الفارق بين عناوين بداية الأسبوع وعناوين نهاية الأسبوع كبيرا للغاية، يوم الأحد كانوا يهددوننا بحرب في الجنوب. في يوم الخميس لائحة الاتهام المتبلورة ضد وزير الخارجية أفيغدور ليبرمان دحرت غزة إلى هوامش الوعي. خطر الاشتعال هناك بدا كأنباء قديمة جدا. هذا طقس تشارك فيه إسرائيل و»حماس» على مدى السنين وبقوة أكبر في الشهرين الأخيرين. حادثة مع مصابين، رد صاخب، تصعيد، تهديدات بالحرب وأخيرا نزول سريع وهادى للطرفين عن الشجرة، قبل لحظة من الصدام الشامل. لم تنطلق شرارة حرب برية بين إسرائيل و»حماس» هذا الأسبوع، لأن الطرفين غير معنيين بها، حاليا. فلن يبادر أي رئيس وزراء إسرائيلي إلى إعلان حرب عندما يكون نحو مليوني تلميذ في عطلة «الفصح» (أرئيل شارون شن حملة «السور الواقي» في الفصح 2002، فقط تحت الانطباع الفظيع للمذبحة في فندق بارك في نتانيا). لا رغبة لحماس أيضا في ذلك: مهمة ترميم أضرار «رصاص مصبوب» والانفراج في العلاقات مع مصر. وما يزال يفهم الجميع أنه لو أن أصاب الصاروخ المضاد للدبابات، الذي أطلق في الاسبوع الماضي على حافلة محملة بالتلاميذ وليس فقط فتى واحداً، لكان من الصعب وقف الحرب. وكالمعتاد، فإن عملية وحيدة من شأنها أن تؤدي إلى فقدان تام للسيطرة. «النفر الإستراتيجي»، أسموا ذلك في الجيش الإسرائيلي عندما بدأت مسيرة أوسلو. كل جولة كهذه للتحريك والتوقف وبعدها بفترة هدوء وتحريك آخر، يسحق بالتدريج الكوابح فتهترئ من شدة الاستخدام. طُلب من عضو كبير في الحكومة، الأسبوع الأخير، تقدير احتمالات الحرب في الصيف القريب القادم. هناك انطباع بأنه في الجبهة الشمالية، حيث يستثمر الجيش جزءا كبيرا من مساعيه، احتمال المواجهة بالذات متدنية. فسورية ولبنان منشغلان بمشاكلهما. أما إيران فلن تسمح، مرة أخرى، لحزب الله بتوريطها في استعراض مبكر وسائب لقدراتها، مثلما فعل في يوليوز 2006. والشر إذا ما جاء فمن شأنه أن يأتي أساسا من الجنوب، من سلسلة أخرى من الاحتكاكات وسوء التفاهم على حدود غزة. ستبدو الساحة الفلسطينية معقدة على نحو خاص في الأشهر القريبة القادمة، وليس فقط بسبب التوتر مع «حماس». في يوم النكبة، في منتصف ماي، تخطط السلطة الفلسطينية لمسيرات جماهيرية نحو المستوطنات والحواجز، وفي نهاية الشهر ذاته، من المتوقع وصول أسطول كبير نحو قطاع غزة، وفي شتنبر، أزمة سياسية حول إعلان الاستقلال، الذي قد يأتي من الطرف الفلسطيني. غزة أولا، إذن، شريطة ألا يفرض الثنائي بنيامين نتنياهو وإيهود باراك على القيادة العسكرية خطوة في إيران، تحرق الأوراق. في سلم الأولويات، الذي عرضه على الجيش الإسرائيلي رئيس الأركان الجديد، بيني غانتس، توجد الساحة الفلسطينية في امرتبة الثالثة فقط. تسبقها إيران والساحة الشمالية، التي تود فيها أولوية للجبهة السورية على اللبنانية. في المرتبة الرابع، تأتي الساحة الجنوبية، أي الحدود المصرية، ولكن في اللغة العسكرية، ما يزال هذا يحدد كخطر محتمَل وليس كتهديد. في إجمال تقويمه الوضع من طرف غانتس في 2011 يتوقع «احتدام للتهديد الأمني واحتمالية التصعيد والتدهور إلى القتال في أكثر من جبهة