ابتكر الإنسان وسائل عديدة لحفظ منتجاته الغذائية منذ الأزل، ففي الماضي كان من الواجب إعداد كميات كبيرة من الطعام تحسبا لمواسم الجفاف ونقص الماء والغذاء، فكان تجفيف الأطعمة إحدى وسائل حفظها من التلف لأطول مدة ممكنة، فكما كانت هناك فواكه مجففة وبلح وتمر وبقول مجففة وأخرى طرية وغيرها، هناك أيضا اللحوم المجففة، والتي هي غالبا لحوم أغنام أو أبقار، وهو ما يسمى باللحم المقدد أو القديد بالعامية المغربية، وهو أحد الطرق المشهورة لحفظ اللحوم خصوصا لحم العيد، حيث توارثت العديد من الأسر هذه العادة القديمة جدا، والتي هي ليست حكرا على المغرب وحده، بل تمتد إلى العديد من المناطق في العالم من الشرق الأوسط و أوروبا واسيا رغم اختلاف أسمائه وطرق تحضيره والمواد المضافة إليه لأن المبدأ واحد وهو تجفيف اللحم، سواء عن طريق تعريضه للشمس في الدول المشمسة كالمغرب إلى أن يجف أو تجفيفه في أفران كما هو متبع في الدول غير المشمسة كأوربا. وتجفيف اللحم خصوصا لحم العيد كما هو في المغرب ليس بالأمر السهل فهذا يحتاج إلى مهارة ودراية وحرص كبير، لأن الإخلال بأي من مراحل التحضير سيعرض صحتنا للخطر. ويعتمد تحضير لحم القديد المغربي على تقطيع اللحم الطازج إلى شرائح رقيقة وطويلة، لأنه كلما كانت الشرائح سميكة، كلما كان من الصعب حفظها لمدة أطول، حيث من الأفضل إزالة الشحوم العالقة به كليا، ثم القيام بتمليحه بطريقة مكثفة وكاملة، كما يمكن إضافة بعض البهارات كالكركم وحبوب البقدونس وغيرها إذ إن هناك بعض الفروق في تحضيره حسب المناطق، ثم يوضع على «شبكة» ليتخلص جزئيا من رطوبته ليلة كاملة وفي الصباح يتم نشره على سلك في سطح في مكان جاف لمدة أسبوع حسب الجو مع مراعاة أن يكون السطح أو المكان الذي سيتم تجفيفه فيه بعيدا عن مصادر التلوث كعوادم السيارات أو الغبار، و يتم نشره يوميا إلى أن تغرب الشمس ليتم إدخاله وتغطيته لليوم الموالي لأنه إذا ترك منشورا طيلة الليل سيتعرض للرطوبة.