بخلاف الشعارات، الهجوم في ليبيا لا يرمي فقط إلى الحفاظ على «منطقة محظورة الطيران»، إلا إذا كانت الدبابات الليبية قد طورت لها أجنحة. وأمس (يقصد الأحد) تلقت هذه الصواريخ الأولى من الطائرات الحربية الفرنسية. جوهر عملية الغرب هو قطع التقدم السريع لقوات القذافي نحو بنغازي في طريقها إلى تنفيذ ما وصفه العقيد بكونه تطهير المدينة «زنقة زنقة»، والعالم يسميه جرائم ضد الإنسانية. من قاد نحو هذه العملية، بشكل استثنائي، هو القوى العظمى الأوربية. الرئيس أوباما عارض، حتى قبل أسبوع، كل تدخل عسكري في ليبيا وقد فعل ذلك لأسباب واضحة: أمريكا متورطة الآن في حربين، في أفغانستان وفي العراق، وقواتها العسكرية منتشرة حتى الطرف الأقصى من قدرتها. استراتيجيا، دخول أمريكي في مواجهة داخلية في دولة عربية إسلامية كان سيؤدي إلى أثرين فوريين: ابتعاد الأوربيين الذين كان سيسرهم أن يقوم الأمريكيون بالمهمة نيابة عنهم، وضربة سياسية لإدارة أوباما داخل الولاياتالمتحدة (أكثر من 50 في المائة من الأمريكيين يعارضون بشدة العملية في ليبيا). هذا بالطبع يبقي لنا المسألة المركزية، لماذا؟ لماذا الغرب لا يسمح للقذافي بإعادة السيطرة على شرق ليبيا فيبث بذلك استقرارا متجددا يؤدي إلى الهبوط اللازم جدا في أسعار النفط؟ ما هو الملح الآن لديفيد كاميرون الذي يكافح ضد الركود الاقتصادي البريطاني أو لنيكولاي ساركوزي الذي تركله الاستطلاعات المرة تلو الأخرى، كي يبادرا إلى تنفيذ تدخل عسكري في ليبيا؟ ولماذا وافقت الولاياتالمتحدة على الانضمام، أخيرا؟ الجواب مركب. مبدئيا، الرأي العام الغربي ثار ضد القمع الوحشي الذي أظهره القذافي. فقد جعل حاكم ليبيا نفسه الشرير المطلق لقصة الثورات العربية، خلافا لبن علي ومبارك، استخدم وسائل مرفوضة على نحو خاص للحفاظ على حكمه. إمكانية أن تنفذ قواته مذبحة جماعية في بنغازي أقلقت جدا زعماء أوربا، ليبيا هي ساحتهم الخلفية. كاميرون وساركوزي وزافترو كانوا سيسألون من ناخبيهم ماذا فعلوا لمنع هذه الجرائم، ومن شبه المؤكد أنهم كانوا سيبقون دون جواب. فضلا عن ذلك، كانوا سيسألون ماذا فعلوا كي يمنعوا موجة الهجرة الجماعية إلى أوربا لمئات آلاف الليبيين، اللاجئين من قتل الشعب. بالطبع، توجد أيضا المصالح. القذافي جعل نفسه المنبوذ في نظر العالم. لنفترض أنه انتصر، فهل سيكون في وسع زعماء ديمقراطيين مثل كاميرون أو ساركوزي أن يديروا معه علاقات عادية مرة أخرى؟ هل بريطانيا كانت ستسمح ل»بريتش بتروليوم» بالعودة لتمويل عائلة القذافي بالمليارات؟ والولاياتالمتحدة هل كان في وسعها أن تواصل سياسة التقرب إلى شخص وعد بسفك دماء المواطنين في الشوارع؟ الجواب سلبي على ما يبدو. سواء لأسباب إيديولوجية أو سياسية داخلية، فإن زعماء الغرب أنهوا قصة غرامهم مع القذافي، وعائلته. انتصار محتمل له سيؤدي إلى أن يسيطر على دولة هي المصدرة ال12 في العالم للنفط، شخص وعائلة يكونان الأكثر مقاطعة في العالم الغربي. وبسرعة كان القذافي سيتذكر أصدقاءه القدامى - الجدد: فنزويلا، ربما إيران، وبالطبع الإرهاب العالمي. هذا سيناريو صعب بالنسبة إلى الولاياتالمتحدة وأوربا. وقد توصلوا إلى استنتاج أنه لا يمكنهم أن يسمحوا لأنفسهم، سياسيا وبمفاهيم أخرى، بانتصار مطلق للقذافي. وللدقة: توصلوا إلى استنتاج أنه من الأجدى لهم تجربة وسيلة عسكرية أخيرة قبل أن يتحقق السيناريو الأسوأ. توجد فقط مشكلة واحدة في الوسيلة التي اختيرت، فقد اختيرت أساسا لرفع العتب. التدخل الجوي فقط كفيل بإطالة النزاع، وإيقاع قدر أكبر من المصابين والجر في النهاية نحو تدخل عسكري أعمق. ومثلما قال بنجامين فريدمان من معهد «كاتو»، فإن «المناطق محظورة الطيران تلزمنا بالانتصار في الحروب، ولكنها تمثل رغبتنا المحدودة في الانتصار فيها. وهذا هو السبب في كونها سياسة سيئة». فهي أساسا طريقة يمكن من خلالها للغرب أن يظهر أنه ضالع، دون أن يعرض للخطر بشكل عميق حياة مقاتليه. واضح أن أحدا لا يمكنه أن ينتصر على القذافي بدلا من الثوار، يتعين عليهم أن يقوموا بالمهمة القذرة بأنفسهم. ولكن الغرب مستعد لأن يعطي دفعة صغيرة، من الجو. عن «معاريف»