في عهد جيرالد فورد (1974-1976)، تميزت سياسة إدارته تجاه نزاع الصحراء بدعم المملكة المغربية والانحياز إلى أطروحتها. إلا أنه، بناء على الظروف والملابسات الدولية والإقليمية التي ظهر في إطارها النزاع والتي كانت السبب الرئيسي في تشكيل الموقف الأمريكي، تبين لنا أن هذا الأخير لم يكن نابعا من رؤية خاصة لنزاع الصحراء أو نتيجة موقف ثابت، وإنما كان مجرد حرص على المصلحة الأمريكية التي تتمثل في حماية قواعدها العسكرية في منطقة حوض البحر المتوسط عموما وفي إسبانيا تحديدا، بالنظر إلى رهانات الفترة الانتقالية التي شهدتها إسبانيا خلال هذه المرحلة، ولاسيما في ظل احتدام الصراع بين واشنطن وموسكو، كما لم يكن موقفها يعدو أن يكون حماية للنظام الملكي المغربي الذي كان يعتبر صديقا وحليفا يعتمد عليه في هذه المنطقة المتوترة دائما، لأنها، بحمايتها هذه، تضمن استمرار مصالحها الاستراتيجية في المملكة ومصالحها السياسية في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط. أما سياسة إدارة جيمي كارتر (1976-1981) فقد تميزت بخاصية التزام الحياد. فضلا عن هذا، فإنها أكدت بعد التحولات التي طرأت على سياستها الخارجية، والقائمة أساسا على احترام حقوق الإنسان وتعزيز الديمقراطية في دول العالم..، أنه يمكن تسوية النزاع بصورة أفضل في الإطار الإقليمي، باعتبارها مسألة إقليمية تتطلب حلا إقليميا، مع المساعي الحميدة للأمين العام للأمم المتحدة، وأنه لا يجب أن يصبح النزاع مصدرا للمنافسة بين القوى العظمى، وحاولت بشكل عام تفادي أي تدخل مباشر في نزاع الصحراء خلافا لما كان عليه الحال مع إدارة فورد.. مما انعكس سلبا على العلاقات المغربية الأمريكية التي شهدت توترا ملحوظا خلال هذه الفترة. وخلال عهد إدارة ريغان (1981-1989) سيتبين مدى إدراكها لخطورة تراجع الولاياتالمتحدة عن مبدأ الحفاظ على المواقع الجيو-استراتيجية في سياستها الخارجية الذي تجاهلته إدارة كارتر أو انتقصت من أولويته مقابل اعتبارات أخرى أكثر أهمية، ولم تتوان عن تأكيد أن المراكز الاستراتيجية الحساسة تظل ذات قيمة كبرى في إطار حماية المصالح الأمريكية واستمرارية سلامتها، فشكلت هذه الرؤية إجماع مجمل مسؤولي إدارة ريغان الذين توافدوا على المغرب، بعد فترة قصيرة من استلام ريغان السلطة، من أجل تقييم الأوضاع والتعرف عن كثب على احتياجات المغرب وتعزيز العلاقات المغربية الأمريكية عن طريق الدعم العسكري والسياسي للمملكة المغربية. غير أنه بحلول عام 1988، أبانت الولاياتالمتحدةالأمريكية عن ميل أكبر إلى التسوية السلمية للنزاع خلافا لما كان عليه الأمر في البداية الأولى لولاية ريغان الذي تميز بدعم واضح وثابت للمملكة المغربية في حربها ضد البوليساريو. ويعزى سبب تغير السياسة الأمريكية إلى تغير الوضعية الدولية التي شهدت بداية انهيار القوة السوفياتية ونهاية الحرب الباردة. وأمام هذا التحول أصبح من اليسير، في نظر الإدارة الأمريكية، معالجة النزاعات الإقليمية بالطرق السلمية والتحركات الدبلوماسية. أما في عهد جورج