالي أربعة آلاف دولار... «لكن يبقى من المؤكد أنه بعد انتصار الثورة الكوبية وتولي (فيديل كاسترو) حكم كوبا، لم تكن الحكومة الكوبية راضية عن وضع تلك القاعدة، وطالبت مرارا باستعادتها، كما أبت استلام قيمة الإيجار، إلا أن الولاياتالمتحدة ظلت متمسكة بحقها في القاعدة، في ضوء شروط الاتفاقية. وبقيت القاعدة نقطة خلاف أساسية بين الدولتين الكوبية والأمريكية مر السنين. وتعد قاعدة غوانتانامو إحدى أكبر القواعد العسكرية الأمريكية، وأقدمها في نصف الكرة الأرضية الغربي، حيث تشغل مساحة قدرها 45 ميلا مربعا من الأراضي والمياه الكوبية، أي (116.55 كلم2). ويوجد فيها ألفان وثلاثمائة عسكري أمريكي. وفيما عدا ذلك يصل الى غوانتانامو بصورة «دورية من 3 5 آلاف بحار من وحدات سفن القوات البحرية الأمريكية المرابطة هناك. وتعد هذه القاعدة آخر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في أمريكا اللاتينية. بعد انتهاء الحرب الباردة، فقدت القاعدة أهميتها الاستراتيجية، وأصبحت تستخدم بصورة أساسية كمعسكر للتدريب، لكنها عادت الى دائرة الضوء بعد نقل من زعمتهم الإدارة الأمريكية أسرى الطالبان والقاعدة إليها. وراجت الخشية وقتها من أن يثير ذلك غضب الحكومة الكوبية، خاصة وأن (فيديل كاسترو) وعلى الرغم من إدانته لهجمات 11 سبتمبر كان قد انتقد حرب الولاياتالمتحدةالأمريكية على أفغانستان. ويضيف المترجم أن حكومة الولاياتالمتحدة نفذت مخططها في النهاية، وأودعت سجناء ما أسمته (الحرب على الإرهاب)، حيث يصعب وصول الشهود، أو الإعلام، أو أي سلطة قضائية لأي محكمة أو قانون. وعز في البداية الخبر عمن نقلوا إلى هناك. لكن، مع استمرار ضغط المحاولات الحثيثة للصحفيين، والمنظمات الدولية والحقوقية، نجح البعض في تسريب غيض من معلومات عما كان يمارس في ذلك المعتقل من تعذيب، ووحشية. وعقب إطلاق سراح عدد من السجناء تكشفت الحقيقة بصورة أجلى، فقد أماطت قصصهم عما قاسوه داخل ذلك الجحيم اللثام كاملا عن مدى الهمجية واللا إنسانية الأمريكية، وروى بعضهم بإسهاب قصصا عن أبشع أساليب التعذيب الجسدي، والإهانة الجنسية، والضرب، والتنكيل، وامتهان الكرامة، وعما ميز عملية الولاياتالمتحدة من أفغانستان إلى غوانتانامو من اعتباطية الحكم والتقدير وغرارة الأطر في كل الاختصاصات، بالإضافة الى الافتقار للعدالة والشرعية المزعومين في العملية القانونية. كما كان من شأن الإفراج عن أولئك الأسرى الذين لم يكن للحكومة الأمريكية الخيار في إطلاق سراحهم تبيين الزيف والبهتان في مزاعم رموز الإدارة الأمريكية حول اعتمادهم للمعايير الإنسانية في معاملة الأسرى. واجهت الولاياتالمتحدة انتقادات كثيرة من جهات دولية وإنسانية بخصوص معتقل غوانتانامو مطالبة بإغلاقه، نظرا للانتهاك الوحشي لحقوق الإنسان. وكانت منظمة العفو الدولية قد أشارت مرة الى أن معتقل غوانتانامو (بات تجسيدا للانفلات القانوني، ورمزا لمحاولة حكومة بأن تضع نفسها فوق القانون) كما عده الكثير من الأمريكيين أنفسهم (عارا قوميا) وفقا لصحيفة (نيويورك تايمز)، التي طالبت هي الأخرى بإغلاقه فورا. ويشير المترجم الى أن هذا الذي جرى في معتقل غوانتانامو ليس غريبا عن تاريخ أمريكا و «على مدى التاريخ؛ كانت أمريكا ترفع الشعار النبيل علنا، وتخفي الممارسة القبيحة، رغم عدم استحيائها، لكن فقط للعبث بعقول البسطاء من شعبها، ولتجنب لوم اللائمين؛ فمن الإبادة الجماعية لسكان أمريكا الأصليين (الهنود الحمر) الى