تٌعد لجنة التقصي حول أحداث مدينة العيون، التي شكلها البرلمان يوم 20 نوفمبر الماضي، سابع لجنة للتقصي في تاريخ العمل النيابي بالمغرب، منذ انطلاق التجربة البرلمانية بالمغرب عام 1963، رغم أن البرلمان لم يلجأ إلى هذا الإجراء إلا مرات قليلة جدا طيلة حوالي نصف قرن من حياته البرلمانية، الأمر الذي يمكن أن يكون انعكاسا لضعف العمل البرلماني وضعف المراقبة البرلمانية للحكومة. وبعكس اللجان البرلمانية السابقة التي تم تشكيلها للتقصي في ستة ملفات طرحت خلال العقود السابقة، لم تشهد اللجنة الأخيرة حول أحداث العيون أي جدل داخل البرلمان بين المعارضة والأغلبية، بالنظر إلى ثقل الأحداث التي شهدتها المدينة، على خلفية مخيم أكديم أزيك وأحداث الشغب التي اندلعت إثر ذلك يوم 8 نوفمبر الماضي، وكذا ضغط الظرفية السياسية التي كانت تشهدها قضية الصحراء، بسبب تزامن تلك الأحداث مع زيارة المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي في نزاع الصحراء كريستوفر روس وقرب انعقاد جولة جديدة من المفاوضات بين المغرب والبوليساريو، وأخيرا بالنظر إلى أهمية الملف نفسه، المرتبط بالقضية الأولى في البلاد وهي الصحراء. فقد تم الإجماع بين الأغلبية والمعارضة على تكوين اللجنة، التي تشكلت من 23 عضوا، وإن كان البعض، خاصة حزب العدالة والتنمية، اقترح تقليص العدد إلى 13 عضوا، تفاديا للصراعات التي يمكن أن تنشب داخل مكوناتها، وعلى الخصوص بين الأصالة والمعاصرة وحزب الاستقلال. وقد بدأت اللجنة بنوع من النقاش الساخن منذ بدايتها، بسبب المخاوف من أن تنعكس ميولات مكوناتها على أدائها، وبالتالي على نتائجها النهائية، وهو ما دفع إلى استبعاد حسن الدرهم، البرلماني عن الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية عن العيون، الذي كان اتهم، في العام الماضي، حمدي ولد الرشيد، رئيس المجلس البلدي للمدينة عن حزب الاستقلال، بالتلاعب في ملف السكن بالمدينة، ما حذا بالفريق الاتحادي إلى المطالبة بتشكيل لجنة للتقصي في الموضوع، وقتها، وكان مبعث التخوف هو أن ينعكس الصراع السياسي على المستوى المحلي بين الدرهم وولد الرشيد على أداء اللجنة، وأن تسقط هذه الأخيرة في تصفية الحسابات. وقد عقدت اللجنة جلسات مع مختلف الأطراف التي لديها علاقة بالأحداث، بمن فيهم محمد جلموس، الوالي السابق لجهة العيون، كما استمعت إلى مجموعة من المسؤولين على المستوى المركزي في قطاعات مختلفة، قبل أن تنتقل اللجنة إلى مدينة العيون لمتابعة عملها، على أن ترفع توصياتها في أجل أقصاه ستة أشهر، قابلة للتمديد عند الضرورة، وفقا للمادة 12 من الفصل 42 من الدستور حول تشكيل لجان التقصي. غير أن اللجنة سرعان ما فجرت صراعا سياسيا، ذا خلفيات انتخابية، بين حزبي الاستقلال والأصالة والمعاصرة، إذ في الوقت الذي وجه الأول اتهامات إلى محمد جلموس بضلوعه، بطريقة غير مباشرة، في تأجيج الأحداث بسبب عدم تداركه للأمر منذ البداية، واتهامه بتطبيق أجندة حزب الأصالة والمعاصرة بالجهة، وجه هذا الأخير الاتهام إلى رئيس مجلس مدينة العيون الاستقلالي حمدي ولد الرشيد، وهو ما دفع هذا الأخير إلى الخروج علنا، بعد إعفاء الوالي السابق جلموس من مهامه، عبر صفحات جريدة «العلم» الناطقة باسم حزبه، متهما هذا الأخير بقيادة حرب ضد حزب الاستقلال. واتهم ولد الرشيد أيضا الوالي السابق بمحاولة زرع الفتنة في المدينة من خلال إثارته للنعرة القبلية «وكأن القبائل وجدت للتناحر والتصادم وليس للتعاون والتضامن خدمة للمصالح العليا للبلاد»، والمساهمة في ركود المدينة وتوقف كافة المشاريع، ورفض تطبيق القرارات التي تمت المصادقة عليها من قبل السلطات الإقليمية، مشيرا إلى أن طريقة تدبير جلموس للسياسة المحلية هي التي أنجبت العوامل التي أدت إلى بناء مخيم اكديم إيزيك الذي نتجت عنه الأعمال الإرهابية والتخريبية وسقوط ضحايا في صفوف القوات العمومية، ولم ينس ولد الرشيد أن يبرئ نفسه وحزبه من المسؤولية عن الأحداث، قائلا إنه «بعيد كل البعد عن أية مسؤولية بهذا الخصوص». ومن المؤكد أن التطورات السياسية التي سبقت وأعقبت تشكيل لجنة التقصي لن تتوقف عند رفع التقرير النهائي إلى رئيس مجلس النواب، لدى انتهاء أشغالها، بل إنها مرشحة لتتحول إلى كرة ثلج سوف تتدحرج وصولا إلى محطة انتخابات عام 2012، والمواجهة السياسية بين حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال.