كل ما نكتبه ليست له أي قيمة، ولم تتعلم الشعوب قط من كتابات المفكرين، خاصة إذا اتسم ما يكتبونه بالفكر الانقلابي، ففي هذه الحالة تضعهم الأمة، على الأغلب، في خانة المجانين، ولكن التاريخ يعلمنا أن الأمم تتعلم بالمعاناة وببطء شديد، أو بتعبير القرآن (حتى يذوقوا العذاب الأليم). وقصة المخاض المرعب التي رسمها حريق برونو في مطلع القرن السابع عشر تحكي لنا كيف ولدت أوربا الجديدة وكيف شعت عصور التنوير العقلي، فلم يكن بمقدور أوربا أن تودع الفكر الظلامي بدون مخاض شاق وطويل.. وإن في قصصهم لعبرة لأولي الألباب ما كان حديثاً يفترى. لا يمكن حل الاستعصاء الثقافي في قطر عربي بالنصح بالهجرة الجماعية إلى بلد آخر سيطر على مشاكله، فهي غير ممكنة على فرض البدء في الإقلاع بها. قد ينجح بعض الأفراد بنعمة الخلاص الفردي هم وعائلاتهم، أو قد تلجأ شريحة أخرى إلى نوع آخر من الهجرة الداخلية بالانسحاب الاجتماعي، للخلاص من جهنم العلاقات الاجتماعية التي لا تطاق، بين إرهاب الحاكم وفساد البيروقراطية وتفسخ البنية التحتية واختناق الخدمات العامة، فلا تحل مشكلة إلا بتدخل ثلاثي من الرشوة والوساطة والدعم من أجهزة الأمن. ولكن المحصلة النهائية أن أوضاع العالم العربي تحكي المزيد من التفسخ والانهيار. وهو، على ما يبدو، مخطط نصف القرن الفائت الذي يمضي في رحلته الموجعة نحو القاع بدون توقف. وهذا يروي مأساةً أعظم هولاً، فمنذ منتصف القرن الثالث عشر للميلاد سقط جناحا العالم الإسلامي (إشبيلية) عام 1248م تحت منجل حروب الاسترداد الإسبانية. وبعدها بأقل من عشر سنوات في عام 1256م، تم دفن بغداد بالعاصفة المغولية. ويبدو أن الانكماش الكوني، الذي تنبأ به «ابن خلدون» التونسي عام 1404م منذ مطلع القرن الخامس عشر للميلاد، ماضٍ في طريقه على شكل كسوف يتكامل للثقافة العربية، اكتمل محقه مع تقبل الجسم العربي للسرطان الصهيوني، بحيث إننا نقر بدون تردد بأننا نعيش أسوأ عصور الظلمات التي مرت فيها الأمة، وليس هناك من أمل في نهاية النفق المسدود، كما أن زلزال الخليج الأخير لم يكن على درجة من ريشتر كافية لهدم البنى القديمة وإعادة هيكلة العالم العربي بحيث يدخل العصر. من هنا كانت قصة برونو مفيدة، ففي ضوء هذه النار الملتهبة قد نقرأ جيدا عظة التاريخ لأننا نعيش، بيولوجيا، في القرن الواحد والعشرين ولكننا، عقليا، منحبسون في زنزانة القرن الخامس عشر للميلاد مرسومة بأرقام هجرية. إن الكاتب يستطيع أن ينتزع نفسه من قاع الإحباط ويصف أبعاد المأساة عظة للتاريخ كما فعل «ابن الخطيب» في شعره عندما أرخ سقوط الأندلس (كنا عظاما فصرنا عظاما)، أن يقرع أجراس الإنذار، أو على طريقة القرآن في قصة القرية التي كانت حاضرة البحر، أن يقوم فريق فيقول ما فائدة ما تكتبونه وتعظون قوما الله مهلكهم أن يكون جوابهم معذرة إلى ربكم ولعلهم يتقون. يشكل «برونو» جسرا بين بواكير