مؤرخ، عضو أكاديمية المملكة، سفير سابق بكل من ليبيا والعراق وإيرانوالإمارات العربية المتحدة، مؤسس نادي الدبلوماسيين المغاربة... إنه عبد الهادي التازي أحد الرجال الذين تركوا بصماتهم في تاريخ المغرب. ويذكر في هذا السياق أن الجينرال جوان بعد تعيينه مقيما عاما بفرنسا طلب أن يلتقي بالعلماء الجدد خريجي جامعة القرويين، وكان التازي على رأس هذه الدفعة من العلماء، فقال له جوان: «ينبغي أن تعلم أنه بفضل فرنسا أصبح خريجو جامعة القرويين يحصلون على شهاداتهم في ريعان شبابهم أطلب منك، إذن، أن تهتم بما يعنيك، ولا تتدخل في السياسة ». - توقفنا في الحلقة الماضية عند وصولك إلى الإمارات العربية المتحدة، أي ذكريات تحتفظ بها عن تلك الفترة؟ < لم يكن هناك أحد في المطار لاستقبالي. لحظات بعد ذلك رأيت رجلا بقدمين حافيتين يقترب مني. كان يحمل حذاءه في يده وسألني إن كنت أنا عبد الهادي التازي. استفسرته عمن يكون فرد بأنه مدير بروتوكول الشيخ زايد. فوجئت كثيرا برؤية مدير البروتوكول حافي القدمين. أتذكر أن اسمه سعيد الدرمكي، رافقته لمقابلة الشيخ زايد الذي نقلت إليه رسالة من الحسن الثاني، وطلبت منه جوابا في الحين، لأنه لم يكن من الممكن أن أعود إلى المغرب دون إجابة. أُسعد الشيخ زايد بالدعوة، لكنه لم يزر المغرب إلا بعد استقلال بلاده، كانت علاقاته مع الحسن الثاني متميزة، تتقوى يوما بعد يوم رغم مكائد بعض الدول لوجود تكامل كبير بين الرجلين. - عندما كانت الثورة الإيرانية في أوجها سنة 1979، عينت سفيرا للمغرب في الجمهورية الإسلامية الإيرانية. كيف كانت العلاقات بين المغرب وإيران؟ < سأحكي لكم ظروف تعييني في هذا المنصب: بينما كنت، ذات مساء، من سنة 1979، منكبا على إعداد مؤلفي حول الديبلوماسية المغربية، جاء عندي محمد بوستة ليخبرني بتعييني سفيرا في إيران. وكانت سفارتنا في طهران هوجمت من لدن الثوريين على خلفية وجود شاه إيران في المغرب. - هل أخافكم هذا الأمر؟ < كان الشاه في مصر قبل أن يحل بالمغرب، كان مقتنعا بأن عرشه مهدد، وعندما كان في مصر، قال للسفير المغربي أثناء حوار جرى بينهما إن المغرب بلد جميل، ورد عليه الدبلوماسي المغربي، مُجامَلةً، بأنه مرحب به في بلده الثاني. رغم أن الشاه لم يبق في المغرب إلا مدة قصيرة، فقد غضب الثوريون الإيرانيون، ووضع المغرب في موقف حرج استوجب بعث شخص ما لتهدئة النفوس، وتمثلت مهمتي في حل المشكل قبل العودة إلى المغرب. اخترت لعلاقاتي الجيدة مع الخميني، فعندما كنت سفيرا في العراق، كان الخميني بدوره منفيا إلى بلاد الرافدين، كنت أزوره باستمرار مما وطد علاقاتنا. لما وصلت إلى إيران، قدمت أوراق اعتمادي. وبعد شهر أقنعت مهدي بازارغان، رئيس الحكومة، ومختلف أعضائها بتناول وجبة غداء في سفارة المغرب، وابنتي فاطمة الزهراء هي التي استقبلت الضيوف. - ماذا قلت لهم؟ < أوضحت موقف المغرب. قلت لهم إن الشاه رجع إلى مصر وإن المغرب يريد فتح صفحة جديدة معهم، وطلبت منهم أن ينسوا الماضي. لكن حادثا كبير نشب بين المغرب وإيران لحظة الثورة: استقبل الخميني البولساريو، فغضب الحسن الثاني بشدة، وصرح بأن الخميني ملحد. لم تدم علاقات الود بين البلدين سوى أربعة أشهر، حادث جديد جاء ليعكر صفوهما. هل كان ذلك من صدف التاريخ؟ غارت إحدى الدول من استقبال السفارة المغربية لبازارغان وحكومته. ومن أجل توتير العلاقات من جديد، أرشت صحافيا فرنسيا ليكتب من جديد عن تصريحات الحسن الثاني التي مرت عليها أربعة أشهر. استدعاني مسؤولو طهران ليلا ليطلبوا تفسيرا لما وقع. ولحسن الحظ، كنت على علم بالمؤامرة بفضل يوسف بلعباس، سفير المغرب في باريس، الذي أخبرني بها، فشرحت لهم أن الأمر يتعلق بمحاولة لتوتير العلاقات بين البلدين وأنه يجب ألا تولى أي أهمية لمثل هذه الكتابات. - بعد رجوعك إلى المغرب، عينت مكلفا بمهمة في الديوان الملكي. هل كان ذلك مكافأة؟ < يمكن أن نقول ذلك. - ما رأيك في الدبلوماسية المغربية في الوقت الراهن؟ < أعتقد أن الدبلوماسية المغربية تقدمت بشكل كبير، والذين يقولون إنها ليست في أحسن أحوالها، إما أنهم يجهلون الدبلوماسية المغربية، وإما أنهم يغارون منها. ظل المغرب لمدة طويلة ضحية للغيرة لأنه يتمتع بموقع جغرافي استراتيجي متميز بواجهتين بحريتين، أطلسية ومتوسطية، وجذور ضاربة في عمق إفريقيا وماض مجيد، وهو حاضر بقوة في المشهد السياسي العربي والدولي. - تعتقد أن المغرب حاضر بقوة في ملفي العراق وفلسطين؟ بخصوص فلسطين، لا أعتقد أن دولة دعمتها ماديا ومعنويا مثلما دعمها المغرب. في العراق، لم يكن بإمكانه أن يفعل أكثر مما فُعل. أتذكر أنه في فترة غزو الكويت، طلب الحسن الثاني مرارا من صدام أن يوقف الغزو، لأنه كان يسير ببلاده نحو الهاوية. ويجب أن نسجل أن المغرب استفاد كثيرا من البترول العراقي، لكن الحسن الثاني ضحى بهذه المصلحة في سبيل الشرعية الدولية. ترجمة محمد بوهريد