«الراغبون في قيادة سيارة والتجول في شوارع الدار البيضاء يلزمهم التسلح بالكثير من الصبر وترك الأعصاب باردة في ثلاجة المطبخ لتفادي تشنجات تفضي للإصابة بمرض الضغط الدموي الحاد»، يقول سائق سيارة أجرة معلقا على واقع حركة السير والجولان في مدينة أضحت شوارعها تضيق بأسراب السيارات والحافلات وشاحنات النقل الحضري، وتعرف العديد من أشغال حفر الأنفاق وتهيئة المدارات الطرقية. أكد مصدر من وزارة النقل والتجهيز أن الشبكة الطرقية لجهة الدار البيضاء الكبرى تمتد على مسافة 644 كيلومترا، ضمنها 46 كيلومترا عبارة عن طريق سيار و103 كيلو مترات كطرق وطنية و70 كيلومترا عبارة عن طرق جهوية. مصدر من مديرية النقل بالمدينة أكد أن ما بين 30000 و35000 سيارة تجوب شوارع العاصمة الاقتصادية خلال الأيام العادية، مشيرا إلى أن فصل الصيف، الذي يصادف عودة أفراد الجالية المغربية المقيمين بالخارج، يزيد من الزحمة في الطرقات جراء جولان عربات إضافية في المدينة. إصلاح 100 ملتقى طرقي قبل أسابيع قليلة رصد مستعملو الطريق تحرك آليات الأشغال العمومية ومباشرتها لأعمال الحفر والترصيص والنبش لإحداث حفر أخرى تنضاف إلى تلك الكثيرة التي تخلفها آليات شركات الاتصالات وأشغال شركة «ليديك». هكذا، تحولت العاصمة الاقتصادية للمغرب إلى مدينة للحفر بامتياز، إما لشق ممرات لإنجاز مشروع «الترامواي» أو تهيئة طرق وممرات أرضية وتحت أرضية، كما هو الحال في شارع ابراهيم الروداني المغلق في وجه حركة المرور منذ الفاتح من يونيو الماضي، والذي يتوقع أن يستمر على نفس الحال لعام كامل حسب العقد المبرم بين مجلس الدار البيضاء وشركة إنشاءات. مصدر مسؤول من ولاية أكد أن أشغال التهيئة المفتوحة تهم 100 ملتقى طرقي داخل المدينة وتأهيلها «معماريا»، والهدف من ذلك تدبر نظام سير بوسائل حديثة تعول عليها الدولة لتوفير السلامة والتحسين من سيولة المرور بعد أن بلغ الاكتظاظ مداه. نفس المصدر أكد ل«المساء» أن السلطات شرعت في إحداث ممرات خاصة للحافلات وتحديث أنظمة للتشوير الأفقي والعمودي وأخرى لمراقبة السير ووضع إشارات مرور متناسقة وتثبيت «كاميرات» متطورة وأنظمة معلوماتية. إلى ذلك، باشرت سلطات الولاية، يضيف نفس المصدر، بناء أنفاق جديدة تحت أرضية، الغرض منها تخفيف ضغط حركة السير بمناطق تعتبر «نقطا سوداء»، أبرزها ملتقى شارعي الروداني وبئر أنزران، ملتقى شارع عبد الرحيم بوعبيد ومحطة القطار لوازيس وساحة دكار، إضافة إلى ملتقى شارعي المسيرة والزرقطوني. محمد الزوات، مهندس أشغال، التقيناه صباح الاثنين الماضي بورش «بئرأنزران» المطل على شارع يعقوب المنصور، قال إنه يعمل في «مجلس المدينة» كمكلف بتتبع مشروع بناء النفق تحت أرضي بحي المعاريف. «أشغال الحفر انطلقت مطلع يونيو الماضي وسنشق 450 مترا، لتشييد قنطرتين تواصليتين بعلو يقارب الخمسة أمتار، مدة الإنجاز محددة في سنة لكن نعول على تضافر جهود مختلف المتدخلين للتعجيل ببناء الممر في أشهر معدودات». كان مهندس الأشغال يطل بمعية أفراد فريق تقني على عمال تحت، أحدهم كان يدفع عربة مليئة بالخرسانة المسلحة الممزوجة بالماء، آخر اعتلى ربوة حصى أحمر وطفق يرش عليها الماء، عمال آخرون انهمكوا في ترصيص أرض نفق محاطة جناباته بقضبان أسلاك بناء. من جانبي النفق قيد الحفر تسيل مياه، أما الصخور الناتئة تحت الأرض فيحمل بعضها قطع خز أخضر، وفي الوقت الذي ينهمك فيه عمال في ترصيص أرضية النفق تحت أرضي يرتفع زعيق أبواق طوابير السيارات بالمدار الطرقي إبراهيم الروداني وبئر أنزران. الغبار والدخان وجبة يومية رغم أن الأشغال تسير على قدم وساق لحفر النفق حسب المهندس المكلف بتتبع سير الأشغال بالورش، فإن رجال الشرطة الذين وضعتهم ولاية أمن الدارالبيضاء في المدار الطرقي بحي المعاريف غاضبون ويعانون من الضغط بالعمل تحت أشعة شمس غشت اللاهبة ساعات طويلة. ضابط شرطة مرور ما إن شاهد سيارة «المساء» حتى هرول باتجاهنا وطفق يحكي عن معاناة زملائه في تنظيم حركة السير والجولان في ملتقى طرقي تصب فيه أربعة شوارع رئيسية بحي المعاريف. «نعمل ساعات طوال تحت أشعة الشمس ونحن مطالبون بتنظيم حركة السير الكثيفة، في المساء أعود إلى منزلي منهوكا، أسمع طنينا يتردد باستمرار داخل أذني، نقتات هنا في ملتقى الروداني على وجبتين