في تطور آخر على ساحة الاحتجاجات الشعبية التي أخذت تندلع في كل من اليمن والبحرين وإيران، فرقت الشرطة الليبية ليل الثلاثاء-الأربعاء اعتصاما ضد السلطة في مدينة بنغازي، فيما تظاهر مئات من أنصار الزعيم الليبي معمر القذافي بُعيد ذلك في عدة مدن في البلاد، كما أفادت بذلك مصادر متطابقة. وأفادت صحيفة “قورينا” الليبية، يوم أمس الأربعاء، بأن 14 شخصا أصيبوا بجروح خلال اشتباكات مساء أول أمس الثلاثاء بين متظاهرين وقوى الأمن الليبية في مدينة بنغازي. ونقلت الصحيفة عن مدير مستشفى الجلاء بنغازي أن الاشتباكات أوقعت أربعة عشر جريحا “تبين أن ثلاثة منهم من المخربين، وعشرة من رجال الأمن”. وأكد مدير مستشفى الجلاء أنه لم تسجل أي حالة خطيرة لدى الذين تم إسعافهم. وكانت الأحداث قد اندلعت على خلفية تجمع أفراد من عائلات السجناء الذين قتلوا عام 1996 في اشتباك في سجن بوسليم في طرابلس أمام مركز الشرطة في بنغازي، للمطالبة بالإفراج عن منسق شؤونهم المحامي فتحي تربل، كما ذكرت ذلك صحيفة “المنارة” على الأنترنيت. وذكر موقع صحيفة “قورينا” المقربة من سيف الإسلام، نجل العقيد القذافي، أن تربل، الذي لم تعرف أسباب اعتقاله، أفرج عنه بضغط من العائلات. لكن الحشود لم تغادر المكان وانضم أشخاص آخرون إلى التظاهرة، مما دفع بقوات الأمن إلى تفريقهم بالقوة كما ذكر موقع “ليبيا اليوم”. وردد المتظاهرون هتافات مناهضة للنظام مثل “بنغازي استيقظي، إنه اليوم الذي تنتظرينه” و”دم الشهداء لم يذهب هدرا” و”الشعب يريد إسقاط الفساد”، كما ذكرت وسائل الإعلام تلك. وبُعيد ذلك، تظاهر مئات المؤيدين للنظام في بنغازي، ثاني مدينة في البلاد، على بعد ألف كلم شرق طرابلس، وكذلك في سرت وسبها وطرابس، حسب المشاهد التي بثها تلفزيون الدولة. وأفادت مصادر ل”الجزيرة” بأن مسيرة احتجاجية انطلقت في الساعات الأولى من صباح أمس الأربعاء في مدينة بنغازي، شرق ليبيا. وأوضحت المصادر أن الشرطة الليبية أطلقت الغاز المسيل للدموع وفرقت بالعنف جموع المحتجين دون تقديم مزيد من التفاصيل. وقال الروائي والكاتب الليبي إدريس المسماري إن سيارات أمن وشرطة بزي مدني ومن وصفهم ب”مجرمين” يواجهون المحتجين بالقنابل المسيلة للدموع والهراوات والماء الساخن. وتأتي هذه الاحتجاجات بعد إعلان مئات النشطاء عزمهم على التظاهر سلميا يوم 17 فبراير الجاري، تزامنا مع الذكرى الخامسة لمظاهرات مدينة بنغازي عام 2005 التي ووجهت بقمع الشرطة. وكانت مجموعة من الشخصيات والفصائل والقوى السياسية والتنظيمات والهيئات الحقوقية الليبية طالبت، أول أمس الثلاثاء، بتنحي الزعيم الليبي معمر القذافي، مؤكدة في الوقت نفسه حق الشعب الليبي في التعبير عن رأيه بمظاهرات سلمية دون أي مضايقات أو تهديدات من النظام. وجاءت تلك المطالب في بيان وقعته 213 شخصية من شرائح مختلفة من المجتمع الليبي (نشطاء سياسيون ومحامون وطلاب ومهنيون وموظفون حكوميون ورجال أعمال ومهندسون وأطباء وإعلاميون وربات منازل وأساتذة جامعيون وضباط وسفراء سابقون) ومن أطلقوا على أنفسهم ضحايا حرب تشاد، وغيرهم. كما ذيل البيان بأسماء بعض الحركات والمنظمات السياسية والحقوقية، مثل الجبهة الوطنية لإنقاذ ليبيا، وحركة التجمع الإسلامي الليبية، وحركة خلاص، والتجمع الجمهوري من أجل الديمقراطية والعدالة