مؤرخ، عضو أكاديمية المملكة، سفير سابق بكل من ليبيا والعراق وإيران والإمارات العربية المتحدة، مؤسس نادي الدبلوماسيين المغاربة... إنه عبد الهادي التازي أحد الرجال الذين تركوا بصماتهم في تاريخ المغرب. ويذكر في هذا السياق أن الجينرال جوان بعد تعيينه مقيما عاما بفرنسا طلب أن يلتقي بالعلماء الجدد خريجي جامعة القرويين، وكان التازي على رأس هذه الدفعة من العلماء، فقال له جوان: «ينبغي أن تعلم أنه بفضل فرنسا أصبح خريجو جامعة القرويين يحصلون على شهاداتهم في ريعان شبابهم أطلب منك، إذن، أن تهتم بما يعنيك، ولا تتدخل في السياسة ». - عينت في 1967 سفيرا للمغرب في ليبيا التي كانت تحت حكم الملك إدريس السنوسي في تلك الفترة. هل كانت الأوضاع تنبئ بوقوع انقلاب 1969 بقيادة معمر القذافي؟ < كانت ليبيا محكومة في تلك الفترة من طرف الملك إدريس السنوسي، لم أبق فيها سوى سنتين، حيث رجعت إلى بغداد سنة 1968، لكنني احتفظت بعلاقات جيدة مع السفير الأمريكي في ليبيا، ويدعى دافيد نيوسوم. وقد قال لي ذات يوم، إن شيئا ما سيقع في طرابلس. كان الأمريكيون على علم بالانقلاب لكن كان لديهم اسم آخر غير معمر القذافي. وبصفتي سفيرا للمغرب، سارعت إلى إخبار الملك الحسن الثاني. كانت هيئة الإذاعة البريطانية أول من بث خبر الانقلاب، حتى سفير ليبيا في بغداد، جبريل الشلوف، لم يكن يعلم بحدوثه، فعندما اتصلت به، قال لي إن ذلك مستحيل لأن البلاد كانت بين يدي الملك، فطلبت منه أن يشغل المذياع، وينصت للأخبار. كيف كان موقف المغرب بعد وقوع الانقلاب؟ ألخص الإجابة في قولة للملك الحسن الثاني، خلال حوار أجرته معه يومية «لوموند» الفرنسية : «إذا انفصل ملك أو رئيس عن واقع بلده، وأهمل شؤونه، وأدى ذلك إلى حدوث الانقلاب، فإنه يستحق ذلك». إنها بالفعل رسالة قوية في بضع كلمات تختزل أكثر من عبرة. - أي ذكريات تحتفظ بها عن ليبيا إدريس السنوسي؟ < ذكريات كثيرة، لأن علاقاتي بإدريس السنوسي كانت متينة جدا. فقد دعاني يوما لتناول وجبة الغذاء في قصره، ولما وصلت وجدت هناك امحمد الخطابي، أخ الوطني عبد الكريم الخطابي، ووضعت في موقف محرج لأنني تلقيت تعليمات من الرباط بعدم التعامل مع هذا الرجل، وتوخي الحذر منه. لكن السنوسي لم يكن على علم بهذه التعليمات العليا. - كيف تصرفت في تلك اللحظة؟ < كثيرا ما يجد الديبلوماسيون أنفسهم في وضعيات محرجة تتعين عليهم مواجهتها، ويجب أن يعلموا كيف يتصرفون دون أخطاء. كان من بين المدعوين سفير تونس في ليبيا، الطيب صحباني، الذي ربطتني به علاقات جيدة، فتناقشنا معا، وظللت طيلة الوقت هادئا وكأن شيئا لم يحدث. كان امحمد الخطابي يعاني من الربو، فنصحه أطباؤه بقضاء بعض الوقت في مراكش. وبفضلك حصل على موافقة الحسن الثاني لزيارة مراكش. ما الذي حدث بالضبط؟ < اتصل بي قصر إدريس السنوسي ليخبرني أن الحالة الصحية لامحمد الخطابي جد متدهورة بسبب مرض الربو. ذهبنا، أنا وزوجتي، لعيادته في الفندق الذي كان يقيم فيه، فوجدنا عنده أطباء إيطاليين، ولما قال له أحدهم «إن قضاء أسبوع في مراكش هو دواءه الوحيد»، تأثرت بجواب امحمد الخطابي عندما قال: «من يسمح لي بالاقتراب من مراكش؟». بعد خروج الأطباء دنوت منه، وقلت له: «من الذي يمنعك من الذهاب إلى مراكش». وفي نفس اليوم، اتصلت بالملك الحسن الثاني عن طريق رسالة مشفرة أعطى بعدها موافقته على زيارة الخطابي لمدينة مراكش. - شغلت كذلك منصب سفير المغرب في الإمارات العربية المتحدة. كيف كان هذا البلد في سبعينيات القرن الماضي؟ < كنت أول سفير في الإمارات العربية المتحدة قبل أن تحصل على استقلالها من الحماية البريطانية سنة 1971. ففي 1970، كلفني الملك الحسن الثاني بنقل رسالة شفوية إلى الشيخ زايد. ومعلوم أن هناك فرقا كبيرا بين الرسائل المكتوبة والشفوية؛ الشفوية أكثر حميمية، وتعطي مجالا أوسع للتعبير عن الأفكار والمشاعر. كان الحسن الثاني دبلوماسيا متميزا، حيث دعا الشيخ زايد لزيارة المغرب قبل أن تستقل بلاده. وصلت إلى أبو ظبي تحت أشعة شمس حارقة ولم يكن في المدينة سوى فندق وحيد يدعى «العين»، والباقي صحراء. وحينما نزلت من الطائرة، التي لم تكن تتسع لأكثر من 14 مسافرا، لم أجد أحدا في استقبالي، وبدأت أفكر في العودة إلى العراق، لأنني كنت وقتها سفيرا للمغرب في بغداد، ورغم أن البترول اكتشف في الإمارات العربية المتحدة قبل ذلك، فإن بريطانيا كانت تُحكم قبضتها عليه، وبعد الاستقلال تغير البلد بشكل كبير. ترجمة: محمد بوهريد