«إنني أصفح الصفح الجميل عن كل من أساء إلي من قريب أو بعيد وأطوي هذه الصفحة كما طواها جميع المغاربة في إطار هيئة الإنصاف والمصالحة»، بهذه الكلمات فضل أحمد شهيد، أقدم معتقل سياسي بإفريقيا والوطن العربي، أن يرد بالتحية على العشرات من ممثلي الهيئات الحقوقية والسياسية وأصدقائه القدامى في المعتقل، ممن احتفوا بالإفراج عنه صبيحة أمس الخميس أمام مدخل المركب السجني بعكاشة بالدارالبيضاء، بعد قضائه مدة ربع قرن خلف القضبان. شهيد، الذي اعتقل يوم 14 غشت من سنة 1983 ضمن مجموعة 71 الإسلامية التي ضمت أربع جماعات إسلامية منشقة عن الشبيبة الإسلامية، لم ينس بالمناسبة أن يذكر بالمعتقلات التي مر بها. فبعد أن قضى ستة أشهر بالمعتقل السري درب مولاي الشريف، رحل إلى سجن غبيلة ولعلو بالرباط، ثم السجن المركزي بالقنيطرة، الذي أقدم داخله، رفقة زميله أحمد الشايب -الذي سيفرج عنه الخميس المقبل من السجن المحلي عين قادوس بفاس- على محاولة فرار نجم عنها مقتل حارس سجن، مما تسبب لهما في استثنائهما من العفو الشامل الذي أقره الراحل السحن الثاني سنة 1994. وبعد ذلك، تم ترحيله إلى سجن الزاكي بسلا، قبل أن ينقل إلى سجن عكاشة بالدارالبيضاء لقضاء باقي مدة العقوبة. وفي تصريح خاص ب«بالمساء»، عبر شهيد عن قلقه من استمرار ظاهرة الاعتقال السياسي، داعيا في السياق ذاته إلى القطع مع هذه الظاهرة والانتقال إلى مغرب الحريات والديمقراطية والكرامة، مضيفا أنه غير نادم على ما مر به، وأنه فخور بماضيه الذي هو جزء منه. ورغم تعمد إدارة سجن عكاشة إخلاء سبيل شهيد في وقت مبكر من صبيحة أمس الخميس حوالي الساعة الخامسة صباحا، بهدف ثني الفعاليات السياسية والحقوقية، التي آزرته طيلة مدة اعتقاله، عن تنظيم حفل استقبال على شرفه أمام بوابة المركب السجني، فإن هذا الإجراء لم يزد تلك الفعاليات إلا إصرارا على تنظيم حفل يليق بالمحتفى به، وكان من أبرز الحاضرين فيه رئيسة الجمعية المغربية لحقوق الإنسان خديجة الرياضي، وممثلون عن هيئات حقوقية أخرى، إلى جانب ممثلين عن النهج الديمقراطي وحزب النهضة والفضيلة ذو التوجه الإسلامي وحزب الاشتراكي الموحد، بالإضافة إلى مجموعة من أصدقائه القدامى ضمن مجموعة 71 الإسلامية. واعتبر عبد الإله المنصوري، منسق لجنة العمل للإفراج عن شهيد والشايب وباقي المعتقلين السياسيين، لحظة الإفراج عن أقدم معتقل سياسي على مستوى إفريقيا والعالم العربي لحظة متميزة. وأشار المنصوري، في تصريح ل«المساء»، إلى انه كان من المفروض أن يفرج عنه قبل 14 سنة خلت، أي سنة 1994، حينما أعلن عما سمي بالعفو الشامل، لكن للأسف -يضيف المتحدث- لم تكن هناك إرادة سياسية بالمغرب لطي صفحة الماضي واستدراك الأخطاء. كما عبر في السياق ذاته عن أمنيته في أن يتم استدراك هذه الأخطاء عبر الإفراج عمن تبقى من المعتقلين السياسيين من ضحايا سنوات الرصاص. يذكر أن شهيد كان عضوا في فصيل الجهاد الذي تأسس سنة 1983، والذي كانت له علاقة بالعناصر الإسلامية التي كانت موزعة على كل من ليبيا والجزائر وإيران. وتكفلت مجموعة شهيد والشايب بتوزيع المناشير والملصقات بعدد من أحياء الدارالبيضاء، وتم اعتقاله في نفس السنة التي أسس فيها هذا التنظيم السري، إلى جانب تنظيم عبد العزيز النعماني، حركة المجاهدين المغاربة وحركة الثورة الإسلامية التي كان يتزعمها الشرقاوي، وهي كلها تنظيمات كان ينتمي إليها عبد القادر بليرج الذي ستجري محاكمته في أكتوبر القادم.