رئيسيتين هما الغبار ودخان السيارات، اكتبوا عنا إننا نعاني كثيرا لتنظيم حركة المرور»، قالها الشرطي بسرعة وانسحب لمساعدة زميله في تنظيم حركة السير. مصادر من مجلس مدينة الدار البيضاء أكدت أن الأمر لا يقتصر على شق الممرات تحت أرضية، بل ستتم هيكلة الشوارع الرئيسية بالدار البيضاء وضمنها شوارع آنفا و2 مارس والجيش الملكي والزرقطوني ومحمد الخامس والحسن الثاني، وهي شوارع سيتم تجهيزها وتأهيلها وتهييء ممرات خاصة بالحافلات وتعزيز أماكن وقوف السيارات بها. اللافت للانتباه أن المارة بشارع إبراهيم الروداني بحي المعاريف الراقي بالدارالبيضاء يتنفسون يوميا هواء مشبعا بدخان السيارات والغبار. كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة والنصف من صباح الاثنين الماضي، غير بعيد عن مقر ولاية أمن الدارالبيضاء، ثمة ضجيج سيارات وأشغال حفر في شارع مغلق من جهة واحدة في وجه مستعملي الطريق. سلكنا الجزء المفتوح في وجه حركة السير بشارع إبراهيم الروداني. مقهى «لاكوميدي» التي ظل يرتادها الكاتب الراحل محمد زفزاف ما تزال رابضة في مكانها، المقاهي الأخرى في الشارع تعيش حالة كساد، زبناؤها بالكاد يجلسون إلى الطاولات ليغادروا بسرعة قبل طلب المشروب. الضجيج والغبار كفيلان بدفع مرتادي المقاهي المطلة على ورش الأشغال للمغادرة بسرعة. شاهدنا لوحات معدنية خطت عليها عبارات «نرجو المعذرة على الإزعاج الناتج عن الأشغال الجارية»، و«نعتذر لكم عن الإزعاج الناتج عن أشغال إنجاز ممر تحت أرضي، ولتفادي الاكتظاظ نطلب منكم تجنب المرور عبر محج إبراهيم الروداني وبئر أنزران، شكرا على تفهمكم». هكذا، ينصح مجلس مدينة الدارالبيضاء السائقين بتفادي المرور من شارع الروداني، حسب ما تتضمنه لوحة إشهارية مثبتة في مدخل محطة بنزين تطل على شارع يعقوب المنصور وملتقى شارعي بئر أنزران والروداني. بدورها، شركة «ليديك» الفرنسية الحاصلة على عقد التدبير المفوض لقطاع الماء والكهرباء والإنارة العمومية بالدار البيضاء، حرصت على نصب لوحة أخرى تعتذر من خلالها للمواطنين. مقطع من لوحة «ليدك» نصب بمدخل زنقة تحمل اسم الشاعر المغربي الراحل عبد الله راجع، أستاذ كلية الآداب بالدار البيضاء الذي مات سنة 1988 مخلفا ديوانا شعريا يحمل اسم «سلاما وليشربوا البحر» وآخر عنونه ب«أياد كانت تسرق القمر». سائقو السيارات المارون من شارع إبراهيم الروداني لا يكفون عن إطلاق العنين لأبواق عرباتهم أملا في الإسراع بالمرور من شارع تعاد تهيئته من قبل شركتين تعاقدتا مع مجلس مدينة الدارالبيضاء. ذلك الصباح طفق ثلاثة رجال شرطة ينظمون حركة مرور السيارات في ملتقى شارع بئر انزران وشارع الروداني، عبثا يحاولون توجيه سيول من العربات تتدفق على مركز المدينة أو تتجه صوب الكورنيش أو طريق الجديدة أوتعبر شارع يعقوب المنصور في اتجاه الحي الحسني. غير بعيد عن زنقة الشاعر الراحل ما تزال المقاهي القديمة في شارع الروداني في مكانها، «لابريس» مثلها مثل «لاكوميدي» تطل على آليات حفر كبيرة تحفر عميقا بالقرب من مقر حافلات «الساتيام» سابقا الآيل للانهيار. مصدر من ولاية الدار البيضاء أكد ل«المساء» أن المدينة تتوفر على برنامج للتنمية الحضرية مابين سنة2007 و2010، بكلفة مالية إجمالية تقدر بثلاثة ملايير و250 مليون درهم. وتساهم المديرية العامة للجماعات المحلية في تمويل المشروع بمليار و300 مليون درهم ووزارة المالية والخوصصة بمليار و200 مليون درهم، أما الجماعة الحضرية للدار البيضاء فتساهم ب450 مليون درهم إضافة إلى ولاية الدار البيضاء ب300 مليون درهم. يتوزع هذا الغلاف المالي بين مليار و930 مليون درهم مخصصة لشبكة الطرق والمواصلات و930 مليون درهم للتجهيزات العمومية و250 مليون درهم للفضاءات الخضراء و140 مليون درهم لأوراش أخرى . وتشكل تهيئة منافذ المدينة ومداراتها إحدى ركائز هذا البرنامج لتسهيل الولوج إلى المدينة وتحسين صورتها، وسيهم هذا البرنامج طرق أزمور ومديونة وتادارت والجديدة وتيط مليل وكذا طريق النواصر الذي يعتبر من أهم المنافذ لكونه يؤمن الربط بين المطار والمدينة. في انتظار تنفيذ المشاريع المبرمجة لتأهيل المدينة تظل الأوراش المفتوحة لشق الطرقات والأنفاق وما يواكبها من أشغال حفر تؤرق مستعملي الطريق من المارة وأصحاب السيارات والشاحنات.