النهضة العقلية في أوربا التي أطلقها أناس متمردون من نموذج «روجر بيكون» (1210-1293) وتكللت في النهاية بالانفتاح العلمي وبناء المنهج العقلي النقدي كما جاء في قانون تأسيس (الجمعية الملكية العلمية) في بريطانيا. أما بيكون فقد كانت حياته، كما وصفها المؤرخ البريطاني «ويلز H.G. WELLS» في كتابه (معالم تاريخ الإنسانية)، (مأساة ذهنية)، ولكن ألمع ما عرف به الرجل عندما شهَّر بأسباب أربعة للجهل دفع ثمنها سجنا طويلا: (احترام السلطة، والعرف والعادة، وروح الجمهور الجاهل، وما عليه ميولنا من عدم قابلية للتعلم تتسم بالغرور والكبرياء، فلو تغلب الناس على هذه وحدها لانفتح أمامهم عالم من القوة). ولم يضع رماد برونو سدى، فقد ساهم في دفع الروح الأوربية الجدية، ونطالع عن تأسيس الجمعية الملكية العلمية بلندن الذي صدر بموجب مرسوم ملكي من شارل الثاني عام 1662م، وتبني المنهج العلمي الذي ينص على سبع فقرات: 1 ألا يفترض أي فرض لا ضرورة له. 2 ألا يقبل أي خبر أو بيان من غير تحقيقه. 3 أن تختبر كل الأشياء بأشد قدرة مستطاعة. 4 ألا يحتفظ بأية أسرار. 5 ألا يحاول أحد أي احتكار. 6 وأن يقدم الإنسان خير ما لديه في تواضع ووضوح. 7 وألا يخدم أية غاية أخرى غير المعرفة. يناقش أستاذ الفلسفة «كيرشهوف» سبب إصرار الكنيسة على إحراقه ليصل إلى بلورة عدة نقاط جديرة بالذكر في ذكرى حرقه بعد أربعة قرون، وأهمها أن الكنيسة أعادت الاعتبار إلى غاليلو عام 1992 في الحين الذي لم يتزحزح فيه موقفها من برونو لاعتبار جوهري هو أنه تناول قضية عقائدية تمس صلب المسيحية، والتهاون فيها يعني تبخر كل العقيدة التي عملت الكنيسة على ترسيخها عبر القرون من (ألوهية المسيح)، وأنه أرسل إلى الأرض للفداء على شكل (ناسوت)، مع عدم وجود نص واحد يتيم في كل الأناجيل الأربعة يفيد بفكرة الأقانيم الثلاثة فضلا عن ألوهية المسيح بذلك. كل ما ذكره الإنجيل، كما يقول المؤرخ البريطاني «ويلز»، كان تعليمات بسيطة يشار فيها بكلمة (معلم)، في الوقت الذي تتحول فيه الكنيسة إلى كهنوت ثقيل بألبسة خاصة وتدشين طبقة رجال دين لم يأت بها دين، ورهبانية ابتدعوها ما كتبها الله عليهم، وعزوبية ضد الطبيعة تؤدي إلى تعفن خلقي وشذوذ في النظرة إلى المرأة قوامه أنها مصدر الفتنة والشيطان، ويجلس البابا في سدته من تعيينه حتى الممات في شيخوخة مستفحلة، مما حدا بالمؤرخ «ويلز» إلى اقتراح استقالة الكرادلة مع الخمسين وألا ينتخب بابا فوق عمر ال55 سنة! ويستعرض المؤرخ الأمريكي «ديورانت» هذه المشكلة على النحو التالي: إن برونو رأى أن العالم لانهائي وأن النجوم شموس تتحرك وأن الفضاء والزمن والحركة كلها أمور نسبية، وربما كانت هناك كواكب كثيرة تسكنها كائنات ذكية، فهل مات المسيح من أجلها كذلك؟ لا يمكن فهم جريمة إحراق «برونو» بدون فهم الجو الذي عاش فيه، من بطش الكنيسة ومحاكم التفتيش والقبض على الملايين على الشبهة ووضعهم تحت أدوات تعذيب جهنمية للاعتراف في وسائل معترف بها مبررة قانونيا. وهو ما نعيشه نحن اليوم في العالم العربي من تعريض الإنسان للتعذيب، مما يجعلنا نوقن بأننا نعيش عصر محاكم التفتيش بأسماء جديدة. كان قطع الألسنة واردا، وعندما تقدم أحد المحكوم عليهم بالحرق يطلب الرحمة به بقتله قبل الحرق من الملك الإسباني «فيليب»، الذي كان يشهد حفلة حرق العشرات من الهراطقة في بلدة «الوليد»، رفض طلبه وهلل له الجمهور أنه حاكم تقي لا تأخذه في الله لومة لائم! إن عصر «برونو» كان كارثة بكل معنى الكلمة، فالطاعون كان يعصف ويفرغ مدنا بأكملها من سكانها، والحروب الأهلية الدينية كانت على أشدها، فبين عامي (15621598) عصفت بفرنسا ثمانية حروب دينية بين البروتستانت والكاثوليك، وفي عام 1572م احتفل الكاثوليك الفرنسيون بعيد القديس «برتولوميوس» بتقديم ثلاثين ألفا من القرابين البشرية من خصومهم الهيجونوت (البروتستانت)، ذبح منهم فقط في باريس ثلاثة آلاف، بينهم أطفال رضع ونساء، وألقي بجثثهم في نهر السين. إن تاريخ المذابح الدينية فظيع، ولقد تعامل أتباع الأديان وفرق الكنائس في التاريخ بما هو أشد من الهمج والمتوحشين وكأنهم أتباع الشياطين وليس الأنبياء. عندما يقارن «ويل ديورانت»، المؤرخ، بطش روما بالمسيحيين وبطش الكنيسة بالمرتدين، يعتبر أن روما كانت أرحم مع أن التاريخ شهد لها بأنها كانت فاتحا لا يرحم. (وإذا وازنا بين اضطهاد المسيحيين للضالين في أوربا من عام 1227 إلى 1492م وبين اضطهاد الرومان للمسيحيين في الثلاثة قرون الأولى بعد المسيح، حكمنا من فورنا بأن هذا أخف وطأة وأكثر رحمة من ذلك.. وحكمنا عليها بأنها أشنع الوصمات في سجل البشرية كله، وبأنها تكشف عن وحشية لا نعرف لها نظيراً عند أي وحش من الوحوش). تاريخ الكنيسة ومحاكم التفتيش.. إن ما حدث في تاريخ الكنيسة لا يمكن السكوت عنه بحال. إنه عار كبير هذا الذي حدث. كيف يمكن أن تتم انتهاكات صارخة لحقوق الإنسان، على هذه الصورة من الوحشية باسم الدين وحفظ العقيدة؟ كيف يمكن للإنسان أن يسكت عن هذه الألوان من ممارسة العنف في صورة حروب دينية تشن ومحاكم تفتيش تصب العذاب على البشر باسم الإيمان؟ إن ما فعلته محاكم تفتيش العصور الوسطى كان التمهيد الفعلي لقيام أنظمة (توتاليتارية) في القرن العشرين وأنظمتها القمعية من نموذج (الجستابو) النازي وجهاز الاستخبارات ال(K.G.B) الشيوعي و(STASI) استخبارات ألمانياالشرقية السابقة قبل انهيار النظام الشيوعي. هذا الإعلان المثير لم ينطق به خصم للكنيسة. لم يصرح به شيخ الأزهر. لم يقل به ملحد غربي أو شرقي معادٍ للمسيحية والكثلكة. هذا التصريح العجيب قال به رأس الكنيسة الكاثوليكية، البابا البولوني «كارول فويتايلا» يوحنا بولس الثاني، هكذا صرح واعترف البابا الجديد في عام 1994م: على الكنيسة وبمبادرة ذاتية، استعدادا لدخول