القنيطرة... اختتام دوري أكاديميات كرة القدم    القيمة السوقية للدوري السعودي تتجاوز عتبة المليار يورو    باب برد: تفكيك عصابة إجرامية متورطة في سرقة وكالة لتحويل الأموال    الإرث الفكري ل"فرانتز فانون" حاضر في مهرجان الكتاب الإفريقي بمراكش    تطوان تحتفي بالقيم والإبداع في الدورة 6 لملتقى الأجيال للكبسولة التوعوية    نادٍ نرويجي يتبرع بعائدات مباراته ضد فريق إسرائيلي لدعم غزة    التوقيع على مذكرة تفاهم لتعزيز التعاون والشراكة بين مدينة طنجة ومدينة القدس الشريف    CDT تقر إضرابا وطنيا عاما احتجاجا على قانون الإضراب    حكومة أخنوش تتعهد بضمان وفرة المواد الاستهلاكية خلال رمضان ومحاربة المضاربات    هذه توقعات أحوال الطقس اليوم الأحد    ابتداء من غد الاثنين.. ارتفاع جديد في أسعار المحروقات بالمغرب    هكذا يخطط المغرب لتعزيز أمن منطقة الساحل والصحراء    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج شهدت ارتفاعا بنسبة 2.1 في المائة    الرجاء البيضاوي يتجه إلى إلغاء الجمع العام مع إناطة مهمة الرئاسة إلى بيرواين حتى نهاية الموسم    "هِمَمْ" ترفض التضييق والتشهير بمديرة جريدة "الحياة اليومية"    نزار بركة يترأس الدورة العادية الموسعة للمجلس الإقليمي لحزب الاستقلال في العيون    مقتل مغربي بطلقات نارية في إيطاليا    الإعلام في خدمة الأجندات السياسية والعسكرية    كريستينا.. إسبانية سافرت للمغرب لاستعادة هاتفها المسروق بمدريد والشرطة المغربية أعادته إليها في أقل من ساعة    تجميد المساعدات الأميركية يهدد بتبعات خطيرة على الدول الفقيرة    الرئاسة السورية: الشرع يزور السعودية    تحذير من تساقطات ثلجية وأمطار قوية ورعدية مرتقبة اليوم الأحد وغدا الاثنين    تفكيك شبكة صينية لقرصنة المكالمات الهاتفية بطنجة    روبرتاج بالصور.. جبل الشويحات بإقليم شفشاون وجهة سياحة غنية بالمؤهلات تنتظر عطف مسؤولين للتأهيل    السلطات الأسترالية تعلن وفاة شخص وتدعو الآلاف لإخلاء منازلهم بسبب الفيضانات    حريق مُهول يأتي على ورش للنجارة بمراكش    المغرب يعزز موقعه الأممي بانتخاب هلال نائبا لرئيس لجنة تعزيز السلام    "رسوم ترامب" الجمركية تشعل حربًا تجارية .. الصين وكندا والمكسيك ترد بقوة    دراسة: هكذا تحمي نفسك من الخَرَفْ!    استئناف المفاوضات بين حماس وإسرائيل الاثنين بعد رابع عملية تبادل للرهائن والمسجونين    ائتلاف حقوقي: تجميد "ترانسبارانسي" عضويتها من هيئة الرشوة إعلان مدوي عن انعدام الإرادة السياسية في مواجهة الفساد    الصين: شنغهاي تستقبل أكثر من 9 ملايين زائر في الأيام الأربعة الأولى من عطلة عيد الربيع    الجمعية المغربية لدعم إعمار فلسطين تجهز مستشفى الرنتيسي ومستشفى العيون باسطوانات الأكسجين    المنتخب الوطني لأقل من 14 سنة يجري تجمعا إعداديا بسلا    طنجة تتأهب لأمطار رعدية غزيرة ضمن نشرة إنذارية برتقالية    ريدوان