استعباد الأفارقة قبل (أبراهام لنكولن)، وإلقاء القنابل الذرية على (هيروشيما) و (ناغازاكي) ودعم (إسرائيل) في ارتكاب المجازر بحق الشعبين الفلسطيني واللبناني، واحتلال أفغانستان والعراق، وإساءة معاملة السجناء في البلدين كليهما، نرى أن سجل الولاياتالمتحدة حافل ويفيض بما ينبذه كل ما يمت للإنسانية بصلة. لكن ظل معتقل غوانتانامو محور حديث الكاتب في الصفحات التالية إحدى البؤر التي تجلت فيها اللا أخلاقية الأمريكية بأسوأ صُورها. فقد غدت الغايةُ من الأسْر فيه هي تفريغ الأحقاد الدَّفينة، وإذلال الكرامة، وإشباع مشاعر الانتقام. ويختم المترجم كلمته بالقول إن معتقل غوانتانامو أتى في زمن كانت تبلورت فيه المبادئ، ووصلت فيه البشرّية إلى مستوى من الإدراك لمعاني وقيم الإنسانية، يجعل من الصَّعب علينا تقبُّل الهمجيّة الوحشية ممَّن لطالما ادّعوا الرُّقي والمدنيّة. يقول المؤلف ديفيد روز: «منذُ لحظة تشكل فكرة مُعتقل غوانتنامو في البنتاغون (ديسمبر 2001) كانت ميزتها الأبرز أنّ غوانتانامو وسُجناءه سيكونون خارج كل الآليات المعروفة للقانون الدولي الأمريكي. كتب نزار ساسي، أحد سُجناء غْوانْتانامو، ويحمل الجنسية الفرنسية، هذه العبارة التي استطاعت - بطريقة ما - المرُور من الرّقابة العسكرية على بطاقة بريدية أرسلها إلى عائلته: (إذا أردتُم تعريفاً لهذا المكان، فهو حيثُ ليس لك الحقُّ بأنْ يكون لك حقوق)» (ص 44). ويضيف في موضع آخر: «لو صُنِّفَ أولئك المعتقلون كأسرى حرب تخضع معاملتهم لاتفاقية جنيف، لاختلفت تلك المعاملة - بشكل كبير - في أفغانستان، وبعدها؛ في غوانتانامو. ولو وُجد من الالتزامات تجاههم ما يتعدّى أسماءهم وأرقامهم لكان من المستحيل إجراء ذلك التحقيق المُكثّف والقسْري معهم في المكانيْن كليهما. ولكانُوا احتُجزوا في أماكن ذات معايير مُساوية للأماكن التي يجلس فيها سجّانوهم، ولُعدَّتْ تلك الزنزانات في غوانتانامو خالية تماما من الشّرعية. لو أنهم صُنّفُوا كأسْرى حرْب، تمَّ أسرُهم ضمن مايُسمّى في قانون الحروب (الصراع الدوليّ المسلّح) في أفغانستان، لكانوا خارج أسْرهم منذ زمن طويل مضى، ولكان من المُستحيل الاستمرار في احتجاز 600 رجل، لم يتمّ توثيق أيّ تُهمة ضدّهم، لمدّة تزيد على العَاميْن والنّصف، فقد استخدمت اللجنة الدولية للصليب الأحمر السُّلطة المُخوَّْلة إليها في ظل الاتفاقية، لتُعلن نهاية الصراع في شهر فبراير من العام 2002. تضمُّ أحكام اتفاقية جنيف - في الواقع - بنُوداً تُجرِّدُ السُّجناء - في ظل ظروف استثنائية - من حمايتها. ولطالما ميَّز الجيش الأمريكي هذه النقطة في الأوامر القائمة التي كان يُصدرها..»(ص 48). ويؤكد المؤلف أنّ تصنيف مجموعة كبيرة من السجناء كمقاتلين خارجين عن القانون بموجب أمر تنفيذي، هو حدثٌ لم يسبق له مثيل فيما قرب من الماضي. عقد الجيش الأمريكي في حرب الخليج عام 1991، 1196 جلسة استماع كهذه. وفيما يقارب 75% منها وجد السجناء مدنيّين أبرياء، وتمّ إطلاق سراحهم. في شهر فبراير من العام 1995، أصدرت القيادة المركزيّة للبنتاغون.