القرن الجديد، أن تعيد فحص الزوايا المظلمة من تاريخها، وتقيمها على ضوء البشارة النبوية وأعمال الأنبياء (EVANGELIUM). محاكم التفتيش (INQUISITION) أسسها البابا «أنوسنس الرابع» عام 1252م وبقيت تعمل لمدة خمسة قرون، أرسلت خلالها إلى المحرقة مليون امرأة، منها والدة الفلكي المشهور «كبلر» الذي أنقذها بأعجوبة، ويقدر الفيلسوف الفرنسي «فولتير» أرقام من ماتوا تحت الآلة الجهنمية لتعذيب محاكم التفتيش بعشرة ملايين. كم بلغت كثرة الضحايا؟ ذكر أمين محكمة التفتيش بين عامي 1889 و1801 «خوان ليورنت» أن عدد الضحايا الذين أحرقوا بين عامي (14801488) قدر ب31912 إنسانا وأن من وضعت عليهم عقوبات صارمة بلغوا 291494 شخصا. ولم يقف الأمر عند الإعدامات والعقوبات بل خلقت محاكم التفتيش جوا من الرعب لا يطاق. يقول ديورانت: (ولا تصور الإحصائيات، أيا كانت، الفزع الذي عاش فيه العقل الإسباني في تلك الأيام والليالي. فقد كان على الرجال والنساء، حتى في ستر منازلهم، أن يرقبوا كل كلمة يتلفظون بها حتى لا يؤدي بهم نقد عارض إلى سجن محكمة التفتيش. لقد كان ضغطا عقليا لا نظير له في التاريخ). لقد نجحت محاكم التفتيش في تطهير المجتمع من الرأي المخالف وبناء رأي أحادي تماما، كما في بناء الطرق السريعة باتجاه واحد لا رجعة فيه. ولكن، هل تبني الشركات السيارات بدون قدرة رجوع إلى الخلف بحيث تنحشر في الكاراج، فإذا دخلت لم تخرج. كذلك كان مصير إسبانيا، فقد دلفت إلى البوابة الخلفية لأوربا وهبطت إلى الحضيض. يعقب ديورانت على ما حدث من جرائم محاكم التفتيش قائلا: (ولكنها تبدو لنا الآن أكبر جريمة لا تغتفر من الجرائم التاريخية، ذلك لأن عقيدة سائدة لا تُنازع عدوٌّ مهلك للعقل الإنساني). إن برونو كان شهيد (حرية الفكر) أكثر من بنائه فلسفة منهجية متماسكة. وإذا كان المقصود بالفلسفة الرؤية الهادئة المنظمة إلى الأشياء (وفقا لعلاقاتها وأهميتها النسبية والقدرة على الإحاطة بكل الجوانب والتسامح مع كل وجهات النظر المختلفة، فإن برونو على هذا الأساس لم يكن فيلسوفا) . وجه برونو نقدا لاذعا إلى الكنيسة والفكر السائد، ولم يتورع عن استخدام ألفاظٍ استفزازية للغاية عن نظام التلقين السائد في زمنه من حجم (حاولوا أن تكونوا حميرا أيها الرجال.. حتى تسيروا إلى المكانة التي لا يمكن بلوغها بالمعرفة والجهد، بل بالتقليد والتلقين)، ولكنه لم يدرك أنه سابق لعصره بقرون، أو أنه، بكلمة أدق، يشق الطريق إلى ولادة أوربا جديدة عندها قدرة أن تنتقد حكوماتها كما فعلت أمريكا مع رئيسها (كلينتون) عندما شاهد الملايين في أمريكا والعالم كيف شد القضاء أعظم شخصية سياسية للمساءلة والمحاسبة، وأنه لا توجد شخصية، مهما كانت قوية، خارج النقد ودون الخطأ، فلم يعد الحكام آلهة لا يسأل أحدهم عما يفعل وهم يسألون كل من تحتهم من العبيد، وقفز بذلك الغرب إلى نصف التوحيد عندما حطم أوثان