تتهم مؤسسات حقوق الإنسان الدولية المحترمة العرب باحتلال مرتبة هي الأعلى عالميا بالنسبة إلى قضية الاتجار بالبشر، وهضم حقوق العمال، وإساءة معاملتهم، ومن المؤسف أن هذه الاتهامات صحيحة، وموثقة، بل ونرى أمثلتها عمليا بالصوت والصورة في أكثر من عاصمة عربية وعالمية وفي دول الخليج على وجه الخصوص، وهذه هي أدلتنا العملية الدامغة: أولا: تشهد الكويت هذه الأيام ثورة للجوعى البنغاليين منذ أربعة أيام، حيث نزل الآلاف منهم إلى الشوارع في مظاهرات احتجاجية بسبب سوء أحوالهم المعيشية وانخفاض أجورهم، ورفض الشركات المستخدمة لهم دفعها على قلتها. الاحتجاجات أدت إلى صدامات دموية ووقوع جرحى وأعمال تخريب. هؤلاء في معظمهم عمال نظافة، أي يكنسون الشوارع وينظفون المراحيض. الحكومة الكويتية بدلا من الاعتراف بأخطائها، وتقديم أصحاب شركات الاستعباد إلى المحاكم، ووضع حد لظاهرة تجار الإقامات، وإنهاء نظام الكفيل البغيض، هددت بترحيل العمال المضربين، وأرسلت في الوقت نفسه مسؤولين إلى دول آسيوية لاستقدام عمال منها ليحلوا محل 150 ألف عامل بنغالي يتقاضون 20 دينارا شهريا، يدفعون جزءا منها لشركات السمسرة في بلادهم، أو للكفيل الكويتي، ويعيشون في زرائب، ويضطرون إلى نبش صفائح القمامة بحثا عن الطعام لأن ما يتقاضونه لا يكفي لسد رمقهم، وتسديد ديونهم التي اقترضوها للحصول على هذه الوظيفة المزرية. ثانيا: في شباط (فبراير) 2008 تظاهر في البحرين 1300 عامل هندي بعد إضراب عن العمل استمر بضعة أيام للمطالبة بتحسين ظروفهم المعيشية، ولم ينته الإضراب إلا بعد الاستجابة لمطالبهم، وتصاعدت دعوات إلى إبعاد كل البنغاليين لأن أحدهم قتل أحد أرباب العمل الظالمين. ثالثا: في شباط (فبراير) من العام الحالي أيضا تظاهر عشرات الآلاف من الهنود في دبي مطالبين بتحسين ظروفهم المعيشية، ومعاملتهم معاملة البشر، ونقلهم بطريقة آدمية، وليس كالحيوانات إلى مقار عملهم. وتسببت احتجاجاتهم في قطع الطرق، وتكسير المحلات، والصدام مع قوات الشرطة، وهناك من يقول إن حالة التوتر مستمرة والبلاد على أبواب ثورة أخرى لأن الأوضاع مازالت على حالها. رابعا: في التاسع من تموز (يوليوز) الحالي اعتقلت السلطات في أبو ظبي 3100 عامل هندي يعملون في شركة الحمراء للمقاولات بسبب احتجاجهم على سوء المعاملة وهضم الحقوق، والعمل لساعات طويلة. الترحيل هو من نصيب أي محتج أو متظاهر، وربما سيواجه بعض هؤلاء هذا المصير. خامسا: اعتقلت السلطات السويسرية قبل أسبوعين السيد هنيبعل القذافي نجل الزعيم الليبي وزوجته لمدة يومين بتهمة الاعتداء على خادميه في فندق بجنيف، وبدلا من ترك القانون يأخذ مجراه، أعلنت ليبيا الحرب على سويسرا وقطعت إمدادات النفط إليها، وأغلقت شركاتها العاملة في ليبيا، واعتقلت اثنين من رعاياها. سادسا: وجهت النيابة البلجيكية اتهامات إلى سبعة من أسرة شيخ إماراتي راحل بإساءة معاملة تسعة من الخدم من جنسيات آسيوية وعربية كانوا يعملون معهم في الطابق الذي استأجروه في أحد الفنادق البلجيكية الفخمة. عقوبة هذه التهمة تصل إلى السجن خمس سنوات. لا نفهم هذه السادية العربية في معاملة الآخرين بهذه الطريقة الوحشية، وغير الإنسانية، رغم أن عقيدتنا الإسلامية السمحاء تنص على المساواة، والتواضع، وإعطاء الأجير أجره قبل أن يجف عرقه، والترفع عن كل مظاهر الاستعباد. لماذا هذا الغرور والتعالي على الآخرين، ونحن أكثر شعوب الأرض تخلفا وقمعا ودكتاتورية وفسادا؟ لو كنا أمة فقيرة معدمة، ربما قلنا إن هذه هي إمكانياتنا، ولكننا أمة غنية تدخل ميزانيات دولها النفطية، في المشرق والمغرب أكثر من 900 مليار دولار سنويا من النفط والغاز، ونتباهى على الأمم الأخرى بإقامة أضخم فندق، وأطول عمارة، وأكبر شركة طيران، وأعظم حكومة إلكترونية، ومع ذلك ندفع للعامل الفقير المعدم أقل من ثمن وجبة طعام لشخصين في مطعم فندق متواضع، ويا ليتنا ندفع هذا الأجر الشهري في موعده. في دول الخليج وحدها أكثر من 15 مليون عامل أجنبي (9 ملايين في السعودية وحدها) يمثلون حوالي 37% من نسبة عدد السكان، ويعيشون في ظروف لا تطاق، علينا أن نتصور لو نزل هؤلاء إلى الشوارع في ثورة للجياع كيف سيكون حال هذه الدول، وهل تستطيع أن تفتح النار عليهم؟ وتنسى هذه الدول أن هؤلاء العمال ينتمون إلى دول عظمى مثل الهند وباكستان، تملك أسلحة نووية، وتطبق أنظمة ديمقراطية عريقة، ولا نعتقد أن هذه الدول ستسكت على اضطهاد عمالها وهضم حقوقهم، فأين الحكمة في ترك تجار الإقامات وشركات مصاصي دماء العمال تعيث في الأرض فسادا بالطريقة التي نراها حاليا، وتشوه صورتنا أكثر مما هي مشوهة؟ نسعى جاهدين من أجل حوار الأديان لنفي تهمة الإرهاب عنا، وإظهار الوجه السمح لعقيدتنا الإسلامية، ولكننا نمارس أبشع أنواع الإرهاب النفسي والخلقي ضد أبناء عقيدتنا أنفسهم العاملين في الدول العربية. وكأن إرضاء هؤلاء وإكرام وفادتهم وإعطاءهم حقوقهم هو ضد الإسلام وشريعته، وننسى أن امرأة دخلت النار لأنها حرمت قطتها من الطعام. علينا أولا أن نحظى باحترام الشعوب الإسلامية قبل أن نسعى إلى نيل احترام أتباع الديانات الأخرى مثل اليهود والنصارى والبوذيين. فالإصلاح يبدأ أولا داخل البيت ثم بعد ذلك يجوز الانتقال إلى بيوت الجيران. للأسف أولوياتنا دائما مقلوبة، ولهذا لا نتقدم مطلقا إذا لم نكن في تراجع مستمر. نظام الكفيل المطبق في معظم الدول الخليجية هو أسوأ أنواع العبودية، وأنا شخصيا كنت أحد عبيد هذا النظام وأعرفه جيدا. فالكفيل هو السيد الذي يجب أن يطاع، والاحتجاج على المعاملة السيئة وتحسين الأجور قد تترتب عليه عواقب وخيمة أقلها أن يجد العامل نفسه على ظهر أول طائرة عائدا إلى بلاده وممنوعا من العودة. في المملكة العربية السعودية كان ممنوعا على العامل أو الموظف أن يتجه من جدة إلى الطائف (على بعد 150 كيلومترا) دون أن يحصل على إذن مكتوب من كفيله، وإذا لم يفعل فإن مصيره الاعتقال، وفي أفضل الأحوال يعاد من حيث أتى، ولا أعرف هل ألغي هذا القرار الاستعبادي أم مازال ساري المفعول حتى هذه اللحظة. ظاهرة البدون أو مجهولي الجنسية، لا توجد إلا في الدول العربية، والخليجية منها على وجه الخصوص، وبعض هؤلاء ولدوا في هذه الدول وكذلك أولادهم وأحفادهم، وأحفاد أولادهم، ومع ذلك فهم محرومون من جنسية البلد الذي لا يعرفون غيره وطنا. فلماذا لا تجنس الدول الخليجية هؤلاء ونسبة الأجانب في بعضها تزيد عن سبعين في المائة، إنه أمر محير! كثير من مواطني دول الخليج يذهبون بنسائهم الحوامل إلى كندا وأمريكا واستراليا حتى يحمل مواليدهم جنسية البلد الذي ولدوا فيه تحسبا لوقوع غزو جديد، أو لضعف المواطنة، أو لعدم الثقة بالنظام. فلماذا هذه الازدواجية، ولماذا لا يتم طي هذا الملف المخجل المسيء بأسرع وقت ممكن؟ مواطنون عرب ومسلمون يعيشون في دول الخليج لأكثر من نصف قرن، وأبناؤهم يتحدثون اللهجة الخليجية مثل أهلها، ويحيون علم الدولة المضيفة كل صباح، ويطربون لأغاني محمد عبده وأحلام وعبادي الجوهر وحسين الجسمي، ومع ذلك ليست لهم أي حقوق مواطنة أو غيرها، ومحرومون من كل الخدمات الحكومية من صحية وتعليمية، ويعاملون معاملة أي وافد وصل لتوه إلى البلاد. هذا الوضع يجب أن يتغير لأن صورتنا كعرب باتت الأسوأ في العالم بأسره، وأصبح الآخرون ينظرون إلينا نظرة تجار الرقيق. لماذا نحن من دون البشر كلهم نضرب الخدم ونعتدي عليهم، جسديا وجنسيا، ونجعلهم يعملون طوال الليل والنهار دون شفقة أو رحمة، مستغلين حاجتهم إلى المال، وانعدام الوظائف في بلدانهم، هل هناك ثأر تاريخي بيننا وبين الخدم؟ نعترف بأن هناك رفضا لهذه الممارسات لدى قطاع واسع من أبناء الخليج، ويشعرون مثلنا بالخجل تجاهها، مثلما نقر بأن بعض النواب في مجلس الأمة الكويتي عبروا عن استيائهم من معاملة العمال البنغاليين المهينة وطالبوا بعقاب أصحاب الشركات المسؤولة عن معاناتهم، ولكن هذا لا يكفي، لأن الحكومات ترفض التغيير، وتعودت أن تتركنا جميعا نصرخ أو ننبح، وتفعل هي ما تشاء، وتستمر في السياسات نفسها، وتراهن على اختفاء الضجة بمجرد أن يهدأ غبار الاحتجاجات، وليذهب العرب وصورتهم إلى الجحيم.