والتي تضمُّ في نطاق مسؤوليّاتها أفغانستان والعراق، اللائحة رقم 27 13) وعمّمتها على كامل طاقمها من الموظفين، مجرية بذلك تحديثا على قوانينها الخاصة، كانت هذه اللائحة تحت عنوان (الأسرى: تحديد أهلية استحقاق صفة سجين الحرب). وفي الفحوى كان التالي: (أيّ شخص كان قد ارتكب فعلاً محارباً... ستتمُّ معاملته كأسير حرب، ما لم يقرّر مجلس تحقيق قضائي ذي أهليّة خلاف ذلك). وفي هذا المجلس؛ لابد أن يحظى السجين بمترجم (مؤهّل باللغتين العربية والإنكليزية، أو أيّ لغة أخرى يفهمها السجين)، وبمحامٍِ عسكريّ. كما يجب تسجيل إجراءات المحاكمة؛ حيث يدلي الشّهود بشهاداتهم تحت القسَم. وتنصُّ اللائحة أيضا على ما يلي: (للمساعدة يتمّ إرفاق نموذج خاصّ من الاستثمارات للشّهود المسلمين). ولدى السجين الحقّ في حضور المحاكمات، وذلك من أجل طرح الأسئلة على الشّهود، والاطلاع على الأوراق الخاصّة بقضيّته، باستثناء السّرّي منها. أمّا الحكم، فما لم تُثبت الأدلة أنّه لا يستحقُّ، ينبغي أن يحظى السجين بصفة أسير الحرْب. جادل وزير الخارجية الأمريكي (كولن باول) بشدّة على أنّ إغفال هذا الشّرط يحمل عيوباً خطيرة. فإنّ إنكار حقّ السّجناء في الحصول على جلسة استماع والحكم بأنّهم ( جميعا وبشكل مُتساوٍ) يقعون خارج نطاق اتفاقية جنيف من شأنه أن (يقلب ما كانت سياسة الولاياتالمتحدة تسير وُفقه لمدّة قرن من الزمن.. وأن يُقوِّض الحماية التي يتمتع بها جنودنا في ظل قانون الحرْب؛ سواء في هذا السياق، أو بشكل عام)، كما يُضعف الدّعم الذي تتلقّاه أمريكا من حُلفائها، وخاصّة الأوروبيين» (ص 50). ويضيف المؤلف أنّ الوثائق التي حصل عليها من داخل مُعتقل غوانتانامو أنّه - وكما كتبَ كولن باول - حتى جنود القوّات المشتركة افترضوا وجوب وجود مجالس قضائية لتحديد وضع كل سجين»(ص50). «في الثامن والعشرين من شهر يناير زار رامسفيلد غوانتانامو، وأعلن أنّه (لايُوجد أيُّ لُبس في هذه القضية. إنهم ليسوا سجناء حرب، ولنْ يتمّ اعتبارهم كذلك). وفي اليوم التالي، أخبربوش الصُّحفيين بأنّ أولئك المعتقلين هم (قَتلة)، ولن يُمنحوا صفة سجناء الحرب. ومن ثم جاء حُكمه الرّسمي في السابع من فبراير 2002 في (التحديد الرئاسي للوضع القانوني للسُّجناء)، منوّهاً فيه إلى ماسمّاه (السُّلطة المُخوَّلة له في ظل الدّستور) فقال بوش: إنّ أيا منهم - ومهما كانت ظروف الأَسْر - لنْ يُنظر إليه كأسير حرْب. ويعلق المؤلف على قرار بوش قائلاً: «لم يكن قرار بوش أُحاديّاً فحسب، بل إنه - وتبعا للمعنى البسيط والمُعتاد المُستخدم في اتفاقية جنيف بحدِّ ذاتها - كان غير قانوني. فحتى لو استطاع أحدهم تبيين أنّ الطالبان لم تف بالتزامات اتفاقيّة حنيف، فهذا لايمنح بُوش الحقَّ بأنْ يُنكر هذه الاتفاقية بنفسه»(ص53). كيف اختارت أمريكا غوانتانامو معتقلاً لسجنائها؟ كانت الإدارة الأمريكية وقبل أن تحزم قرارها على غوانتنامو قد درست أربع خيارات محتملة؛ وهي: دولة أجنبية الولاياتالمتحدة أرض أخرى تابعة للولايات المتحدةوغوانتانامو. كان هدف أمريكا من اختيار غوانتانامو التقليص من مخاطر الإجراءات القضائية «وهذا يعني أنه إذا رغب أي من الأسرى في الاعتراض على أحد جوانب معاملته، فإن إنكار حقوقه في ظل اتفاقية جنيف، أو الاستمرار في احتجازه، قد يتسبب في صدور أمر استحضار فيدرالي أما في غوانتانامو وفي اعتقاد وزارة العدل الأمريكية فلم يكن هنالك مخاطرة من هذا النوع. وكما تذرعت الإدارة الأمريكية فيما بعد، في القضية التي شقت طريقها الى المحكمة العليا ، فإن السيطرة على غوانتانامو ماتزال تعود الى الحكومة الكوبية، بالرغم من عقد الإيجار غير محدد المدة الى الولاياتالمتحدة. ولذلك فإن المواطنين الأجانب المحتجزين هناك ليس بإمكانهم رفع دعاوى في المحاكم الأمريكية» (ص 57) . «قال ماك كالوم بانفعال: (إن غوانتانامو هو قطعة أرض فريدة من