يخرج عن صمته بخصوص أغنية "مغربي مغربي" ويكشف عن مشروع جديد للمنتخب    ريال مدريد يتعثر أمام إسبانيول ويخسر صدارة الدوري الإسباني مؤقتًا    أولياء التلاميذ يؤكدون دعمهم للصرامة في محاربة ظاهرة 'بوحمرون' بالمدارس    حجز أزيد من 700 كيلوغرام من اللحوم الفاسدة بطنجة    تحويلات المغاربة المقيمين بالخارج فاقت 117 مليار درهم خلال 2024    مؤسسة طنجة الكبرى تحتفي بالكاتب عبد السلام الفتوح وإصداره الجديد    هذا هو برنامج دور المجموعات لكأس إفريقيا 2025 بالمغرب    مقترح قانون يفرض منع استيراد الطماطم المغربية بفرنسا    تفشي "بوحمرون" في المغرب.. أرقام صادمة وهذه هي المناطق الأكثر تضرراً    المجلس العلمي المحلي للجديدة ينظم حفل تكريم لرئيسه السابق العلامة عبدالله شاكر    ثمن المحروقات في محطات الوقود بالحسيمة بعد زيادة جديد في الاسعار    الانتقال إلى دوري قطر يفرح زياش    مسلم يصدر جديده الفني "براني"    لمن تعود مسؤولية تفشي بوحمرون!    لقجع: منذ لحظة إجراء القرعة بدأنا بالفعل في خوض غمار "الكان" ولدينا فرصة لتقييم جاهزيتنا التنظيمية    القاطي يعيد إحياء تاريخ الأندلس والمقاومة الريفية في عملين سينمائيين    الإعلان عن تقدم هام في التقنيات العلاجية لسرطانات البروستات والمثانة والكلي    محاضرة بأكاديمية المملكة تُبعد نقص الذكاء عن "أطفال صعوبات التعلم"    أي دين يختار الذكاء الاصطناعي؟    الفنانة دنيا بطمة تغادر السجن    أربعاء أيت أحمد : جمعية بناء ورعاية مسجد "أسدرم " تدعو إلى المساهمة في إعادة بناء مسجد دوار أسدرم    غياب لقاح المينانجيت في الصيدليات يعرقل سفرالمغاربة لأداء العمرة    أرسلان: الاتفاقيات الدولية في مجال الأسرة مقبولة ما لم تخالف أصول الإسلام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



لمن‮ تعاود‮ زابورك‮ أداود‮
نشر في المساء يوم 26 - 03 - 2011

عندما‮ يحكم‮ ضدنا‮ القاضي‮ العلوي،‮ قبل‮ أسبوعين‮ في‮ الرباط،‮ بستة‮ عشر‮ مليون‮ سنتيم‮ لصالح‮ نور‮ الدين‮ الصايل،‮ لمجرد‮ أننا‮ أعدنا‮ نشر‮ تقارير‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ التي‮ أنجزها‮ زملاؤه‮ القضاة‮ حول‮ المركز‮ السينمائي،‮ فإن‮ حكم‮ الإدانة،‮ في‮ الحقيقة،‮ ليس‮ موجها‮ إلينا،‮ بل‮ إلى‮ قضاة‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ المحلفين‮ الذين‮ أنجزوا‮ تقاريرهم‮ حول‮ هذه‮ المؤسسة‮.‬
وعندما‮ يحكم‮ ضدنا‮ قاض‮ آخر‮ في‮ الدار‮ البيضاء،‮ الأسبوع‮ الماضي،‮ بثمانية‮ ملايين‮ سنتيم‮ لمجرد‮ أننا‮ كتبنا‮ أن‮ المخرج‮ نور‮ الدين‮ الخماري‮ صرف‮ ملايين‮ الدعم‮ التي‮ منحها‮ إياه‮ والي‮ آسفي‮ السابق‮ من‮ جيوب‮ دافعي‮ الضرائب‮ على‮ سهرات‮ مهرجانه‮ السنوي‮ ومشروباته‮ الروحية،‮ فإن‮ حكم‮ الإدانة‮ ليس‮ موجها‮ ضدنا‮ وإنما‮ ضد‮ كل‮ من‮ يطالب‮ بمحاسبة‮ المستفيدين‮ من‮ المال‮ العام‮ وأوجه‮ صرفهم‮ لهذا‮ المال‮.
