يبدأ مشروع الزواج بشخصين مختلفين: رجل وامرأة يستقلان قطارا واحدا. يلتحمان تدريجيا أثناء الرحلة في هدوء وسكينة، إلى أن يحدث المنعطف الأول، وهو «الحمل» وإعلان قدوم شخص ثالث بينهما. بلا شك، الحدث سعيد وفاصل، يحوِّل الزوجين العشيقين المنصهرين إلى أبوين منذ اللحظة التي يخبرهما الصيدلي أن تحليل البول «موجب». إنها لحظة مفصلية في الحياة، تحدث أثناءها وبعدها مباشرة اضطرابات في الرغبة وفي «الشهية» الجنسية. وأحيانا، تنتج عنها تصدعات وهزّات تترك شروخا غائرة في العلاقة الزوجية. قد ترجع الأسباب إلى المعتقدات الخاطئة التي تصوغها الثقافة الاجتماعية السائدة. وأحيانا، وللأسف، للأطباء أنفسهم. يقسم أخصائيو العلوم الجنسية الرحلة التي يمر بها الحمل، خلال أسابيعه الأربعين، إلى أربع مراحل: الأسابيع ال12 الأولى: تنطلق فيها الرحلة ويبدأ التأقلم مع «الوضع الجديد» ومع التغيرات الجسدية والنفسية. خلال هذه المرحلة، تحس المرأة أنها تحقق وجودها وتساهم في خلق معجزة الحياة وتشعر بنبض الجنين الناشئ في أحشائها، ويمنحها ذلك أريحية نفسية دفينة، تنتشلها من ماضيها وتحولها من زوجة إلى أم. تجعل الأمومة المرأةَ تنطوي على نفسها وتعود إلى طفولتها وتبحث، حينها، على الطمأنينة والحماية، فتنقلب إلى والديها أكثر من لجوئها إلى زوجها. وتنقص العلاقات الجنسية في الأسابيع الاثنى عشر الأول، بنسبة 20 في المائة، لسببين رئيسيين: المزاج المتقلب، والذي يعني -في عمقه- طلبا للحب والرعاية من المحيط، خصوصا من طرف الزوج، وإهمال الزوجة للعناية بنفسها في ما يثيره جنسيا، كالتزين والتغنج. كما لا ننسى حالة استثنائية تتميز بالارتفاع المفاجئ للرغبة الجنسية، خصوصا عند اللواتي كن يعانين من نقص «الليبيدو» قبل الحمل، نتيجة تأخره أو نتيجة اضطراب الخصوبة! من الأسبوع ال12 إلى ال32: هي المرحلة الذهبية في فترة الحمل، حيث يعود الدفء ويتّقد وهج العلاقة الزوجية في كل جوانبها. يلتحم الزوجان، من جديد، بعد استيعاب شعوري لدور هذا «الدخيل» بينهما، فلم يعد عاملا للتفريق بقدْر ما أصبح إسمنتا جديدا وقويا للمّ شتات الأسرة. بعد التخلص من مشاكل الوحم الأول، تشرق شمس الرغبة الجنسية بكل سطوعها وتدفئ الفراش، من جديد، فتعشق المرأة جسدها المتغير وتلتهب حبا لرفيق دربها، فيرسوان معا على شاطئ السعادة والنعيم المقيم، خصوصا بعد أن يرحل الخوف من فقدان الجنين في الأسابيع الأولى، ويحل محله الاطمئنان والوثوق في النفس، وتعطي البطن المنتفخة، البادية من تحت الملابس، مركزا اجتماعيا متقدما، وتنال من خلاله الاحترام والتقدير والتقديم والتسبيق من كل المحيطين بها، سواء من نسيج الوسط الأسري أو الرسمي. أما الزوج فيندمج، تدريجيا، في دور الأب، دون أن يفقد رتبة واحدة من مركزه كزوج وعاشق محب. فلم يعد السير بالقرب من الزوجة، وهي مستندة عليه، محرّما ولا محرجا اجتماعيا، بل قد يمسك بيدها وذراعها، دون أدنى ارتباك، لأن بطنها المتكورة تعطيه شهادة مصادَقا عليها بأنه الزوج والأب وليس الخذن أو العشيق، كما قد يُفهَم في غياب البطن الكبيرة، وينشأ وراء الجدران حوار أسري دافئ وحميمي وجنس غني وقوي وعذب وحلو... الشهر الثامن: في هذا الشهر، يتخذ الحب والرومانسية منحنى تصاعديا، لكن العلاقات الجنسية يتجه مؤشرها نحو الأسفل، فتنقص بوضوح عند أغلب الأزواج ويتراوح النقص بين 20 و30 في المائة بالمقارنة مع المرحلة السابقة. وبسبب ضخامة البطن، يبحث الزوجان عن «وضعيات» جديدة في الجماع ويجتهدان أيما اجتهاد للخروج من القيود الجسدية المعرقلة، وعادة ما تنتهي بعض هذه المحاولات بنوبات من الضحك والمرح، خاصة عند الفشل أو المجاهدات اليائسة لحل مشكل صعوبة الإيلاج في وضعيات أمامية. ونلحظ هنا، في هذه المرحلة عند الرجل، نقصا شديدا في الرغبة الجنسية، عكس المرأة، ويرجع هذا إلى عاملين: -الخوف من إيذاء الجنين، خصوصا عندما تعلن المرأة أنها تحس برأس طفلها منخفضا. -نقص الرغبة غير المعبر عنها، نتيجة نقص جاذبية المرأة: بطن كبيرة وثديان منتفختان ومؤلمتان وتمزقات جلدية وازدياد الوزن واكتناز الوجه... الشهر التاسع: يعرف هذا الشهر اضطرابات عديدة، فالمرأة لم تعد تعرف كيف تساير التغيرات المتسارعة التي تداهمها باطّراد، دون سابق إنذار، فالوقت لم تعد له نفس القيمة، فقد يحدث الوضع في أي لحظة، والانتظار والترقب صارا شعارين عريضين لهذه الأسابيع الأخيرة. تتسم العلاقات الجنسية في هذه المرحلة بطغيان الجانب العاطفي والحركات الثقيلة وبإعطاء الأولوية للحنان والرأفة. وتقتصر الايلاجات على الوضعيات الخلفية. وعادة، ما يمتنع الأزواج عن معاودة الجماع في نفس الليلة. ولا تستمتع المرأة كثيرا، لعدم قدرتها على التحرك بسهولة وعلى مسايرة حركات الرجل. ولا بد، قبل الختم، أن أشير إلى أن بعض الحالات التي يُنصَح فيها باستشارة الطبيب قبل أي علاقة جنسية بالإيلاج، وهي الإجهاض المتكرر، اتساع عنق الرحم، نزيف ومشيمة منخفضة وخطر الإجهاض أو الولادة قبل الأوان...