الزواج المختلط الذي من المفترض فيه أن يكون فرصة لتلاقح وانصهار ثقافتين مختلفتين تكمل إحداهما الأخرى، وتنعكس إيجابيا على أبناء سينهلون من ثقافتين مختلتين، لكن قصص الزيجات المختلطة، التي تنشر في وسائل الإعلام والتي نعايشها في وسطنا العائلي، تحمل في طياتها عكس ذلك... أبناء وجدوا أنفسهم بلا هوية بعدما تاهوا بين تربية غربية منفتحة وأخرى مغربية محافظة، فلا هم يشعرون بمغربية ولا يحسون بأنهم ينتمون إلى تلك الدول الأخرى. المشاهير والفنانون كان لهم أيضا نصيبهم من هذه الزيجات واكتووا بنارها.
على الرغم من الحواجز التي توجد بين تقاليد البلدان المختلفة، فقد اختاروا شريك حياة أجنبي وفضلوه على المغربي، فهل هو الحب من النظرة الأولى أم الأمر مجرد رغبة في معرفة «الآخر» والتعرف على عاداته وتقاليده. والزواج المختلط ظاهرة تنتشر في صفوف العديد من المغربيات، البعض من هؤلاء المغاربة، الذين اختاروا الأجنبي شريكا لحياتهم، هم مغاربة واصلوا تعليمهم العالي في الخارج (في أوروبا والولايات المتحدة وكندا...) لكن بمجرد انتهائهم من سنوات الدراسة، وعودتهم إلى بلدهم يأتون حاملين الدبلومات التي حصلوا عليها في الجيب، ومتأبطين الزوجة الأجنبية في الذراع. «لقد تزوجت رفيقتي في الدراسة»، يقول سعيد الذي استقر بألمانيا منذ أكثر من 11 سنة، و الذي يبدو فرحا بقرار زواجه من أوكرانية، قبل أن يضيف «لم نصادف مشاكل لحد الساعة، فمنذ البداية وضعنا النقط على الحروف». قد يلعب الحب والمصادفة دورهما في دخول هؤلاء الشباب قفص الزواج المختلط، وهو الأمر الذي لا يستطيع أي شخص إنكاره، إلا أن بعض العمال المهاجرين يجدون في هذا الزواج وسيلة سريعة للحصول على الجنسية، أو أوراق الإقامة، التي تكون هاجسهم، خاصة إن كانوا مهاجرين سريين.
قد يعتقد البعض أن الزواج المختلط غالبا ما يقدم بأنه اتحاد بين ثقافتين وأن الأزواج فيه يعيشون خلافاتهم الثقافية كمصدر للإثراء المتبادل والغنى الثقافي، لكن هذه الطريقة ليست صحيحة دائما، لأن أحد الزوجين لا يرفض في الغالب الذوبان في ثقافة الآخر والتضحية بهويته حتى لو كان مقابل الحب. مشاكل التضحية بالهوية وتماهي الثقافتين معا أمر ينعكس أول ما ينعكس على أبناء هذا الزواج المختلط وعلى تربيتهم ونشأتهم. وبالرغم من أن الأطفال المولودين من زواج مختلط يستفيدون من إمكانية النهل من ثقافتين مختلفتين ويتحدثون لغات عديدة، «أطفالي يتحدثون العربية والإسبانية والفرنسية» تقول أمينة متحدثة عن أبنائها، لكن هذا الفخر، الذي تبديه وهي تتحدث عن استفادة أبنائها من الزواج المختلط، يتلاشى بمجرد ما تباشر سرد تفاصيل حياتها الزوجية مع زوجها الإسباني. بهذا التنوع والاختلاف الذي قد يتمظر فيما يتعلق بالحصول على الجنسية، يمكن أن يجعلهم ضحية وضعية قانونية غريبة، خاصة في حالة انحدار أحد الوالدين من بلد لا يسمح بازدواجية الجنسية كأستراليا أو بلجيكا أو حتى السويد.
قد يعيب البعض على الشباب والشابات المقبلين على الزواج من أجانب رغبتهم في المتاجرة بالزواج وبمشاعر الحب قصد العبور إلى الضفة الأخرى و عيش ظروف حياة أفضل، حيث تكثر الظاهرة في فصل الصيف، مع ما يرافقه من حالات زواج المصالح أو «زواج الأوراق». لكن غزلان (25سنة)، المقبلة على الزواج من مواطن فرنسي، وعلى عكس الصور السائدة، تؤكد بأن قرار زواجها من ميشيل كان نتيجة «حب واقتناع معا»، وتقول: «لقد تعرفت على هذا المواطن الفرنسي غير المسلم وتجمعنا المشاعر النبيلة»، نافية أن يكون سبب هذ الزواج هو رغبتها في العبور إلى الضفة الأخرى. وتضيف «إنه يعلم أني مسلمة ويحترم ديني، بل لديه دراية مسبقة، فقد سألني عن معنى الصداق، كما أنه يتوفر على نسخة للقرآن باللغة الفرنسة وعازم على شراء السيرة النبوية» تضيف غزلان.