الاجتماعية، ورابطة المثقفين والكتاب الليبيين، ومنظمتي الراية والأمل لحقوق الإنسان، واللجنة الليبية للحقيقة والعدالة، وغيرها. يذكر أن القذافي هو أطول الزعماء العرب مكوثا في السلطة، حيث إن فترة حكمه تجاوزت الأربعين عاما. وقد طالبت قوى سياسية وشخصيات ليبية في المنفى في البيان بتنحي الزعيم الليبي معمر القذافي وبانتقال سلمي في ليبيا نحو مجتمع تعددي، فيما ظهرت دعوة على الأنترنيت إلى التظاهر في ليبيا “ضد الفساد والفقر” يومه الخميس. وشدد البيان على “ضرورة تنحي العقيد معمر القذافي هو وجميع أفراد أسرته عن كافة السلطات والصلاحيات والاختصاصات (الثورية) والسياسية والعسكرية والأمنية، وهي سلطات ظل القذافي يمارسها فعليا وينكرها نظريا وظاهريا”. كما أكد النداء “على حق الشعب الليبي في الخروج للتعبير عن رأيه في تظاهرات سلمية، دون أية مضايقات أو استفزازات أو تهديدات من قبل النظام أو عناصره، وهو الحق الذي كفلته ورعته كافة الشرائع الدينية والقوانين الوضعية”. وختم البيان قائلا: “إننا في هذه المرحلة التاريخية التي تشهد مخاضا سياسيا يقوده شباب وأبناء الأقطار العربية المجاورة وغيرها من الدول، نطالب كل أبناء ليبيا، بمن فيهم العاملون في مؤسسات النظام، بأن يغلبوا مصلحة البلاد والشعب على كل شيء وأن يتخذوا القرار الصائب وأن يدركوا أن التجارب قد أثبتت أن العاقبة لا تتغير حتى وإن تأجل التوقيت”. البحرين على صفيح ساخن وعلى صعيد آخر لا يقل توترا واشتعالا، شيع، أمس الأربعاء جثمان الشاب البحريني فاضل متروك الذي قتل أول أمس الثلاثاء في المنامة أثناء محاولة الشرطة تفريق مظاهرة احتجاجية على مقتل أحد الشبان يوم الاثنين خارج المنامة، في حين تواصل اعتصام المتظاهرين بدوار اللؤلؤة وسط العاصمة. وجاء ذلك في ظل دعوات إلى الخروج بمسيرة للمشاركة في مراسيم التشييع، مما يهدد بتفجر أحداث العنف من جديد التي نتجت عن مظاهرات خرجت للمطالبة بإحداث إصلاحات سياسية واجتماعية والإفراج عن معتقلين. جدير بالذكر أن فاضل متروك سقط أثناء خروج نحو 2000 شخص من مجمع السلمانية الطبي في العاصمة لتشييع جنازة الشاب علي مشيمع الذي قضى جراء إصابته على أيدي شرطة مكافحة الشغب في قرية الدية القريبة من العاصمة. وواصل آلاف البحرينيين اعتصامهم لليوم الثاني في دوار اللؤلؤة وسط مدينة المنامة. وأفاد شهود عيان بأن مواجهات عنيفة جرت في منطقتي السنابس والدراز قبل أن تمتد إلى منطقة الزنج في ضواحي المنامة وسط تحليق للمروحيات فوق المدينة. كما شهدت عدة قرى في البحرين مواجهات بين شبان شيعة وقوات أمن استخدمت قنابل مسيلة للدموع، مما أدى إلى إصابة نحو 21 شخصا، بينهم نساء، حسب وكالة الأنباء الألمانية. تحقيق عاجل قرر ملك البحرين حمد بن عيسى آل خليفة تشكيل لجنة تحقيق في الأحداث التي شهدتها البلاد يومي الاثنين والثلاثاء الماضيين وأسفرت عن مقتل شخصين وأكثر من عشرين جريحا. وفي خطاب وجهه إلى البحرينيين أول أمس الثلاثاء، أمر الملك بتشكيل لجنة وزارية للتحقيق في الاحتجاجات. وشدد على ضرورة الالتزام بالقانون المنظم للمظاهرات، وأبدى أسفه على مقتل متظاهرين. وأضاف أن عملية الإصلاح التي بدأت في البلاد قبل عشر سنوات ستستمر. من جهته، أبدى وزير الداخلية البحريني الشيخ راشد بن عبد الله آل خليفة أسفه على مقتل