بوش الأب (1989-1993) فإن النزاع حول الصحراء لم يشهد تحولا متميزا، سواء من حيث مسار النزاع أو من حيث الموقف الأمريكي. والأمر المركزي الذي ميز هذه الفترة هو تأكيد تطبيق مخطط التسوية الأممي من طرف الإدارة والكونغرس الأمريكيين على حد سواء. ويرجع هذا إلى جانب انهيار الاتحاد السوفياتي، وإلى قصر مدة ولاية جورج بوش التي اقتصرت على الولاية الأولى دون الثانية، ثم إلى تركيزه معظم اهتمامه وانشغاله على حرب الخليج وتداعياتها. وتبعا لذلك، فإن ملف هذا النزاع لم يشهد محطات متميزة تحسب لإدارة جورج بوش، وبالتالي فإن العلاقات المغربية الأمريكية لم تشهد بدورها تميزا نوعيا كما كان عليه الأمر في عهد فورد ورونالد ريغان، وكما سيشهد عهد بيل كلينتون لاحقا. واتساقا مع نفس الرؤية، عملت إدارة كلينتون (1993-2001) على تسريع التقارب بين المغرب والجزائر باعتباره العنصر المفتاح لحل نزاع الصحراء من خلال برنامج الشراكة الأمريكية المغاربية. وقد حرصت إدارة كلينتون في صياغة سياستها تجاه النزاع على خلق التوازن في منطقة المغرب العربي ومحاولة الاجتهاد من خلال مجهودات جيمس بيكر، على إيجاد صيغة تسوية مرضية لجميع الأطراف، قائمة على أساس لا غالب ولا مغلوب عبر اللقاءات والمفاوضات بين الدولة المغربية وجبهة البوليساريو، كما حرصت في ذات الآن على دعم الشرعية الدولية وأيضا دعم المغرب باعتباره حليفها التاريخي والسياسي في عدد من الشؤون الإقليمية والدولية. وبين هذا الدعم وذاك، حرصت أيضا على دعم المفاوضات المباشرة بين الجانبين كآلية مثلى لتعبيد الصعوبات وضمان استمرارية الحضور الأمريكي في كواليس هذا النزاع. أما في ما يخص عهد جورج بوش الابن (2001-2009)، فإن أسلوبه في التعامل مع نزاع الصحراء قد خضع، في جوهره، لمتغيرين أساسيين: يتمثل الأول في سياسة محاربة الإرهاب وتقديم العون من أجل تحقيق الأهداف المرجوة، ويتمثل المتغير الثاني في الهوس الأمريكي بخصوص إيجاد مصادر الاحتياطات الحيوية من البترول. بيد أنه رغم الانشغال الأمريكي التام بضرباته العسكرية لكل من أفغانستان والعراق وحربها على الإرهاب بشكل عام، فإن نزاع الصحراء قد شهد تحولات عديدة ومتسارعة على مستوى الأممالمتحدة بصورة لم يشهد لها مثيلا من قبل، خاصة خلال عهد جورج بوش الأب. ورغم كل ما يمكن قوله عن الدور الأمريكي في النزاع حول الصحراء، فإن تساؤلات عديدة تطرح نفسها على صانعي القرار السياسي المغربي، أختزل أهمها في التساؤل التالي: هل ستظل مراهنة المملكة المغربية على الدور الأمريكي ملازمة لمسار النزاع إلى نهايته أم إن التفكير في إناطة دور أكبر بالدولتين الاستعماريتين المسؤولتين عن هذا المأزق، إسبانيا وفرنسا، من شأنه أن يسفر عن نتائج أفضل، ولاسيما من حيث نوعية الضغوطات والمساومات التي يمكن أن تمارساها على الحكومة الجزائرية وصنيعتها البوليساريو؟ وإذا سلمنا بأن نزاع الصحراء قد أثر، إلى حد بعيد، على قرارات المملكة المغربية، فهل ستظل سياساتها الداخلية والخارجية رهينة هذا النزاع إلى أجل غير مسمى؟ انتهى/