أرقام مثيرة للجدل تلك التي ضمها قانون المالية للسنة الجارية وتهم توزيع الاعتمادات المفتوحة لنفقات التسيير داخل البرلمان، الذي خصص لنوابه وموظفيه وأعوانه ومعداته 271 مليونا و546 ألف درهم، في الوقت الذي خصص لمجلس المستشارين 235 مليونا و65 ألف درهم، وذلك كله مقابل دور القبة التشريعية في تمثيل المواطنين واجتهاد النواب والمستشارين في مناقشة القوانين داخل اللجان والجلسات العامة ومراقبة السلطة التنفيذية، هذا على الأقل نظريا. غير أن ما يؤرق المتتبعين لعمل المجلس التشريعي هو استمرار ظاهرة غياب نواب الأمة، وتخلفهم عن حضور أشغال اللجان والجلسات العامة، حيث لا يمتلئ البرلمان إلا مرتين في السنة فقط عندما يفتتح ملك البلاد الولاية التشريعية. وإلى جانب كون هذا الغياب كرس الصورة السيئة لدى المواطن عن مؤسسته التشريعية زادها سوءا التصويت على قوانين كبرى كمدونة السير وقانون المالية من طرف عدد قليل من النواب، إذ تسبب، من جانب آخر، في وقوع «طرائف» كان آخرها التصويت برفض الميزانية القطاعية لوزارة النقل والتجهيز، قبل أن يعود حزب الاستقلال ليعيد الكرة من جديد بحضور مستشاريه ويمرر الميزانية. وإلى جانب التصريحات الإعلامية المنتقدة لغياب النواب والمستشارين، عمل مسؤولا المجلس على التهديد باتخاذ إجراءات «عقابية» ضد المتغيبين وتطبيق مقتضيات القانون الداخلي، وسبق لمكتب محمد الشيخ بيد الله أن كشف عن عزمه القيام بإجراءات للحد من ظاهرة الغياب، قد تبدأ بمراسلة الفرق التي ينتمي إليها المتغيبون، ولا تنتهي بإعلان أسمائهم خلال الجلسات العامة التي ينقلها البث الإذاعي والتلفزي على الهواء مباشرة. وتنص المادة 55 من القانون الداخلي لمجلس المستشارين على أنه «لا بد من تبرير غياب الأعضاء الذين لم يحضروا جلسات اللجان. وهذا التبرير تنشره الجريدة الرسمية في العدد الموالي للاجتماع. كما تنشر نفس الجريدة أسماء الأعضاء الحاضرين والغائبين وتشير كذلك إلى كل تصويت وقع تأجيله نظرا لعدم حضور أغلبية الأعضاء». أما المادة 56 فتؤكد على أنه «إذا تغيب عضو أكثر من ثلاث جلسات متوالية وبدون عذر مقبول عن اللجنة التي ينتمي إليها خلال نفس الدورة، فإن اللجنة التي يعنيها الأمر تحيط رئيس المجلس علما بتغيباته، وبعد استفساره من قبل رئيس المجلس واستشارة المكتب يعتبر المستشار المعني بالأمر مستقيلا من تلك اللجنة، ويعمل الفريق الذي ينتمي إليه على تعويضه، ويعلن رئيس المجلس عن هذا القرار في الجلسة العامة وينشر في الجريدة الرسمية» . أما القانون الداخلي لمجلس النواب فيؤكد في المادة 60 أنه «يجب على النواب حضور جميع الجلسات العمومية، وعلى من أراد الاعتذار أن يوجه رسالة إلى رئيس المجلس مع بيان العذر، في أجل لا يتجاوز ثلاثة أيام من تاريخ الاجتماع» مضيفا بأنه «يضبط حضور النواب بأي وسيلة يعتمدها المكتب بما فيها المناداة عليهم بأسمائهم ؛ وتنشر لائحة المتغيبين في النشرة الداخلية للمجلس». في الوقت الذي تؤكد فيه المادة رقم 61 بأنه «إذا تغيب عضو عن جلسة عمومية بدون عذر مقبول يوجه الرئيس إلى النائب المتغيب تنبيها كتابيا، ويأمر بتلاوة اسمه في افتتاح الجلسة العمومية الموالية، ويقتطع من التعويضات الشهرية الممنوحة للنائب مبلغ مالي بحسب عدد الأيام التي وقع خلالها التغيب بدون عذر مقبول. تنشر هذه الإجراءات في النشرة الداخلية للمجلس والجريدة الرسمية». ويشتكي المهتمون بالملف من غياب الإرادة لدى رئيسي الغرفتين معا لتطبيق بنود القانون الداخلي، حيث يكتفي كل طرف بإصدار تصريحات تنتقد ظاهرة الغياب، لكن تبقى الأمور عند هذا الحد ولا تذهب في اتجاه تفعيل مقتضيات القانون. ورغم أن مكتب مجلس المستشارين كشف عن وجود نية لمراسلة فرق نيابية سجل على الكثير من أعضائها غياب متكرر عن حضور الجلسات وأشغال اللجان، فإن مقربين من بيد الله سارعوا من جهتهم إلى نفي ذلك، وصرح بيد الله نفسه بأن المقاربة القانونية وحدها لا تكفي للحد من ظاهرة الغياب، مشيرا إلى أن المجلس يبحث باستمرار عن أنجع الطرق التي تضمن حضورا «لا بأس به» للمستشارين، ومن بينها بحث إمكانية توفير الإقامة لأعضاء من المجلس في الرباط، وضمان النقل لآخرين من مدنهم للحضور، إلى جانب إجراءات تشجيعية أخرى كتقديم جوائز مادية أو تكريم النواب المنضبطين خلال مناسبات عامة. وفي ظل غياب أرقام رسمية عن الغياب بمجلس النواب، سبق للغرفة الثانية أن أصدرت إحصائيات أكدت أن الفريق الفدرالي للوحدة والديمقراطية جاء في مقدمة الفرق التي يواظب أعضاؤها على الحضور باستمرار، بينما احتل كل من الفريق الاشتراكي وفريق الأصالة والمعاصرة المركز الثاني. وحسب الإحصائيات نفسها جاءت جهة البيضاء في المركز الأول من حيث عدد غياب المستشارين، تليها جهة العيون، وتم التوضيح بأن ممثلي المأجورين في قطاعي الفلاحة والصيد البحري يعتبرون من أكبر الغائبين عن حضور الجلسات العمومية. وذكرت الإحصائيات أن 60 مستشارا من أصل 270 غابوا بشكل كامل عن حضور جلسات الدورة الخريفية، ينتمون لأحزاب الاستقلال و«البام» والتجمع الدستوري، في الوقت الذي يلاحظ أن معدل حضور أعضاء المجلس لا يتجاوز في أكثر التقديرات تفاؤلا 100 مستشار.