السياسة. وفعلت مجلة «الشبيجل» مع العددِ نفسِه الشيءَ نفسَه الذي ظهرت فيه قصة برونو وهي تصف الحكومة الألمانية بأنها أصبحت (في بلاد الكذب) بدون أن يخاف المحرر على أصابعه من أن تهشم قبل تحطيم جمجمته، وعلى صفحة الغلاف الرئيسية رسوم كاريكاتورية لستة من أعظم أدمغة ألمانيا السياسية ومعهم المستشار الألماني «كول» الذي أنجز أعظم الأعمال عملقة في تاريخ ألمانيا الحديثة من توحيد أوربا والألمانيتين. إذا كانت الكنيسة قد سارعت إلى تبني نظرية الانفجار العظيم ك«موديل» لإمكانية خلق الكون، وهو استعجال متهور، فقد فعلت سابقا ما يشبهه في تبنيها نظرية بطليموس حول مركزية الأرض حتى بطلت، وهي تعيد اليوم حماقة الأمس. ولكن أفكار برونو تتجاوز هذه وتفرض تحديا مزدوجا للاهوت وعلم الكوسمولوجيا. وبعد مرور أربعة قرون على أفكاره، مازالت تحلق فوق كل ما حققه العلم. إن برونو لم يكن عالما مخبريا تجريبيا، وكان بالأحرى فيلسوفا عميقا نظريا يشطح بأفكاره إلى مدى لم يصله العلم بعد، في رؤية شمولية للكون أنه لانهائي ويعج بالحياة وينسجم في وحدة خلف كل التناقضات والتنوع، مما يجعل اليوم كلا من الكنيسة وعلماء الكوسمولوجيا يتحدون ضده في (حلف غير مقدس) على حد تعبير «كيرشهوف» كما جاء في عنوان مقالة «الشبيجل»، بعد أن تبين أن السماء لا تبث خبرها تبثيثا حول كائنات ذكية تحدث أخبارها، وأن الكون أقرب إلى أن يكون مقبرة ميتة لا يسمع منها ركزا. ولكن هل عرف العلماء كل شيء؟ بعد 19 عاما من حرق برونو عام 1619م، تجرأ مفكران آخران على التعبير عن آرائهما، هما «فانيني» و«كمبانيلا»، فأما الثاني فقد ألقي في السجن 27 سنة وعذب اثنتي عشرة مرة (استمر التعذيب في إحداها أربعين ساعة متواصلة). وأما الأول فقد (سلم إلى الجلاد وهو في قميصه وحبل المشنقة حول عنقه، حاملا فوق كتفيه إعلانا يقول (ملحد دنس كلمة الله) واقتيد إلى كنيسة القديس ستيفن ليجثو على ركبتيه طلبا للغفران من الله والملك والعدالة عن تجديفه وإلحاده. يقول المؤرخ ديورانت أنه: قبض عليه في 2 غشت 1618م بأمر من الملك وليس من الكنيسة بعد وشاية عليه تقول إنه يسخر من (التجسيد) ويعارض فكرة (وجود إله بشري)، فسيق إلى ميدان سالين في تولوز في فرنسا وشد إلى خازوق مقام هناك، ثم قطع لسانه وشنق ثم حرق جسمه وترك الرماد تذروه الرياح. هذا هو ثمن الحرية على ما يبدو. بعد ذلك، خنس العلماء وكتموا آراءهم إلى حين، فكان يردد «ديكارت»: عاش سعيدا من بقي في الظل، وكتب «سبينوزا» كتبه الأربعة على نحو مبهم، بحيث نجد صعوبة في قراءتها حتى اليوم بعد أن هرب إلى هولندا، وخر «جاليلو» على ركبتيه جاثيا خاشعا معترفا بأنه أحمق مأفون وأن ما قاله إفك افتراه ومنكر من القول وزور وأنه يسحب ما قاله جملة وتفصيلا، حتى كان يوم الزلزلة في الثورة الفرنسية والثوار يرددون شعار «فولتير»: أشنقوا آخر إقطاعي بأمعاء آخر قسيس.