فكأنما‮ هناك‮ جهة‮ في‮ القضاء‮ تريد‮ أن‮ تسفه‮ تقارير‮ قضاة‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ وتبعث‮ رسالة‮ مطمئنة‮ إلى‮ مدراء‮ المؤسسات‮ العمومية‮ والمنتخبة‮ تشجعهم‮ على‮ أن‮ يزيدوا‮ في‮ نهبهم،‮ فالقضاء‮ لا‮ يغمض‮ فقط‮ عينه‮ عنهم‮ بل‮ إنه‮ مجند‮ لسحق‮ كل‮ قلم‮ يطالب‮ بتفعيل‮ قرارات‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ واسترجاع‮ أموال‮ دافعي‮ الضرائب‮ المنهوبة‮.‬
وإننا،‮ والله،‮ لنقف‮ مندهشين‮ ونحن‮ نرى‮ سرعة‮ القضاء‮ في‮ إدانتنا‮ بالغرامات‮ المتتالية،‮ فقط‮ لأننا‮ نعلق‮ على‮ ما‮ نشره‮ قضاة‮ المجلس‮ الأعلى‮ للحسابات‮ من‮ تجاوزات‮ واختلاسات‮. وبالقدر‮ ذاته،‮ نندهش‮ من‮ تكاسل‮ هذا‮ القضاء‮ وتخاذله‮ وجبنه‮ عن‮ تقديم‮ ملفات‮ كل‮ هؤلاء‮ المسؤولين‮ الذين‮ أحصى‮ قضاة‮ المجلس‮ تجاوزاتهم‮ الخطيرة‮ أمام‮ القضاء‮ لكي‮ يقول‮ كلمته‮ فيهم‮.‬
لقد‮ فهم‮ الساهرون‮ على‮ القضاء‮ في‮ هذه‮ البلاد‮ رسالة‮ الشباب‮ الذي‮ خرج‮ يتظاهر‮ في‮ شوارع‮ المملكة‮ مقلوبة،‮ فعوض‮ أن‮ يقدموا‮ المفسدين‮ إلى‮ القضاء،‮ قدموا‮ الذين‮ ينددون‮ بالمفسدين‮. ومادمت‮ في‮ المغرب‮ فلا‮ تستغرب،‮ فالأمور‮ تسير‮ رأسا‮ على‮ عقب‮. عندما‮ تفضح‮ مفسدا‮ يلجأ‮ ضدك‮ إلى‮ القضاء‮ لأنه‮ يعرف‮ أن‮ القضاء‮ الفاسد‮ سينصفه‮.‬
وعندما‮ تشير‮ بأصبعك‮ نحو‮ لص‮ من‮ لصوص‮ المال‮ العام،‮ يرفضون‮ رؤية‮ اللص‮ ويركزون‮ أنظارهم‮ على‮ أصبعك،‮ فيبدؤون‮ في‮ تأليف‮ أسئلة‮ غريبة‮ ومحيرة‮ حول‮ شكله‮ ولماذا‮ ظفره‮ غير‮ مقلم‮ ولماذا‮ هو‮ أطول‮ من‮ اللازم‮ وأشياء‮ أخرى‮ لا‮ علاقة‮ لها‮ بالموضوع‮ الرئيسي‮ الذي‮ أشرت‮ إليه‮.‬
وبمجرد‮ ما‮ تسبق‮ إلى‮ كشف‮ تفاصيل‮ ملف‮ شائك‮ يدين‮ أسماء‮ كبيرة‮ في‮ عالم‮ السياسة‮ أو‮ المال‮ والأعمال،‮ وتنشر‮ الوثائق‮ والأسماء‮ والأرقام،‮ يسارعون‮ إلى‮ طرح‮ أسئلة‮ حول‮ الجهة‮ التي‮ سربت‮ الملف،‮ مع‮ أن‮ السؤال‮ الحقيقي‮ هو‮: هل‮ ما‮ يوجد‮ في‮ الملف‮ من‮ معلومات‮ ووثائق‮ واتهامات‮ صحيح‮ أم‮ غير‮ صحيح؟‮ أما‮ من‮ أين‮ أتى‮ الملف‮ فليس‮ مهما،‮ مادامت‮ المعلومات‮ التي‮ يتضمنها‮ صحيحة‮.
