شكل انسجام وذوبان حملة الشواهد العليا، الذين يقيمون اعتصاما مفتوحا للمطالبة بحقهم في التشغيل مع حافلة الفتح الرياضي التي كانت تجوب شارع محمد الخامس على مقربة من البرلمان لحظة مؤثرة في نفوس جميع المحتفلين. إذ اغتنم المحتجون الفرصة لسرقة بعض فترات الفرحة وشاركوا الأسرة الفتحية فرحتها، معبرين بذلك عن امتنانهم لروح التحدي التي أظهرها لاعبو الفتح خلال مباراة نهائي كأس الكاف، والتي جمعتهم بفريق الصفاقسي التونسي. ففي ليلة مشهودة، ستبقى عالقة بأذهان جميع المتتبعين للشأن الرياضي الوطني، أقام فريق الفتح الرياضي حفلا خاصا على شرف لاعبيه وأطره التقنية والإدارية والطبية، عقب نجاحه في تحقيق إنجاز تاريخي، تمثل في فوزه بلقب مسابقة كأس العرش وكأس الاتحاد الإفريقي، في حيز زمني لم يتجاوز تسعة أيام. وتقاسم الفريق الفتحي فرحة التتويج بالكأسين مع جميع الجماهير الرباطية، من خلال التجول بهما على متن حافلة، جابت معظم شوارع وأزقة العاصمة. بداية من شارع الحسن الثاني، مرورا بشارع محمد الخامس، وصولا إلى ساحة البريد ومنها إلى شارع النصر، ثم العودة إلى المجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله. وعلى طول الشوارع المذكورة وجدت حافلة الفتح تفاعلا كبيرا وردة فعل إيجابية وتلقائية من طرف جحافل الجماهير، التي ظلت تترقب مرور الموكب الفتحي لساعات طويلة. لكن أجمل المشاهد هي التي جسدتها جماهير الجيش الملكي والرجاء البيضاوي، التي رددت شعارات جميلة أشادت بانتصار الفتح، واعتبرته انتصارا لكرة القدم المغربية التي عاشت نكسات عديدة خلال السنوات الأخيرة، سواء على مستوى المنتخبات أو الأندية. كما ظهر جليا مدى تفاعل الأجهزة الرسمية مع إنجاز الفتح، من خلال الحضور الوازن لشخصيات بارزة، تقدمها وزير الشباب والرياضة، منصف بلخياط، ووزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة، خالد الناصري، وعمدة مدينة الرباط، فتح الله ولعلو، ووالي جهة الرباطسلا زمور زعير بالإضافة إلى علي الفاسي الفهري، رئيس الجامعة الملكية المغربية لكرة القدم. وشهد كل هؤلاء على الكيفية الراقية التي يكرم بها فريق الفتح أبناءه المتألقين على المستوى القاري، والتي زادها جمالا ورونقا صعود كل فرد من مكونات الفريق إلى منصة التتويج، وفي هذا الصدد لم يتم بتاتا إقصاء أي فرد، بمن في ذلك سائق الحافلة والمسؤول عن الأمتعة وباقي جنود الخفاء الذين يعملون في صمت وبعيدا عن الأضواء. وكان كل فرد يصعد فوق المنصة إلا ويجد أمامه عاصفة من التصفيق، كانت تتفاوت درجتها بتفاوت الأداء داخل أرضية الملعب، وهي أجواء قال عنها اللاعب النيجيري الحسن إيسوفر بأنها تشبه الحلم، مضيفا أنه حرص على توثيق وتصوير كل هذه اللحظات كي يتباهى بها عندما يحل بوطنه. وفي نفس الإطار قال إيسوفر إنه سبق أن فاز بكأس الكاف رفقة فريق أسيك أبيدجان الإفواري، لكن شتان بين أجواء الاحتفال تلك وبين ما رآه خلال احتفالات الفتح بنفس اللقب. لكن اللحظة التي صعد فيها المدرب الحسين عموتة الذي كان مصحوبا بابنه إلى المنصة، كانت فعلا هي اللحظة الفاصلة في الحفل، وهي لحظة انتظرها الجميع ليقول لهذا المدرب الشاب: «شكرا لأنك أهديتنا فرحة كان الجميع يتوق إليها ويتمناها كي ترفع الغبن عن الكرة المغربية التي ظلت في الآونة الأخيرة أسيرة الانكسارات والهزائم المتكررة». لكن أجمل لحظات الحفل وأكثرها إثارة وجمالية هي التي تجسدت في إطلاق الشهب الاصطناعية التي خلقت لحظات متعة تقاسمتها كل ساكنة العاصمة الرباط، بعد إطفاء أنوار المجمع الرياضي الأمير مولاي عبد الله، ما أضفى على المنظر العام شاعرية كبيرة، يصعب وصفها وتجسيدها على الورق، ليس فقط من ناحية الألوان الزاهية والجميلة التي رسمتها في سماء مدينة الرباط ولكن كذلك من خلال التفاعل الجماهيري معها، في لحظات ستظل تاريخية ومنقوشة بمداد الفخر والاعتزاز. من ناحية أخرى، منع أحد الحراس المكلفين بالتنظيم كريم العكاري، الكاتب العام لوزارة الشباب والرياضة، من صعود حافلة الفتح، عندما كانت تستعد للقيام بجولة عبر مختلف أنحاء العاصمة الرباط ، وذلك أمام أنظار مدير ديوان وزير الشباب والرياضة معاد حجي، نتيجة عدم تعرف الحارس على هوية العكاري الذي آثر الانسحاب في صمت دون إثارة المشاكل. وبهذه المناسبة أعرب الحسين عموتة، مدرب فريق الفتح، عن ارتياحه لكون هذا الفوز التاريخي خلف صدى طيبا لدى جميع المغاربة. وقال: «لقد تمكنا في الواقع من رفع تحد خاص بالنادي، لكن الأهم بالنسبة إلينا هو الارتياح الكبير الذي خلفه هذا الإنجاز في جل ربوع المملكة». وبتواضعه المعهود، أردف المدرب الشاب أن هذا الإنجاز يكرس النجاح والعمل الكبير الذي تقوم به جميع الأطر الوطنية التي ما فتئت تشرف كرة القدم الوطنية.