الوجه الآخر لمسيرات التغيير للمسيرات الاحتجاجية وجه آخر قلما يعيره المغاربة انتباها، فهم يرون فقط المرحلة الأخيرة من هذه المسيرات ولا يهتمون بالتفاصيل المكونة للصورة ككل. فطباعة اللافتات والملصقات، التي تحمل شعارات ولوغوهات لحركات أو منظمات المجتمع المدني وغيره، وصور ملونة وجمل أو كلمات مطبوعة على قبعات أو قمصان، كلها تفاصيل تتطلب إمكانيات مادية وبشرية خاصة. هذا هو «الوجه التجاري»، إن جاز التعبير، للمسيرات، حيث تنتعش فرص عمل يستفيد منها خطاطون وتقنيون ومخرجون فنيون يعملون منفردين أو لحساب بعض المطابع. لكل لافتة سعرها الخاص الذي, يزيد أو ينقص، حسب حجمها، ويتغير سعر اللافتات المراد إعدادها، سواء تعلق الأمر بالطبع أو السحب بالنسبة إلى اللافتات الكبيرة التي تكون في واجهة المسيرات، أو سعر خطها لدى أحد الخطاطين، والحديث هنا يدور حول اللافتات البسيطة صغيرة الحجم. الإعداد والتخطيط ليس من قبيل الصدفة أن تكون اللافتات المرفوعة في المسيرات، التي شهدتها مختلف المدن المغربية، موحدة وموجهة، فهي تتطابق من حيث الحجم والشكل واللون المستخدم، وهو أمر عادي، ما دام يتفق واضعوها على ذلك مسبقا، مثلما يتفقون على رفع شعارات خاصة واستخدام كلمات معينة، دون غيرها، تحمل بعضها رسائل مباشرة وأخرى غير مباشرة. يستعد المتظاهرون قبل الموعد بأسابيع، حيث يلتقون ويتفقون على كل النقط الأساسية. وبالنسبة إلى أعضاء تنسيقيات حركة 20 فبراير، يقومون بإعداد دراسات وتقارير مسبقة لأهم النقط، بما فيها الشعارات واللافتات، التي يجب أن تتسم بالإبداع وتواكب الأحداث والمستجدات، وهو ما تجلى بوضوح في الطريقة التي كتبت بها الشعارات، مثل شعار «عاجل: الشعب المغربي يقتحم معتقل تمارة ويعتقل مسؤوليه»، المكتوب بثلاثة ألوان مميزة وبنفس الطريقة التي تعتمدها القنوات الإخبارية. وتطور شعار «الرحيل»، هو الآخر، من مجرد كتابة الاسم بخط اليد على ورقة بيضاء متوسطة الحجم إلى طبعه على لافتة كبيرة بخط واضح وبلونين مختلفين، حيث تبرز كلمة «ارحل» باللون الأحمر، فيما يبرز اسم الشخص المقصود باللون الأسود، مصحوبا بصورته»، يقول أحد أعضاء حركة 20 فبراير. تجدد الشعارات وتنوعها فرض على المنظمين وضع أشكال مختلفة ومتعددة للافتات التي حضر فيها الجانب الإبداعي بقوة، وأصبحوا بذلك مطالبين بالإتيان بكل ما هو جديد، والذي يتطلب جهدا ووقتا ومالا أكثر. كم تبلغ كلفة اللافتات؟ يتفاوت سعر اللافتات حسب الحجم والنوع والتصميم، وأيضا حسب العدد المراد سحبه. يتراوح ثمن اللافتة البالغة مساحتها من 4 إلى 6 أمتار على المتر الواحد ما بين 70 و80 درهما كمتوسط، وبالتالي يصل سعر اللافتة الواحدة إلى 280 درهما كثمن أدنى و480 درهما كثمن أقصى، وينخفض سعر اللافتة كلما كان عدد السحب أكبر. «على مستوى مسيرة كاملة يتم إعداد حوالي 150 لافتة كعدد تقريبي، وعلى سبيل المثال، فإن المسيرة الأولى لمدينة سلا بلغ مجموع لافتاتها الكبيرة حوالي 14 لافتة كلفت كل واحدة منها ما يقارب 350 درهما»، يقول مصدر يعمل في إحدى المطابع. إلى جانب اللافتات الكبيرة، يتم إعداد لوحات «les panneaux»، التي يقدر ثمنها بأربعة دراهم للمتربع المربع إن كانت من الورق، ويزيد ثمنها إذا كانت مصنوعة من نوع خاص من البلاستيك يستعمل في الطباعة. يزيد الطلب على اللوحات الصغيرة أو ما يعرف ب«البوستيرات» من حجم A3، فهي تختزل الوقت والمال والجهد، حيث يتم طبع عدد منها على قطعة واحدة تبلغ مساحتها حوالي خمسة أمتار على متر واحد، يتم تقسيمها إلى «بوستيرات»، تباع كل واحدة منها بثمن 10 دراهم كمتوسط. أحيانا يستعين البعض بخدمات المخرجين الفنيين، الذين يعملون لدى المطبعة. الاستعانة بهم غالبا ما تزيد من كلفة اللافتة، فإذا أراد الزبون أن يطبع مثلا لافتتين، على الأقل، من تصميمين مختلفين، فسيتطلب ذلك حوالي خمس ساعات من مجهود المخرج الفني، يتم خلالها استشارة الزبون في التصاميم، الذي يختار ما يعجبه ويرفض ما لا يرضيه. «هذه الطريقة تكون مكلفة وتزيد كلما زادت ساعات العمل وعدد التصاميم المنجزة، كما يحتسب جهد المخرج الفني الذي يتقاضى أجرا يتراوح ما بين 4000 و7000 درهم»، يقول مصدر من إحدى المطابع، وتدفع كلفة هذه العملية الزبون إلى إعداد تصميمه الخاص ويبقى فقط الطبع والسحب، والأمر في هذه الحالة لا يستلزم أكثر من ساعتين حتى تكون اللافتات جاهزة. لا يكون الطبع على اللافتات فقط، بل أيضا على القمصان وقبعات الرأس وغيرها، تطبع اللوغوهات من أحجام مختلفة، ولا يتجاوز سعر اللوغو الصغير درهما ونصف الدرهم، ويزيد سعره كلما زاد حجمه. ويتراوح سعر الطبع على القمصان ما بين 35 و40 درهما للقطعة الواحدة وينخفض سعرها كلما زاد عدد القطع، أما الطبع على القبعات فيبلغ حوالي 13 درهما للقبعة الواحدة. وتزيد الكلفة كلما زادت جودة الورق المستخدم في طبع التصميم قبل طبعه على قطع الملابس، حيث يتم بذلك احتساب ثمن اللوغو وثمن الورق المستعمل في الطبع ثم ثمن الطبع على الملابس. لا يتم فقط طبع الشعارات، بل هناك من المتظاهرين من لا تسمح لهم أوضاعهم المادية بالاستعانة بالمطابع، فيلجؤون إلى خدمات الخطاطين، ويقومون بشراء قطع ثوب لا يتجاوز ثمنها 30 درهما للمتر الواحد ويطلبون من الخطاط كتابة شعار مناسب يتقاضى مقابله أجرا لا يتجاوز 100 درهم، بينما يبلغ سعر اللوحات الصغيرة، التي يستعينون فيها بخدمات «مول السيبير»، عشرة دراهم إن توفرت الإمكانيات، وإلا يقومون بكتابة شعاراتهم أو مطالبهم بأيديهم على ورق «الكارطون». بالمقابل، يرى مصطفى المشتري، أحد المشاركين في احتجاجات مدينة الرباط، أن مصاريف هذه المسيرات غير مكلفة، لأنها تبقى حركة احتجاجية لا تستوعب الدعم الكبير، لكن من أين يأتي الدعم؟ مصادر التمويل تتوفر حركة 20 فبراير على إمكانيات مادية وبشرية وشبكة علاقات مهمة تساعدها في هذا الجانب، حيث يتطوع أحد المساندين للحركة بطباعتها على حسابه الخاص، أو يتدخل بعلاقاته مع صاحب مطبعة ما لطبع اللافتات، إما بثمن منخفض أو رمزي وأحيانا بالمجان، خاصة إن كان صاحب المطبعة من المتضامنين مع الحركة، فيما يتكلف شباب آخرون، منهم تقنيون ومتخصصون في المجال، بتصميم اللوغوهات وبالإخراج، ومنهم من يقوم بجمع تبرعات من المنخرطين في العمل مباشرة، حيث يعمد كل واحد منهم إلى تقديم مساهماته المادية. ومن جهة ثانية، تعتمد الحركة على المجلس الوطني لدعم حركة 20 فبراير، الذي يتجلى عمله في دعم الحركة ماديا ولوجيستيكيا. ويتكون هذا المجلس من أزيد من 100 هيأة ونقابة وجمعيات المجتمع المدني. «عندنا قناعة بأن من يعطينا دعمه المادي سيفرض علينا توجهاته، ولأنه لا علاقة لنا بأي توجهات سياسية، فإننا نرفض دعمهم، الدعم الوحيد الذي نقبل به هو نزولهم إلى الشوارع والاحتجاج معنا»، يقول المشتري، عضو في تنسيقية حركة 20 فبراير. هذا فيما يخص المجموعات، أما على مستوى الأفراد، سواء من مواطنين بسطاء أو «مناضلين»، فإنهم يعتمدون في إعداد لافتاتهم على «جيوبهم» ومصادر تمويلهم الخاصة، أو يستعينون بخدمات معارفهم والمقربين منهم، ولذلك غالبا ما تكون شعاراتهم بسيطة أو تعبر عن مشاكلهم الخاصة، لكنها تتفق إجمالا مع السياق العام لباقي الشعارات. «تقوم إحدى الجمعيات بتأطير وقفاتنا ومسيراتنا الاحتجاجية، وتترك لنا مهمة إعداد اللافتات وكتابة الشعارات، حيث نتكفل نحن بالجانب المادي»، يقول أحد سكان كريان «باشكو» بالبيضاء، حيث شارك سكانه في مسيرة الدارالبيضاء الأخيرة، وقاموا من أجلها بجمع تبرعات مالية من بعضهم، قصد إعداد لافتات صغيرة غير مكلفة تتماشى مع ظروفهم المادية، «بعدما منعنا من طرف الجمعية من حمل صور الملك طلبوا منا، بدل ذلك، القيام بإعداد لافتات تتضمن مطالبنا، وهو ما قلناه للخطاط الذي اقترح علينا بعضا منها». جانب تجاري آخر من المسيرات تخرج الحشود تهتف بشتى الهتافات وتنادي بمجموعة من المطالب، تتعب ثم تجوع، وتكون تلك فرصة لبعض الباعة المتجولين، ممن يضبطون ساعاتهم على وقت هذه الوقفات، خاصة تلك التي تستمر وقتا طويلا. يستعد الباعة استعدادا تاما، مسلحين بوجباتهم الخفيفة، زهيدة الثمن، حتى يضمنوا كسب مبلغ يسير من المال في يومهم هذا. حلوى ولبن رائب، وربما بعض المكسرات وعصير البرتقال وقنينات ماء وغيرها، كلها تلقى إقبالا من طرف المشاركين في المسيرات, «ربحت في هذا اليوم من بيع هذه الوجبات أضعاف ما أكسبه في الأيام العادية»، يقول أحد الباعة المتجولين، الذي حول طاولة مأكولاته إلى ساحة احتجاج من نوع خاص، بعدما غطاها بلافتة كبيرة من الثوب مكتوب عليها بخط اليد «الشعب يريد إسقاط الفساد». وليس وحدهم بائعو الوجبات الخفيفة من يتصيدون مثل هذه الفرص، بل حتى بائعو الأعلام الوطنية وقبعات الرأس التي طبع عليها العلم المغربي، يتجولون بين الحشود، يبيعون سلعتهم بسعر يقارب 30 درهما للقطعة الواحدة.