هذه‮ الطريقة‮ تسمى‮ في‮ علم‮ السياسة‮ «‬التعويم‮»‬،‮ أي‮ إبعاد‮ النقاش‮ عن‮ لب‮ المشكلة‮ وصرفه‮ نحو‮ هوامش‮ بعيدة‮ من‮ أجل‮ تبديد‮ انتباه‮ الرأي‮ العام‮.‬
وقد‮ رأينا‮ مثالا‮ واضحا‮ على‮ هذه‮ النظرية‮ عندما‮ نشرنا‮ لائحة‮ مفصلة‮ حول‮ الكوارث‮ والجرائم‮ العمرانية‮ التي‮ ارتكبها‮ حسن‮ أوريد‮ عندما‮ كان‮ واليا‮ على‮ جهة‮ مكناس‮ تافيلالت،‮ وكيف‮ اغتنى‮ في‮ ظرف‮ خمس‮ سنوات‮ هو‮ وأفراد‮ عائلته‮ بفضل‮ استغلاله‮ لنفوذه‮. وعوض‮ أن‮ يجيبنا‮ حسن‮ أوريد‮ ببيان‮ حقيقة‮ مفصل‮ ينفي‮ أو‮ يؤكد‮ فيه‮ حقيقة‮ ممتلكاته،‮ أجابنا‮ بقصيدة‮ سخيفة‮ في‮ الهجاء،‮ أي‮ أنه‮ توسل‮ بالخيال‮ المجنح‮ للإفلات‮ من‮ الواقع‮ الذي‮ لا‮ يرتفع‮.
والواقع‮ أن‮ هناك‮ اليوم‮ ثلاثة‮ أشخاص،‮ واحد‮ منهم‮ يجب‮ أن‮ يقف‮ أمام‮ القضاء،‮ إما‮ أن‮ يرفع‮ حسن‮ أوريد،‮ والولاة‮ الحاليون‮ والسابقون‮ الذين‮ كتبنا‮ عن‮ تجاوزاتهم،‮ دعوى‮ قضائية‮ ضدنا‮ لكي‮ نمثل‮ أمام‮ القضاء‮ ونقدم‮ أمامه‮ أدلتنا‮ على‮ صحة‮ ما‮ كتبناه‮ حولهم‮ وحول‮ ممتلكاتهم‮ وتجاوزاتهم،‮ وإما‮ أن‮ يلتزم‮ حسن‮ أوريد،‮ وأشبابه،‮ الصمت‮ مفضلا‮ قرض‮ الشعر‮ على‮ تدبيج‮ بيانات‮ الحقيقة،‮ وبالتالي‮ تصبح‮ النيابة‮ العامة‮ مجبرة‮ على‮ فتح‮ تحقيق‮ حول‮ صمتهم‮ واستدعائهم‮ لكي‮ تستمع‮ إلى‮ إفادتهم‮.
