دخلت المواجهة السياسية بين حزبي الأصالة والمعاصرة والاستقلال فصلا جديدا في الأسبوع الماضي برفض فريق حزب محمد الشيخ بيد الله التصويت على الميزانية القطاعية لوزارة النقل والتجهيز، التي يسيرها الاستقلالي كريم غلاب، في مجلس المستشارين، مما أدى إلى إسقاط الميزانية، نتيجة غياب مستشاري الأغلبية الذين تركوا الباب مفتوحا أمام حزب الهمة للانفراد بالوزير الاستقلالي، قبل أن يتم إنقاذ ميزانية كريم غلاب فيما بعد. وقد اعتبر الاستقلاليون أن ما قام به مستشارو غريمهم السياسي يدخل في إطار سياق تصفية الحسابات السياسية مع حزب الميزان. هذا الفصل الجديد من المواجهة السياسية بين الحزبين ينذر من الآن بمعركة ساخنة ومشوقة في الانتخابات المقبلة عام 2012، التي يراهن عليها حزب الأصالة والمعاصرة لتأكيد حضوره السياسي في المغرب من البوابة الانتخابية، وربما قيادة حكومة ما بعد تلك الانتخابات. وقد أظهرت المواجهة بين الحزبين أن المعركة لم تعد بين حزب الأصالة والمعاصرة وحزب العدالة والتنمية، بل تحديدا مع حزب الاستقلال الذي يتجاوز بالنسبة لحزب الهمة مجرد حزب سياسي مثله مثل العدالة والتنمية، بل يرمز إلى شبكة من الروابط العائلية التقليدية الفاسية. ومنذ ظهور حزب الأصالة والمعاصرة في المشهد السياسي المغربي ظل حزب الاستقلال منضبطا ب«واجب التحفظ» ولم يبد أي رد فعل تجاه التحركات التي كان يقوم بها حزب الهمة، بعدما بدأ هذا الأخير يستقطب أعضاء من مختلف الأحزاب السياسية لتوسيع بيته الحزبي، وحتى عندما انخرط حزب الأصالة في مواجهة مفتوحة مع كل من حزبي الاتحاد الاشتراكي والتقدم والاشتراكية، رفيقيه في «الكتلة الديمقراطية» المعلقة، وفي الأغلبية الحكومية بقي حزب عباس الفاسي متمسكا بنفس الموقف، قبل أن يتراجع الحزبان المذكوران عن الدخول في مراشقات سياسية مع الأصالة والمعاصرة ويتم إقبار مصطلح «الوافد الجديد» الاتحادي الشهير، ليتصدر حزب الاستقلال ومعه حزب العدالة والتنمية واجهة المعركة مع حزب الهمة. فقد رأى الحزب الأول في استقطاب حزب الأصالة والمعاصرة عددا من أعضائه في مختلف الجهات استهدافا له، ومحاولة لتقليم أظافره وإضعاف حضوره في المشهد السياسي، تمهيدا للانتخابات التي ستجرى في عام 2012، وشن فؤاد عالي الهمة في أحد اللقاءات التي يعقدها حزبه هجوما على الوزير الأول عباس الفاسي. وجاء انسحاب الحزب من الأغلبية الحكومية قبل عامين لكي يزعزع الالتحام الحكومي بطريقة مفاجئة باغتت حكومة عباس الفاسي، وخلال الإضراب الذي شهده قطاع النقل في العام الماضي بسبب مشروع مدونة السير على الطرقات، التي وضعتها وزارة النقل للاستقلالي كريم غلاب، تدخل حزب الأصالة والمعاصرة وعقد لقاءات مع النقابات المضربة وعرض وساطته لحل النزاع، في الوقت الذي كان عباس الفاسي يستقبل النقابات الأخرى بمقر مجلس المستشارين رفقة رئيسه السابق مصطفى عكاشة، الأمر الذي قرأ فيه حزب الاستقلال محاولة من حزب الأصالة والمعاصرة لاستثمار الإضراب لغايات سياسية ضده. غير أن أحداث العيون سجلت منعطفا جديدا في المواجهة بين الحزبين اللذين فتحا جبهة جديدة، فقد خرج رئيس مجلس مدينة العيون، الاستقلالي حمدي ولد الرشيد، بتصريحات سياسية قوية على صفحات جريدة «العلم» قبل أسبوعين يتهم فيها مباشرة حزب الأصالة والمعاصرة بالوقوف بشكل غير مباشر وراء تأجيج المواجهات بمدينة العيون والتهاون في حل الأزمة بعد إقامة مخيم «اكديم إزيك»، إذ قال ولد الرشيد إن والي الجهة السابق محمد أجلموس «جاء إلى مدينة العيون لخدمة أجندة حددتها له أطراف معروفة بمواقفها الشعبوية التي أضرت بمصالح المغرب في السابق وتواصل الإضرار بهذه المصالح في الوقت الراهن»، في إشارة إلى حزب الأصالة والمعاصرة، واتهم ولد الرشيد الوالي السابق بالعمل لصالح حزب الأصالة والمعاصرة وتمهيد الطريق أمامه في أفق انتخابات 2012، إذ قال إن العيون «ابتليت بوال جديد ناصب العداء المجاني للمجلس البلدي الذي كان يقوده حزب الاستقلال، وانطلق في ممارسة العديد من الضغوطات والمناورات ضد الفريق الاستقلالي»، وبأنه عمل على «تشجيع اللوائح الانتخابية المبنية على القبلية وزرع الفتنة في صفوف المواطنين».