واحدة». إيران، كما يتوقع رئيس الأركان، ستواصل «التمترس داخل مجال الحافة» قبيل تحقيق السلاح النووي وقيادة نشاط المعسكر الراديكالي في المنطقة. ويتعين على الجيش الإسرائيلي أن يستعد لإمكانية قتال شامل انطلاقا من فهم أن العدو سيعمل على تشديد التهديد على الجبهة الداخلية، العسكرية والمدنية، التي ستكون «ساحة قتال ثانية في كل سيناريو». روح الجموع في الجانب العربي، أيضا، سارعوا إلى تجاوز جدول الإعمال في أحداث غزة. «الجزيرة» ومنافساتها قنوات التلفزيون الفضائية، عادت لتنشغل بالاضطرابات وبالمعارك في سوريا، في ليبيا وفي اليمن. ومع أن الفلسطينيين يكافحون في سبيل مكانهم في الوعي ويُبْقون، كيفما اتفق، على نار النزاع مع إسرائيل، فقد اتضح، مرة أخرى، أن لدى العالم العربي الآن أمور أكثر إلحاحا للاهتمام بها. أمس الأول (يقصد الأخير) اعتقلت الشرطة المصرية في شرم الشيخ الرئيس السابق حسني مبارك ونجليه علاء وجمال. الحاكم مطلق القدرة لمصر على مدى 30 سنة هو، الآن، الهدف رقم واحد للجمهور المصري. لم تركز المظاهرة الجماهيرية في ميدان التحرير في القاهرة يوم الجمعة الماضي على المطالبة بالديمقراطية أو بالانتخابات الحرة، بل على طلب اعتقال مبارك، الرجل الذي يرى فيه المصريون المسؤول عن وضع دولتهم البشع. وعلى نحو مفاجئ، فان الحكم الانتقالي العسكري في مصر ينصت، بل وهناك من يقول ينصت جدا، لمشاعر الجمهور. وفي أحيان قريبة، يبدو أن المجلس العسكري الأعلى يدير سياسته حسب الريح التي تهب من الميدان وليس وفقا لخطة مرتبة. كان يمكن اعتقال مبارك قبل أسابيع، ولكن قوات الأمن امتنعت عن ذلك إلى أن توصلت إلى الاستنتاج بأن مظاهرة الغضب قبل أسبوع، والتي انتهت بموت متظاهرين اثنين، لا تترك لهم خيارا. الدراما في سورية صاخبة بقدر لا يقل عن نظير في مصر، فقد بدأت سوريا، هذا الأسبوع، بمظاهرات عنف في دمشق نفسها، حيث قُتِل طالب. وعلى مدينة بانياس فرض حصار وأغلق طريق رئيسي مجاور لزمن ما على أيدي آلاف النساء والأطفال ممن تظاهروا مطالبين بتحرير سجناء الاضطرابات. توثق الصور التي بُثّت من بانياس هجومات وحشية لقوات الأمن المحلية على المتظاهرين. المظاهرات اليوم كفيلة بأن تكون أكثر عصفا كانت عليه هي في الأسابيع السابقة. ما يزال حكم بشار الأسد يبدي قوته، ولكنِْ في الوقت الذي تتكاثر التقارير عن جنود عاقين يرفضون إطلاق النار على المتظاهرين، واضح أن الرئيس في مشكلة. التطورات في دمشق تؤثر أيضا على الساحة الفلسطينية. مسؤولو حماس في غزة يفهمون أنه يُحتمَل أنه يتعين عليهم قريبا أن يجدوا لأنفسهم سندا بديلا، بدلا من المساعدة السورية. ولعل هذا أيضا هو أحد الأسباب في الرغبة الظاهرة التي أبدتها القيادة السياسية ل»حماس» في وقف النار مع إسرائيل في الأسبوع الأخير. أحد قادة المنظمة في غزة، محمود الزهار، قال، أمس الأول، في حديث مع «هآرتس»، إن «حماس تريد الحفاظ على الهدوء في المنطقة وهي غير معنية بسفك الدماء من جهتنا ومن الجهة الأخرى أيضا'. ومع ذلك، فقد هدد الزهار بأنه إذا هاجمت إسرائيل منظمته أو مست بالفلسطينيين دون سبب، فإن «حماس» سترد... يتبع