المتظاهرين، وقدم اعتذارا رسميا إلى الشعب البحريني. وقال إنه تم التحفظ على المتسببين في حالتي الوفاة، وأضاف أن التحقيقات لا تزال جارية وأن وزارته ستتعاون بشكل كامل في التحقيقات التي تجريها اللجنة. في هذه الأثناء، علقت كتلة الوفاق مشاركتها في مجلس النواب البحريني بعد تلك المواجهات الدامية بين الشرطة والمتظاهرين. ووفقا لعضو الكتلة إبراهيم مطر، فقد علقت الجمعية عضويتها في البرلمان بعد مقتل المتظاهرين. ووصف مطر هذا الإجراء بكونه “خطوة أولى”، وألمح إلى إمكانية استقالة أعضاء الجمعية من البرلمان في الأيام القادمة. ومن ناحيتها، قالت الولاياتالمتحدة أول أمس الثلاثاء إنها “قلقة جدا” بسبب العنف في الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها البحرين، وحثت جميع الأطراف على ضبط النفس. احتجاجات في إيران أيضا إيران هي الأخرى لم تكن بمنأى من عدوى الاحتجاجات التي باتت تنتقل كالنار في هشيم بلدان الشرق الأوسط، فقد قال التلفزيون الإيراني، يوم أمس الأربعاء، إن مواجهات وقعت بين مؤيدين للحكومة يشاركون في تشييع جثمان شخص، قتل خلال التظاهرات المناهضة للحكومة يوم الاثنين الماضي، “وعدد صغير من الأشخاص يبدو أنهم مرتبطون” بالمعارضة. يذكر أن القتيل اسمه جلا، وهو سني كردي، قتل أثناء التظاهرات المناهضة للحكومة. وقال التلفزيون إن “طلابا وأشخاصا مشاركين في جنازة الشهيد في جامعة طهران للفنون الجميلة اشتبكوا مع عدد صغير من الأشخاص يبدو أنهم من حركة مثيري الفتنة”. وأضاف أن مؤيدي النظام تمكنوا، وهم “يرددون هتافات “الموت للمنافقين”، من إبعادهم عن المكان”. وتشير السلطات الإيرانية ب”المنافقين” دوما إلى حركة مجاهدي خلق، أبرز حركة مسلحة معارضة للنظام الإيراني. وكانت التظاهرة المؤيدة للحكومة تضم برلمانيين وعناصر من الحرس الثوري الإيراني، هتفوا ب”الموت لكل من أمريكا وبريطانيا وإسرائيل و(مهدي) كروبي و(مير حسين) موسوي”. وتشير مصادر المعارضة الإيرانية إلى أن جالا من مؤيدي كروبي وموسوي اللذين يقودان حركة معارضة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد. ويشير موقع “راهيساباز” المعارض إلى أن عائلة جالا تتعرض لضغوط لإعلان أن القتيل كان من عناصر البسيج. وفيما خرجت تظاهرات مؤيدة للحكومة في مدينة قم الدينية، حذر النائب العام الإيراني غلام حسيت نحسني إيجي من أن “إجراء” سيتخذ ضد موسوي وكروبي. وقد أعلن كروبي عبر موقعه أنه مستعد لدفع أي ثمن لقاء موقفه، وأنه لا يخشى شيئا. يذكر أن المظاهرات المناهضة للحكومة بدأت في إيران الاثنين الماضي، وباتت المعارضة تصفه بالإنجاز الكبير. وكانت شرطة مكافحة الشغب وجهت الغاز المسيل للدموع وكرات الطلاء إلى متظاهرين خرجوا في مسيرة في طهران لدعم الثورات في العالم العربي فتحولت إلى تظاهرة مناهضة للحكومة. ووقعت الصدامات في ساحة الحرية “آزادي”، وهي كبرى ساحات العاصمة طهران. وردد المتظاهرون صيحات “الموت للديكتاتور”، وهم يقصدون الرئيس محمود أحمدي نجاد، وهو ذات الشعار الذي كان شائعا بين المعارضين لإعادة انتخاب نجاد عام 2009. كما لجأ أنصار المعارضة إلى أسلوب اتبعوه خلال احتجاجات عام 2009، حيث اعتلوا أسطح المباني والشرفات في وقت مبكر من صباح الاثنين الماضي، وهم يرددون “الله أكبر” في تحد لحظر السلطات للمظاهرات.