استمرار الحديث عن وجود قصص الزيجات المختلطة الفاشلة، التي تنشر على صفحات الجرائد الوطنية والأجنبية، كقصة الشابة المغربية رجاء، التي طلقها زوجها السعودي بعد عشرة دامت عشر سنوات ولم تعلم هذه المغربية بخبر طلاقها إلا عند حضور الشرطة السعودية إلى منزلها في جدة قصد ترحيلها. هذه القصص الفاشلة لم تثن بعض المغاربة عن تجريب حظهم أيضا في هذه الزيجات مع ما يمكن أن ينطوي عليه الأمر من خطورة. لكن الأطفال غالبا ما يكونون ضحايا مشاكل هذه الزيجات المختلطة، حيث لا تنتهي هذه الزيجات بحلول توافقية، إذ يحاول كل طرف الحصول على الحضانة مهما كلف الأمر وبأي وسيلة. حرب إعلامية وأخرى قضائية يخوضها الآباء بغية الحفاظ على الهوية التي ينشدونها لأبنائهم. المهندس المغربي أسامة نموذج لهذه المشاكل، حيث وجد نفسه خلف قضبان السجن بعد شكاية قدمتها طليقته بتهمة اختطاف ابنهما. مثل هذه الزيجات لا تزال في ارتفاع متواصل، فخلال عشر سنوات ارتفع الرقم إلى حوالي 100 في المائة، فحسب الإحصائيات الصادرة عن وزارة العدل، فإن المغاربة الذين تزوجوا من أجانب، فاق عددهم 6350 زيجة، سجلت خلال سنة 2009، مقابل أكثر من 5900 زيجة خلال سنة 2008، في حين أن هذا العدد لم يتجاوز 996 زيجة في سنة 1997.
قصص طلاق ونزاعات مثل هذه الزيجات، التي تكون عادة حول الأبناء وحضانتهم، إضافة إلى موضوع الدين والتدين، تطرح إشكالية التنازع القانوني، فأحكام كل بلد على حدة تؤدي إلى ظاهرة اختطاف الأطفال ما بين موطني دول الشمال والجنوب، وتنازع القانون المغربي والأوربي، مما جعل العديد من الدول الأوروبية تفكر في عقد اتفاقيات مع المغرب من أجل تقنين طرق حضانة الأطفال بعد انفصال الزوجين. لكن مثل هذه المشاكل قد تطرح حتى في حال ما كان أحد الزوجين مغربي والآخر مجنس، خاصة أن القضاء المغربي ما يزال يتعامل مع مثل هذه القضايا بنوع من الاحتشام وعدم الجرأة. «فتارة يقوم بتطبيق مدونة الأسرة ومرة أخرى يعتمد الاتفاقية المختصة. كما تطرح هذه المشاكل تعارض الاتفاقيات التي وقعها المغرب مع مدونة الأسرة»، يشرح المحامي حاتم بكار.
مشاهير الفن والرياضة كان لهم نصيبهم من هذه المشاكل، فخالد السكاح انتقل من مضمار السباق إلى الصحافة الوطنية والدولية لتلسيط الضوء على قضية اختطاف طليقته النرويجية لأبنائه. ليلى غفران، إحدى فنانات الزواج المختلط، بل الأشهر بينهم، ففشلها في كل زيجة لم يثنها عن المحاولة مرة أخرى، بل إنها تتحدث عن قصتها تحت عنوان «رحلة زواجي كانت مثيرة ومليئة بالمفاجآت الأكثر إثارة» من الزواج بمطرب عراقي إلى الارتباط بإبراهيم العقاد. وإلى جانب ليلى غفران توجد بالمجال الفني زيجات مختلطة، كان فنانون مغاربة طرفا فيها من أمثال ميساء مغربي أو حتى جنات مهيد أو حتى جيهان الخماس، أو حتى نوال الكثيري التي تزوجت لبنانيا عن طريق برنامج تلفزيون الواقع «بيرفيكت برايد» أو «العروس المثالية».