«الكتابة المهاجرة» عنوان الحفل التكريمي الذي نظمته الجمعية المغربية للصحافة والإعلام بالقصر الكبير تكريميا للأديب والإعلامي محمد التطواني، وذلك بفضاء المركز الثقافي بالمدينة يوم السبت الماضي، افتتح اللقاء الذي استمر لأكثر من أربع ساعات بمعزوفات موسيقية من أداء الفنان رضوان قدوري وأغاني ملتزمة من أداء الفنانة أمينة السليماني. أما أشغال الندوة النقدية التي تناولت بالدرس والتحليل الإنتاج الأدبي لمحمد التطواني أدارها الباحث عبد السلام دخان، معتبرا أن الإحتفاء بالكتابة المهاجرة هو حدث بالغ الأهمية، إذ ينبغي ألا نتلقاه بوصفه نشاطا ثقافيا عاديا، بل باعتباره فرصة للتفكير في هذا النوع من الكتابة المهجرية، ومن هنا تأتي الدعوة إلى تعميق النظر النقدي في طبيعة هذا الأدب. ولعل هذه الندوة هي محاولة لتوفير الأرضية الملائمة للانطلاقة الصحيحة لأدب يتضمن موضوعات صعبة. إن الأدب المهجري- يضيف عبد السلام دخان - مرتبط بضرورة سوسيولوجية متمثلة في الخوف لدى المغترب من فقدان الهوية، مما يخلق حركة اتقاد بين الوطن والمنفى عبر كتابات جسورة. وأعمال محمد التطواني متشاكلة في حضور المكان، الذي يعمل صاحب رواية أحلام فوق النعش على نقله من المكان المرجعي إلى المكان الاستعاري. إنها أثر للعبور نحو الذات المغربية في اغترابها تحت أكثر من إسم. بعدها تناول الكلمة القاص والباحث عبد الإله المويسي وسمها ب» الإقامة في اللغة: قراءة في رواية أحلام فوق النعش» أثار من خلالها جملة من الإشكالات التي ترتبط باللغة في بعدها التواصلي، معتبرا أن تجربة محمد التطواني تتأطر ضمن كتابة تشكل بداخلها تداخل الأصوات الاجتماعية والسياسية، وقدمت نفسها سجلا لغويا يدمج خطابات متعددة، ليخلص في كلمته إلى أن الوجود الذي استحضره التطواني في نصوصه السردية، يعبر في حقيقة الأمر عن رغبة قوية في تحقيق إقامة تاريخية في اللغة وعبرها تؤرخ بها الذات لمداراتها في الحياة. أما القاص والباحث حسن اليملاحي فقد قدم قراءة نقدية للديوان الوحيد لمحمد التطواني «لا أتكلم لغتك ولكني أتفهم شعورك» باحثا في مكوناته النصية، وكاشفا لأبعاده الدلالية وقدرته على تحقيق تواصل فاعل ومثمر مع المتلقي الهولاندي بشكل خاص والأوربي بشكل عام، فالديوان طافح بعوالم حضارية وإنسانية، وهو من ثمة إضافة نوعية للقصيدة المغربية. وركزت ورقة الباحث محمد العناز «سمات التصوير في المجموعة القصصية سلطانة» على الأشواط المهمة التي قطعتها القصة المغربية فيما يتعلق خصوصياتها الداخلية وخطابها الجمالي، ثم انتقل، تحت هاجس الحفر في نصوص سلطانة، إلى الكشف عن الأبعاد التصويرية داخل صراعاتها وأشكال انتمائها وحنينها إلى الأرض بكل ما يحمله من قيم إنسانية كونية تتجاوز المغلق لتنفتح على أطياف الذاكرة، مشيرا إلى سمة الواقعية التي تطغى على المجموعة بوصفها سمة تعبيرية تهتم بالواقع الأدبي، بواسطة تشكيل بلاغي يعتمد أمانة خادعة في تصوير الوقائع والأشياء، وعلى هذا النحو تصبح الواقعية أحد أساليب بلاغة التصوير الأدبي عند محمد التطواني، ممثلا لهذه السمة بقصة سلطانة. كما رصد الباحث سمة الكشف في قصة «عودة حديث هامس»، التي صورت خيبات الهامش في صراعه مع الألم، وسمات أخرى من قبيل سمات البساطة والخوف. الجلسة المخصصة للشهادات في حق المحتفى به، افتتحت بكلمة عبد الله البعض رئيس الجمعية المغربية للصحافة والإعلام، وفي شهادته المعنونة «عصفور من القصر الكبير في بلاد المهجر» شبه الشاعر مصطفى الطريبق محمد التطواني بتوفيق، أما القاص والناقد العربي بنجلون فقد وصف صاحب» رحلة مع محمد زفزاف» بأحد الذين ظلوا متشبتين بوطنهم، في حين توقفت شهادة القاص والمترجم محمد سعيد الريحاني عند صداقته بمحمد التطواني التي بدأت افتراضية وانتهت حقيقية بين صديقين لم يفلح فارق السن وبُعْدُ الجغرافيا في وقف عشق الكتابة الذي يوحدهما، ثم تدخل بعد ذلك القاص والباحث عماد الورداني بشهادة استحضرت بعض الجوانب الخفية من شخصية صاحب» مكاشفة تلاحق الزعيم». ولعل شهادة الباحث عبد اللطيف فنيد أكدت على انتماء المحتفى به لمدينة الأولياء والأدباء، فمن القصر الكبير مر علي أبي غالب وأبي المحاسن الفاسي، وعبد الجليل القصري. وكانت آخر شهادة للشاعر محمد اليوسفي»محمد التطواني: قلب الصورة» تحدث فيها عن صورة المهاجر في المتخيل المغربي التي ترتبط بعودته حاملا البضائع والهدايا. كلمة المحتفى به الأديب والإعلامي محمد التطواني فقد تحدث فيها عن تجربته في أرض المهجر وطبيعة علاقته بالمثقفين المغاربة معتبرا أن الإبداع المغربي يشكل جسرا حقيقيا للتواصل والتعريف بالثقافة المغربية وفي لحظة مفاجئة امتزجت فيها دموعه بدموع بعض الحاضرين، حيث حف قلمه وقل كلامه واكتفى بدموع المسرة تلاها بقصيدة تشمل جملا من ألم وحزن الاغتراب، ليختتم اللقاء التكريمي بتقديم الجوائز والشهادة التقديرية للمحتفى به من لدن الأديبة سعاد الطود ومديرة المركز الثقافي بالمدينة على إيقاعات الصور التذكارية التي أرخت للكتابة المهاجرة وهي تحلق في سماء القصر الكبير أكبر مدينة صغيرة في العالم.