«لا يهمني لو ترأس الإخوانَ المسلمين قبطيّ حتى، بشرط أن ينتخبه المجلس العامّ للحركة ويير حسب برنامج عملها»... هذا ما أعلنه، في الأسبوع الماضي، من كان، سابقا، مرشد الإخوان المسلمين في مصر، مهدي عاكف. إن عاكف، ابن الثلاث والثمانين، المشهور بلغته اللاذعة، هو الذي قال، قبل بضع سنين: «لا يهم من يترأس مصر، بشرط أن يكون مسلما» (أي أنه لا يجب حتى أن يكون مصريا أو مولودا في مصر). الآن، يتدخل عاكف لوقف اتساع الصدوع التي ظهرت في حركة الإخوان المسلمين ولمنع انشقاقها إلى كتلتين أو إلى حزبين ينافسان، كل على حدة، في انتخابات مجلس الشعب، التي ستنظم في شتنبر. بدأ الانشقاق في صفوف الإخوان بعد وقت قصير من وقف المظاهرات الكبيرة في ميدان التحرير. طلبت جماعة نشطاء عرّفت نفسها بأنها «شباب الإخوان» من رؤساء الحركة إجراء انتخابات حرة لقيادة الإخوان المسلمين، تشبه المطلب الشعبي لإجراء انتخابات حرة للرئاسة في مصر. يترأس الجماعةَ الدكتور إبراهيم الزعفراني، وهو ناشط قديم في الإخوان وعضو سابق في مجلسها للشورى، الذي هو الجسم الأعلى للمنظمة، الذي يختار مرشدَها. ويُتوقَّع أن ينضم إليه عبد المنعم أبو الفتوح، رئيس اتحاد الأطباء، وهما يُمثلان معا الجيل الأوسط في المنظمة والتيار البراغماتي الإصلاحي، من جهة سياسية ومن جهة دينية، أيضا. وتنوي الجماعة أن تنشئ، أيضا، حزبا سياسيا جديدا يُسمى «النهضة»، يكون مفصولا عن حركة الإخوان. وقد أعلنت هذه الأخيرة، من جهتها، إنشاء حزب يُسمى «العدالة والحرية». ليست هذه أولَ مرة تنشُب فيها اختلافات في الرأي في الحركة. في واقع الأمر، منذ أُنشئت في 1928، على يد حسن البنا، عرفت انشقاقات كثيرة. فعلى سبيل المثال، انشقت عنها، في الثمانينيات والتسعينيات، الجماعة الإسلامية» و»التكفير والهجرة»، وهما حركتان عنيفتان عارضتا سياسة عدم العنف عند «الإخوان». في 2007، على خلفية نشر مسودّة البرنامج السياسي، بعد الفوز الكاسح في انتخابات 2005، ظهر في الحركة شقاق فكري جوهري حول مسألة موقفها من مؤسسات القضاء. اقترحت الجماعة المحافِظة إنشاء مجلس منتخَب من الفقهاء يرشد ويوجه النظام في شؤون الدين، وبهذا تسلب المؤسسة المهمة (الأزهر) تفردها بالأمر وتستطيع أن تمنع النساء من تولي مناصب رفيعة في الدولة، أو تمنع قبطيا من أن يكون رئيسا للدولة... في مقابل ذلك، طلبت الجماعة، البراغماتية، الاعتراف بسلطة المحكمة الدستورية للدولة في أن تقرر في شؤون التشريع، ومن ضمن ذلك تشريع يمس شؤون الدين، وأنها لا تعارض، مبدئيا، تعيين نساء أو أقباط في وظائف قيادية. وليست الشؤون العقائدية وحدها التي هزّت الحركة، بل الاختلافات في صورة تعيين أعضاء للوظائف الرفيعة في المنظمة وتعيين المرشد وتقسيم السلطات. أنشأت تلك تيارات أخذت تتباعد، إلى درجة أن عددا من الأعضاء في القيادة، ومنهم الدكتور محمد حبيب، نائب المرشد العام، قرروا الانفصال عن المنظمة. هذه المرة، يواجه «الإخوان المسلمون» انشقاقا أكثر تهديدا، لأنه، بخلاف الفترة التي سبقت ال25 من يناير، حينما وحّدت المطاردات صفوف الحركة والاعتقالات والتنكيلات من قِبَل نظام الحكم، لم يعودوا اليوم يطاردونها ولا يمكن أن تستعمل راية مقاومة نظام الحكم للتجنيد. أخذت إحدى نتائج هذا الوضع تظهر، فنائب مرشد الحركة، خيْرت الشاطر، الذي أُفرج عنه من السجن في المدة الأخيرة، دعا رفاقا إلى عرض مقترحاتهم للإصلاح وإسماع دعاواهم للقيادة. وعلى نحو غير مفاجئ، صاغ هذه الدعوة في موقع «الإخوان المسلمين» على «فايس بوك» وهو يوجهها ل«شباب الإخوان»، الذين دعَوا إلى تنفيذ إصلاحات إدارية بعيدة المدى. ليس هؤلاء «الشباب» مفصولين عن حركات الشباب العلمانيين، التي أقامت الثورة في مصر، فجزء منهم مكثوا معا في السجون وتعاونوا على إنشاء مواقع أنترنت معارضة وخرجوا معا للتظاهر أو للإضراب في مصانع واتحادات مهنية، حيث نشأ بينهم، خلال العقد الأخير على الأقل، تفاهم يتعلق بنوع المطامح التي يُفترض فيهم صياغتها وتنفيذها، لجعل مصر دولة أفضل للجيل القادم. إن النشاط الذي يسري داخل «الإخوان المسلمين» ما يزال لم يُبين ماذا ستكون قوة الحركة في الانتخابات القريبة. في الانتخابات التي جرت في الأسبوع الماضي لمجالس الطلاب في بعض الجامعات، حظي «الإخوان المسلمون» بنصيب يتراوح بين 12و 28 في المائة. قد تشير هذه النسبة إلى قوتها الحقيقية بين الناس وربما تبث الخوف من «احتلال» الحركة لمصر، وهو خوف يُعبّرون عنه الآن خارج مصر أكثر مما يفعلون داخلها. في هذه الأثناء، يحاول الحزب الحاكم السابق إظهار قوته أيضا، فقد افتتح خلال هذا الأسبوع عدة صفحات في «فيس بوك» أعلن فيها فتح صفحة جديدة مع المواطنين». وحسب تقديرات الحزب، فإن له احتمالا جيدا لإحراز أغلبية في عدد من الأقاليم المهمة، مثل سوهاج وألمنية وأسيوط، جنوبي الدولة. يبدو أن أعضاءه لا يعتمدون فقط على أن أحزاب المعارضة سيصعب عليهم تنظيم أنفسهم جيدا في المدة التي بقيت حتى الانتخابات، بل على حقيقة أن جزءا كبيرا من التنظيمات الحكومية وأكثر هيأة الموظفين الدنيا، التي تعتني مباشرة بالمواطنين، تؤيد استمرار حكمه. /عن « «هآرتس»