أما‮ إذا‮ لم‮ نمثل‮ لا‮ نحن‮ ولا‮ هم‮ أمام‮ القضاء،‮ ففي‮ هذه‮ الحالة‮ يجب‮ أن‮ يمثل‮ أمامه‮ العربي‮ مريد،‮ مفتش‮ الإدارة‮ الترابية‮ في‮ وزارة‮ الداخلية،‮ بتهمة‮ التواطؤ‮ والتستر،‮ وذلك‮ لامتناعه‮ عن‮ الذهاب‮ إلى‮ مكناس‮ وفاس‮ لفتح‮ تحقيق‮ في‮ كل‮ الاتهامات‮ والمخالفات‮ التي‮ كتبنا‮ حولها‮ طيلة‮ هذه‮ المدة‮.
فالعربي‮ مريد،‮ وطبقا‮ للقانون‮ المنظم‮ لعمل‮ المفتشية‮ الترابية‮ التي‮ يترأسها،‮ يصبح‮ مجبرا‮ في‮ مثل‮ هذه‮ الحالات‮ على‮ التنقل‮ إلى‮ عين‮ المكان‮ وإعداد‮ تقرير‮ يحيله‮ على‮ أنظار‮ وزير‮ الداخلية‮ لكي‮ يتخذ‮ فيه‮ القرار‮ المناسب،‮ فلهذا‮ الهدف‮ بالضبط‮ خلقت‮ مفتشية‮ الإدارة‮ الترابية‮ في‮ وزارة‮ الداخلية‮.
نحن‮ نعرف‮ أن‮ العربي‮ مريد‮ لن‮ يحرك‮ ساكنا‮ في‮ هذا‮ الملف،‮ مثلما‮ لم‮ يحرك‮ ساكنا‮ في‮ ملفات‮ ولاة‮ آخرين‮ جف‮ ريقنا‮ ونحن‮ نحصي‮ تجاوزاتهم‮ الإدارية‮ وجرائمهم‮ العمرانية،‮ وأشهرهم‮ أوريد‮ والي‮ مكناس‮ السابق،‮ والغرابي‮ والي‮ فاس‮ الحالي‮ الذي‮ لم‮ يستطع‮ نفي‮ اتهام‮ واحد‮ من‮ لائحة‮ المخالفات‮ التي‮ نشرناها‮ في‮ هذا‮ العمود‮ والتي‮ ورطه‮ فيها‮ العمدة‮ شباط‮ والشخصيات‮ العسكرية‮ والقضائية‮ النافذة‮ التي‮ يسدي‮ إليها‮ الخدمات‮.‬
ببساطة،‮ لأن‮ السيد‮ العربي‮ مريد،‮ لم‮ يجلبه‮ ولي‮ نعمته‮ الطيب‮ الشرقاوي‮ من‮ مديرية‮ الشؤون‮ الجنائية‮ والعفو‮ من‮ أجل‮ مراقبة‮ تجاوزات‮ الولاة‮ والعمال‮ ومعاقبتهم‮ على‮ ذلك،‮ فهو‮ لا‮ يملك‮ المؤهلات‮ العلمية‮ والمهنية‮ لتسيير‮ مؤسسة‮ للمراقبة‮ كهذه،‮ وإنما‮ جلبه‮ ورقاه‮ حتى‮ أصبح‮ واليا‮ مفتشا‮ عاما‮ لغاية‮ واحدة‮ هي‮ الإشراف،‮ بالتنسيق‮ مع‮ العمال،‮ على‮ البحث‮ عن‮ الأراضي‮ في‮ الأقاليم‮ التي‮ يتولون‮ تسييرها‮ من‮ أجل‮ ضمها‮ إلى‮ الإمبراطوريات‮ العقارية‮ الواسعة‮ للمقربين‮ وكبار‮ موظفي‮ الدولة‮.‬
ولهذا‮ السبب،‮ فمكتب‮ سعادة‮ المفتش‮ الوالي‮ المكلف‮ بالإدارة‮ الترابية‮ في‮ وزارة‮ الداخلية‮ أصبح‮ مزارا‮ لخبراء‮ التنقيب‮ عن‮ الأراضي‮ والضيعات،‮ مثلما‮ أصبح‮ مزارا‮ يوميا‮ لتوفيق‮ الشرقاوي،‮ المحافظ‮ العام‮ للمملكة‮.‬
إن‮ مهمة‮ العربي‮ مريد،‮ الذي‮ لا‮ يستطيع‮ هو‮ نفسه‮ التعرف‮ على‮ كل‮ الأراضي‮ التي‮ اشتراها‮ وسجلها‮ في‮ اسمه‮ وأسماء‮ أفراد‮ عائلته،‮ ليست‮ هي‮ مراقبة‮ ممتلكات‮ الدولة،‮ وإنما‮ هي‮ التنسيق‮ مع‮ العمال‮ المعنيين‮ من‮ أجل‮ تعيين‮ الأراضي‮ واقتنائها‮ وتصفيتها‮ من‮ الناحية‮ القانونية‮ لحساب‮ من‮ يهمهم‮ الأمر‮ من‮ المحيطين‮ بدوائر‮ القرار‮.
