«إسحقوا العار».. إنه الشعار الذي أطلقه فولتير في ظلمات الصراع المذهبي بين الكاثوليك والبروتستانت، ويصلح قانونا لما يجري في العراق، مذكرا بما كان يجري في العصور المظلمة في أوربا، من محاكم تفتيش أرسلت إلى المحارق مليون امرأة بتهمة السحر، حسب إفادة فيلسوف التنوير الفرنسي (فولتير)، حيث يمكن أن نقول بثقة إننا نعيش العام 1431م، وليس عام 2010م. وفي تلك الأيام، كان يكتب فيه شاب صغير هو أتيين دي لابواسييه كتابه «العبودية المختارة»، حيث إن الفيلسوف الشكاك مونتانييه نشره على حذر وخجل وباختصار، ولم ير النور في المطابع الفرنسية إلا بعد 137 سنة، أما في العالم العربي فوصل إلى بعض القراء بعد 427 عاما، ونشرنا مقالته مع عدد من أبحاثي حول سيكولوجية الطغيان، مع تعليق لجودت سعيد، وشيء من شعر النثر للراحل هشام علي حافظ في كتاب أخذ اسم «فقد المناعة ضد الاستبداد». وقصة الشيعة والسنة في العراق أو العلويين والسنة في سوريا، الذين يسميهم البعض، بحرص وإصرار، ب«النصيرين»، هي الصورة القديمة لصراع البروتستانت والكاثوليك في العصور الوسطى، مما يجعلنا نفهم أننا نراوح العصور الوسطى، ظلمات بعضها فوق بعض، حيث توج التعصب في فرنسا مذبحة القديس بارتولوميوس، إذ أغلقت باريس ووضعت علامات على بيوت البروتستانت المنكوبين. وعند الساعة الثالثة من فجر يوم 24 غشت من عام 1572م، دقت أجراس الكنائس إيذانا بالذبح باسم الروح القدس والابن والأب. وينقل المؤرخ ديورانت في كتابه «قصة الحضارة» فصلا دمويا بشعا عن تلك الليلة. وأنا شخصيا قرأت في طفولتي موسوعة «باردليان» للروائي النمساوي زفايج عن تلك المذبحة، فلم أستوعب تماما روح الخلافات حتى رأيتها بين الشيعة والسنة في العراق، وسوريا مهددة بنفس المصير بين العلويين والسنة، على الرغم من محاولة إنكار كل واحد لوجود مرض بهذه البشاعة، مثل السيدة المصابة بسرطان ثدي وتزعم أنه انتفاخ الحليب، وليس من رضاعة ولا حمل بل سرطان مريب قاتل. ومما جاء في كتاب «قصة الفلسفة» عن فولتير، الذي كان فارا من ثلاث دول هي: ألمانيا القديمة واسمها بروسيا تحت حكم فردريك، وفرنسا تحت سطوة آل البوربون، وسويسرا، هاجعا في مدينة فيرني على الحدود الفرنسية، أنه إن طلب رأسه من أي فريق هرب إلى الآخر، ولم يكن هناك تعاون أمني كما هو الحال في أيامنا هذه، حينما سلمت أمريكا (عرار) الكندي إلى الرفاق في سوريا عن طريق البوابة الخلفية الأردنية، فأشبعوه ضربا، قبل أن يدفنه السوريون في مدافن تحت الأرض أتقنوا صنعها وتحسينها باستمرار. وفي عام 1761م، جاءت عائلة فرنسية فارة من مدينة تولوز إلى فولتير بسبب عجيب، فالكاثوليك في تولوز، الذين كانوا يتمتعون بسلطة خرافية، قد أغلقوا الطريق في وجه أي منصب أو عمل في وجه البروتستانت، فلم يكن مسموحا لأي بروتستانتي بأن يصبح محاميا أو طبيبا، صيدليا أو موظفا، بقالا أو بائع كتب! وعندما استعانت سيدة كاثوليكية بقابلة بروتسانتية في الولادة، فرضت عليها المحكمة غرامة تنوء بثقلها الجبال. وحدث أن كانت هناك عائلة بروتستانتية تعيش في المدينة من رجل اسمه جون كالاس، وعنده بنت وشاب، فأما الفتاة فقد قامت، تحت الخوف والضغط، باعتناق الكثلكة والتبرؤ من كالفن ومارتن لوثر وزونجلي. وأما الشاب فكان أمام إقفال فرص العمل في وجهه عطالا بطالا، فلما ضاقت السبل في وجهه ركبه الكمد والحزن وقام بشنق نفسه في ظرف نفسي غامض. وجرت قوانين الكنيسة أن يرتب للمنتحر موكب ذليل، يقوم على تعرية جسم المنتحر منكس الرأس إلى الأسفل، على حاجز من العيدان المشبكة الناتئة، ثم يطاف بالجثة نكالا، وفي النهاية تجر الجثة العارية وتعلق على حبل المشنقة. وأمام هذه المصيبة، حاول الوالد المنكوب القول إنه مات موتة طبيعية، تجنبا للفضيحة والعار، وشم جواسيس الكنيسة المنتشرون في كل مكان الخبر، مثل وباء الأنظمة الثورية وجهازها الاستخباراتي، فجروا الأب للتحقيق، وقالوا له إنك أنت أيها الشقي من تقف خلف انتحار ابنك. وتحت التعذيب، اعترف الأب المسكين، كما يفعل المواطن العربي في أقبية المخابرات الثورية هذه الأيام، فاعترف بأنه شقي، وأنه هو من دفع ابنه إلى الانتحار، وأنه كان يريد سد الطريق أمام ابنته التي أنار الله قلبها بنور الكثلكة، بعد أن تخلصت من دين الفسق والتحريف البروتستانتي. وتحت التعذيب، مات الأب المسكين فلحق بابنه إلى دار السلام والعدالة عند مليك مقتدر. وخافت بقية أفراد العائلة فهربوا إلى عند فولتير في مدينته القريبة فرني، فأخبروه بالخبر، فجن جنونه وأطلق صرخته إسحقوا العار. وضبط شاب اسمه لابار، اتهم بأنه شوه الصليب فعذب حتى الموت، فاعترف، فقطع رأسه وجعل جسمه طعما للنيران، أمام تكبير وتهليل الجماهير، إن هذا عين التقوى ونبع الخلاص من الفاسدين. والملفت للنظر أن هذا الشاب أحرق جسده مع كتاب فولتير «الموسوعة الفلسفية»، وهو كتاب حديث فيه من السخرية بالكنيسة وإنارة العقل الشيء الكثير. والأوربيون لا يقرؤون مثل هذه الكتب لأنه لم يعد لها دور، أما نحن فعلينا أن نقرأ التجربة كاملة حتى الثمالة، لأننا في العالم العربي نعيش زمن الخوف والتيه والتعصب المذهبي، وما يسمى الصحوة الإسلامية، لا تزيد على موجة من السكر الأصولي تغتال العقل وكل ما قرب إليه من قول وعمل. وترى الناس سكارى وما هم بسكارى ولكن عذاب الله شديد. وعذاب الله هو جاهز لكل من خالف سننه، من أدخل يده في النار أو خالف قوانينه الاجتماعية بالتعصب، فيرسل عليهم عذابا من فوقهم أو من تحت أرجلهم أو يجعلهم شيعا ويذيق بعضهم بأس بعض. أنظر كيف نصرف الآيات لعلهم يفقهون..