نوعها، تملكها كوبا، وتسيطر عليها الولاياتالمتحدةالأمريكية بموجب عقد إيجار دائم. لقد قلصت هذه الأرض الاهتمام بالعلاقات الخارجية، وبالأمن الداخلي.. وبما أنها أملاك تعود الى الحكومة الكوبية، فقد قيمت وزارة العدل الأمريكية مخاطرالإجراءات القضائية بأنها ستكون في حدها الأدنى) .. (..) وبهذا يكون الأثر المطلوب لقرارات الإدارة الأمريكية هو ببساطة إبعاد أي فحص دقيق محتمل في عملية تحديد وضع الأسرى. فبدلا من إجراء اختبار ضمن مجلس قضائي كان يكفي التأكيد بأن شخصا ما كان مقاتلا في حركة الطالبان، أو عضوا في تنظيم القاعدة، ليكون هذا هو الدليل عليه ويصبح بعدها في الطريق الى غوانتانامو» (ص 58)، رفض أدنى الحقوق الإنسانية رفضت عدة مطالب إنسانية هي من الحقوق الأولية للسجناء. قال المؤلف: «ومثلما رفض مطلب السجناء بأن يسمح لهم بالتريض، بحجة أن أعمال البناء ما تزال مستمرة في المعتقل، تم أيضا رفض مقترح للصليب الأحمر بوجوب (تنظيم السجناء في زنزانات متجاورة، تضم من يحملون الجنسية نفسها، ويتكلمون اللغة نفسها). من ناحية أخرى، اشتكى الكثير من السجناء من (عدم حصولهم على ما يكفي من الطعام)، وطلبوا (رغيفا كبيرا من الخبز لكي يشعروا بالشبع)، إلا أن طلبهم هذا تم رفضه أيضا، وقيل: (يحظى السجين في الوقت الحاضر بثلاث وجبات يوميا، تزوده ب 2100 كالوري، وعلى كل حال، سنناقش هذا الأمر مع الغذائيين المختصين). (لكن ، تبين الصيغ الغذائية المعيارية أن 2100 كالوري في اليوم هي بالكاد كافية بالنسبة الى رجل بالغ متوسط الحجم، ولو كان سجينا مقيما). بالنسبة إلى إخبار السجناء بأنهم كانوا في مكان يُدعى غوانتانامو واقع على الجزيرة الكوبية، فقد أرجئ هذا الأمر : (سيتم النظر في هذا المطلب بعد الجولة الأولى من الاستجوابات) (ص 88 89). ويصف المؤلف زنزانات غوانتانامو بقوله: «إن الزنزانة القياسية التي تنتجها شركة (كيلوغ براون أندرووت) وهي عبارة عن صندوق معدني مسبق الصنع، مطلي باللون الأخضر الفاتح.. مساحته 56 قدم مربع (52 متر مربع). وبجانب السرير المركب على الحائط، والذي يبلغ عرضه قدمين ونصف القدم يوجد مرحاض آسيوي النمط وهو عبارة عن حفرة في أرض الزنزانة، تقابل قضبان الباب المفتوحة. وخذ بعين الاعتبار أن الحراس وبعضهم من النساء يفترض أن يمروا بالزنزانة كل 30 ثانية. الى جانب ذلك المرحاض، توجد مغسلة صغيرة وصنبور ماء وحيد. وهو منخفض جدا، لذا فإن الطريقة الوحيدة لاستخدامه هي الركوع أرضا. ومن هذا الصنبور ينزل ماء دافئ، يأتي من معمل لتحلية مياه البحر. وكحال كل الماء في غوانتانامو، يضرب لون هذه المياه إلى الأصفر. وتبعا للبنتاغون فإن لانخفاض صنبور الماء سبب، وهو (ملاءمة حاجة المسلم لغسل قدميه). زنزانات من هذا الحجم ليست غريبة في السجون الأمريكية ذات الإجراءات الأمنية القصوى. ومع ذلك، ففي العديد من الولايات يمكن لنزلاء هذه السجون وحتى من ينتظر عقوبة الإعدام منهم أن يقضوا ساعات يوميا ضمن ظروف أقل تقييدا، يمضونها مع سجناء آخرين، أو في العمل، كما تتوافر لهم بشكل عادي مشاهدة التلفاز، والكتب، والموسيقى، ومواد كتابة الرسائل، والزيارات المتكررة، دونما أي تقييد. لم تتم بالطبع إدانة أي سجين في غوانتانامو بأي جرم، لكن، هناك، وفي أعلى مستوى للإجراءات الأمنية، لا يسمح لنزلاء هذه الزنزانات بالاحتفاظ حتى بفنجان: وإذا أرادوا الشرب، فإنما عليهم أن ينحنوا، ويشربوا من الصنبور، أو أن يجتذبوا انتباه الحراس...» (ص 97 98).