ولهذا‮ السبب،‮ فهو‮ لا‮ يجد‮ الوقت‮ لمراقبة‮ ممتلكات‮ الدولة‮ والسهر‮ على‮ مراقبة‮ عمل‮ الولاة‮ والعمال،‮ فهو،‮ إلى‮ جانب‮ «‬بوفوس‮» المدير‮ العام‮ للشؤون‮ الداخلية‮ في‮ وزارة‮ الداخلية،‮ حولا‮ وزارة‮ الداخلية‮ إلى‮ آلة‮ معطلة‮ صدئت‮ مفاصلها‮ وأصبحت‮ غير‮ قادرة‮ على‮ مواكبة‮ متغيرات‮ العهد‮ الجديد‮ الذي‮ يستعد‮ المغرب‮ لدخوله‮.‬
ففي‮ غياب‮ رجال‮ الدولة‮ الأقوياء‮ داخل‮ وزارة‮ الداخلية،‮ تمكن‮ «‬بوفوس‮» من‮ بسط‮ سيطرته‮ على‮ دواليب‮ الوزارة،‮ بحكم‮ تتلمذه‮ على‮ يد‮ إدريس‮ البصري‮ في‮ فنون‮ التزوير‮ الانتخابي،‮ فغيب‮ كاتب‮ الدولة‮ والكاتب‮ العام‮ والمدير‮ العام‮ للجماعات‮ المحلية‮ وكافة‮ المسؤولين‮.‬
التحكم‮ ظهر‮ في‮ الأيام‮ الأخيرة‮ من‮ خلال‮ الترقيات‮ التي‮ استفادت‮ منها‮ مؤخرا‮ مجموعة‮ من‮ رجال‮ السلطة‮ والأطر‮ الإدارية‮ العاملة‮ في‮ مديرية‮ الشؤون‮ الداخلية‮.‬
فقد‮ حول‮ «‬بوفوس‮» جميع‮ المناصب‮ المتعلقة‮ بهذه‮ الترقيات‮ إلى‮ الأشخاص‮ العاملين‮ تحت‮ وصايته‮ في‮ المديرية‮ العامة‮ للشؤون‮ الداخلية،‮ وخاصة‮ الذين‮ يعبرون‮ عن‮ ولائهم‮ وإخلاصهم‮ بشكل‮ مريب‮ لهذا‮ الشخص‮.
