سجلت حركة 20 فبراير في إقليمالحسيمة، بامتعاض شديد، مفارقة التعامل التمييزي السلبي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان، الذي عوض مؤخرا المجلس الاستشاري لحقوق الإنسان، في تعاطيه مع ما وقع في الحسيمة من أحداث أعقبت مسيرات 20 فبراير في الإقليم وعدم عمله على كشف حقيقة ما وقع، مقارنين في ذلك بين ما وقع في خريبكة وبين كيفية تعامل المجلس معه، «رغم أن الحسيمة قدمت خمسة من أبنائها إلى الموت، في غفلة من أمرها، مما يجعلنا نتساءل عن خلفيات هذا التعامل اللا أخلاقي للمجلس الوطني لحقوق الإنسان في تعاطيه مع ملف في غاية الحساسية يستدعي تدخلا حقوقيا من كل الأطراف المعنية، لكشف الحقيقة، كل الحقيقة، حول ما وقع في الحسيمة ليلة 20 فبراير»، يقول أحد نشطاء الحركة في الندوة الصحافية التي نظمتها يوم الخميس في الحسيمة، وهو المطلب ذاته الذي تبنّته عائلات الضحايا، التي تؤكد شكوكها في ملابسات وفاة فلذات أكبادها، رافضة الإقتناع ب«الرواية الرسمية» للحادث، مما جعل أخ أحد الضحايا الخمسة، الذين عثر على جثثهم متفحمة في إحدى وكالات البنك الشعبي في المدينة، يطالب بتدخل الملك، بصفته أعلى سلطة في البلاد، لإيفاد لجنة لتقصي الحقائق وللتحري في الموضوع، خاصة أن من الشهادات التي رواها الحاضرون، وما أجهش معها أغلبية الحاضرين بالبكاء بعد الصدمة التي علت الوجوه. خاصة بعد أن تحدث أحد الشهود عن رؤيته أحد هؤلاء الشباب المتوفين على الساعة العاشرة ليلا بالقرب من الإعدادية الجديدة، رغم أن الحريق الذي اندلع بالبنك الذي عثر فيه على الجثث تم إطفاؤه في حدود الساعة السابعة مساء، وغيرها من الشهادات التي تطرح الكثير من الأسئلة العالقة التي تحتاج إلى فتح تحقيق نزيه، والتي تضفي شرعية على مطلب إيفاد لجنة لتقصي الحقائق لكشف الحقيقة حول ملابسات الموضوع. ومباشرة بعد الندوة الصحافية التي نظمتها الحركة إحياء وتأبينا لذكرى «استشهاد» خمسة شباب من أبناء الحسيمة، وفي جو رهيب وبحزن يعلو قسمات الوجوه، نظم المئات من ساكنة إقليمالحسيمة مسيرة صامتة أسموها «موكب الشموع»، انطلقت من المركب الثقافي والرياضي للمدينة، ونسمات هواء الليل تتسلل إلى المكان، ومئات الشباب يترجلون بروية، حاملين الشموع، وأفراد عائلات الضحايا يتقدمون المسيرة، حاملين نعشا افتراضيا للشباب الخمسة. وقد جابت المسيرة أهم شوارع المدينة، مرورا بالبنك الشعبي ومقر الأمن الإقليمي، محافظة على سلميتها، رغم الغياب التام لعناصر الأمن التي اكتفت بالتواجد في بعض المقاهي وعلى الهوامش، لمراقبة الوضع بزيها المدني. انضباط تنظيمي مشهود له ورغبة جامحة كانت تتملك الشباب في إنجاح شكلهم الاحتجاجي الحضاري وتحصينه، تعبيرا منهم عن مدى التزامهم بالطابع السلمي لأشكالهم الإحتجاجية، وهو ما تأتى لهم فعلا في الذكرى الأربعينية التي اختاروا لها شعارا في صيغة تساؤل يحمل الكثير من الدلالات، والذي جاء على شكل «5 شهداء...40 معتقلا...من التالي؟». ولم تقدم المسيرة الجواب عمن يكون التالي المفترَض وإنما اكتفى منظموها باختتام فصولها في ساحة محمد السادس، بتلاوة آيات بينات من الذكر الحكيم وبالدعاء، طالبين من الله التوفيق والسداد، بينما مئات المحتجين والمؤبنين «يؤمّنون» في جو من الرهبة والوعد باللقاء والاستمرار في النضال لتحقيق مطالبهم، التي يذكّرون بها في كل وقت وحين، ملخصينها في المطالبة بدستور ديمقراطي يحترم إرادة الشعب وبالملكية البرلمانية وبدسترة الأمازيغية وبمحاسبة المفسدين وناهبي المال العام وبالتأسيس لاقتصاد وطني يقطع مع واقع اقتصاد الريع وإطلاق الحريات ومعاقبة كل المتورطين في جرائم الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، دون إغفال المطالب الإجرائية ذات الصبغة المحلية، المتمقلة أساسا في إطلاق سراح المعتقلين، لكونهم ضحايا حدث اجتماعي، والإصرار على مطلب إيفاد لجنة لتقصي الحقائق في موضوع وفاة الشباب الخمسة، الذين تحوم الكثير من الشكوك حول ملابسات وفاتهم، في ظل عدم اقتناع عائلات الضحايا بالرواية الرسمية وتشكيك الرأي العام المحلي فيها.