فالنظام‮ الأساسي‮ الجديد‮ لرجال‮ السلطة‮ يعتبر‮ ملكا‮ لجميع‮ الشرائح‮ الوطنية،‮ بحيث‮ أبقى‮ الباب‮ مفتوحا‮ لجميع‮ الأطر،‮ أكانت‮ في‮ الوزارة‮ أم‮ خارجها،‮ للتعيين‮ في‮ هذا‮ الإطار‮. إلا‮ أن‮ السيد‮ المدير‮ العام‮ أبى‮ إلا‮ أن‮ يعين‮ الموظفين‮ الموالين‮ له‮ والمنبطحين‮ له،‮ متجاهلا‮ الأطر‮ التي‮ تستحق‮ هاته‮ الترقيات‮ والمنتمية‮ إلى‮ المديريات‮ العديدة‮ المكونة‮ للوزارة،‮ مما‮ ولد‮ مظاهر‮ اليأس‮ والتساؤل‮ وانسداد‮ الآفاق‮ لمجموعة‮ من‮ الأطر‮ التي‮ كانت‮ تتوق‮ إلى‮ مثل‮ هاته‮ الترقيات‮ وتستحقها‮ عن‮ جدارة‮.‬
والغريب‮ في‮ الأمر‮ أن‮ كل‮ هاته‮ الترقيات‮ مرت‮ في‮ صمت‮ وبطريقة‮ سرية‮ لم‮ يخبر‮ بها‮ حتى‮ المسؤولون‮ الكبار‮ في‮ الوزارة،‮ وكأن‮ الأمر‮ يتعلق‮ بأسرار‮ الدولة‮.‬
هكذا،‮ أصبحت‮ مديريات‮ وزارة‮ الداخلية‮ شبيهة‮ بمماليك‮ ملوك‮ الطوائف،‮ كل‮ مدير‮ يتصرف‮ في‮ مديريته‮ كما‮ لو‮ كانت‮ ضيعة‮ خاصة‮ يصنع‮ فيها‮ ما‮ يشاء‮.‬
إن‮ المغرب‮ الذي‮ يطمح‮ إليه‮ المواطنون‮ اليوم‮ لا‮ يمكن‮ أن‮ يرى‮ النور‮ بوجود‮ رجال‮ ينتمون‮ إلى‮ العهود‮ المظلمة‮ لسنوات‮ الرصاص‮ داخل‮ واحدة‮ من‮ أهم‮ الوزارات،‮ بل‮ برجال‮ أكفاء‮ ونزيهين‮ وشباب‮ ينتمون‮ إلى‮ هذا‮ العصر،‮ لا‮ إلى‮ عصر‮ تازمامارت‮ ودرب‮ مولاي‮ الشريف‮.‬
عندما‮ يقف‮ المسؤولون‮ عن‮ المحاسبة‮ في‮ وزارة‮ الداخلية‮ عاجزين‮ عن‮ القيام‮ بواجبهم‮ الذي‮ من‮ أجله‮ يتقاضون‮ رواتبهم،‮ فإن‮ السؤال‮ الكبير‮ الذي‮ يطرح‮ نفسه‮ هو‮: لمصلحة‮ من‮ يشتغل‮ هؤلاء،‮ ولماذا‮ يتسترون‮ على‮ المفسدين‮ ويحمونهم‮ من‮ المحاسبة‮ التي‮ أعلن‮ عنها‮ الملك‮ في‮ خطابه‮. ما‮ هو‮ مقابل‮ هذا‮ التواطؤ‮ المشبوه،‮ وما‮ هي‮ الرسالة‮ التي‮ يريدون‮ إيصالها‮ إلى‮ المسؤولين‮ الآخرين؟
نخشى‮ أن‮ تكون‮ الرسالة‮ التي‮ يريد‮ هؤلاء‮ المسؤولون‮ تعميمها‮ على‮ من‮ يتولون‮ تسيير‮ أمورنا‮ هي‮ «‬خليهم‮ هوما‮ يكتبو‮ اللي‮ بغاو‮ وخلينا‮ حنا‮ نديرو‮ اللي‮ بغينا‮»‬،‮
أي‮ بالعربية‮ «‬تاعرابت‮»‬،‮ فهم‮ يقولون‮ لكل‮ دعاة‮ الإصلاح‮ والتغيير‮ في‮ هذا‮ البلد‮ «‬لمن‮ تعاود‮ زابورك‮ أداود‮».‬


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.