ما زالت الولاياتالمتحدةالأمريكية تعيش على وقع المفاجأة التي أحدثها كتاب صدر هذه السنة يحمل عنوان «حقيقة ما حدث... داخل البيت الأبيض في عهد بوش وثقافة الخداع في واشنطن». وليس مؤلف الكتاب سوى أحد رجال بوش السابقين، بل الناطق الرسمي باسم البيت الأبيض لمدة قاربت الثلاث سنوات، إنه سكوت ماكليلان الذي يكشف في كتابه هذا « كيف ضلل جورج بوش العالم وزور تقارير مخابراتية لكي يغزو العراق». انطلاقا من موقعي كسكرتير مكلف بالعلاقات مع الصحافة، أمضيت ساعات لا تعد ولا تحصى في الدفاع عن إدارة الرئيس بوش من منصة قاعة الندوات الصحافية في البيت الأبيض. ورغم أن الأشياء التي قلتها آنذاك قلتها وأنا أومن بها، فإنني توصلت لاحقا إلى أن البعض منها كان مغلوطا. النقطة التي أفاضت الكأس وأفرزت فكرة هذا الكتاب هي فضيحة تسرب معلومات مصنفة كمعلومات أمن قومي، والتي أطلق عليها اسم « قضية بليم». لقد أثارت هذه القضية جدلا كبيرا حول الوسائل المخابراتية التي استعملتها إدارة بوش لكي تبين أن «عراق صدام حسين» كان يشكل خطرا كبيرا محدقا يجب القضاء عليه تماما. لطالما كانت جامعة تكساس بالنسبة إلي وإلى عائلتي جامعة مميزة، فقد كان جدي بيج كيتون، رحمه الله، العميد الأسطوري الذي قاد كلية الحقوق بهذه الجامعة إلى المكانة المميزة التي تحتلها اليوم على الصعيد الوطني. كبرت وترعرعت في أوستن بولاية تكساس حيث توجد هذه الجامعة، ومنها تخرجت وحصلت على الإجازة. كثيرا ما كنت أرتاد البناية المركزية في الجامعة حيث كنا نحن الطلبة آنذاك نردد الأناشيد الدينية، ولازلت أذكر تلك العبارة المنقوشة على المدخل الجنوبي للبناية والتي تقول: «يجب أن تعرف الحقيقة، فالحقيقة هي ما يجعلك حرا». كانت هذه الكلمات تثير، دائما، فضولي كإنسان مؤمن وكإنسان عادي مهتم كثيرا بمعرفة المعنى الأوسع للحياة، غير أني لم أقدر معناها إلا خلال السنوات القليلة الماضية. وربما أفضل نعمة أنعم الله علينا بها هي القدرة على التعلم من تجاربنا، وخاصة من أخطائنا، لكي نطور ذواتنا ونصبح أشخاصا أفضل. تحب والدتي، التي بدأت حياتها المهنية في الوظيفة العمومية كأستاذة للتاريخ، أن تقول لي دائما: «ليست الأحداث من يصنع التاريخ بل الناس»، وقد كانت على حق، فجذور التاريخ نابعة من اختيارات الناس، الصائبة منها والخاطئة». يتناول هذا الكتاب قطعة من التاريخ عشتها خلال السنوات التي قضيتها في البيت الأبيض، كما يتناول جماعة من الناس، من بينهم أنا، الذين صنعوا هذا التاريخ. لم أكتب هذا الكتاب لكي أصفي حسابات أو لكي ألمع دوري في صنع هذا التاريخ، ولكني كتبته فقط لكي أسجل ما أعرفه وما تعلمته، آملا أن يعمق ما حكيته فهمنا لتاريخنا المعاصر، وخاصة الأحداث التي تلت الهجمات المأساوية في الحادي عشر من شتنبر. بدأت الكتابة بوضع نفسي أولا تحت المجهر، وتذكرت أنني عندما قبلت أن أكون سكرتير البيت الأبيض المكلف بالعلاقات مع الصحافة والناطق باسمه وأنا في سن الخامسة والثلاثين، وبالتالي أن أمتلك خبرة ولو يسيرة في لعبة السلطة التي تجري أطوارها في العاصمة واشنطن، لم أكن أفهم جيدا ما ورطت نفسي فيه. اليوم أفهم الأمر جيدا وهذا الكتاب هو تدوين للمرحلة الصعبة التي عشتها لكي أصل إلى هذا الفهم. بذلت ما في وسعي طوال الوقت من أجل أداء واجبي نحو نفسي ونحو الرئيس الذي خدمته ونحو الشعب الأمريكي، لكني فشلت. حاولت أن ألعب لعبة واشنطن حسب القواعد الجاري بها العمل في ذلك الوقت، لكني لم ألعبها جيدا، لأنني لم أحافظ على صدقي مع نفسي ولا على صدقي مع الآخرين، كان الذنب ذنبي وقد عانيت من عواقب ذلك. انطلاقا من موقعي كسكرتير مكلف بالعلاقات مع الصحافة، أمضيت ساعات لا تعد ولا تحصى في الدفاع عن إدارة الرئيس بوش من منصة قاعة الندوات الصحافية في البيت الأبيض. ورغم أن الأشياء التي قلتها آنذاك قلتها وأنا أومن بها، فإنني توصلت لاحقا إلى أن البعض منها كان مغلوطا. في هذه الصفحات، حاولت أن أوضح بعض الحقائق التي جعلتها الحياة داخل فقاعة البيت الأبيض تبدو ضبابية. أصدقائي وزملائي السابقون الذين عاشوا وعملوا معي في البيت الأبيض أو الذين مازالوا يعيشون داخل تلك الفقاعة ربما لن يكونوا سعداء بوجهة نظري التي أعرض لها هنا، وأنا واثق أن الكثيرين منهم لازالوا مقتنعين بأن إدارة بوش كانت محقة حتى في أكثر قراراتها السياسية إثارة للجدل، لكن الزمن وحده كفيل بأن يبين لهم الحقيقة، أما أنا فقد أصبحت مقتنعا بشيء مخالف تماما. القطرة التي أفاضت الكأس وأفرزت فكرة هذا الكتاب هي فضيحة تسرب معلومات مصنفة كمعلومات أمن قومي، والتي أطلق عليها اسم «قضية بليم». لقد أثارت هذه القضية جدلا كبيرا حول الوسائل المخابراتية التي استعملتها إدارة بوش لكي تبين أن « عراق صدام حسين» كان يشكل خطرا كبيرا محدقا يجب القضاء عليه تماما. وعندما تم فضح الهوية السرية لمسؤولة من وكالة الاستخبارات الأمريكية في خضم ما نتج عن ذلك من جدل بين مناصري ومناهضي الحرب، تطور الجدل ليصبح فضيحة واشنطن الأخيرة. وكنت أنا في مركز الخدعة التي حصلت، فكانت تلك نقطة التحول حين كنت أعمل مع الرئيس، وواحدة من أقسى تجارب حياتي. عندما افتضح الأمر وظهر أن الكلمات التي كنت أنطق بها وأنا مقتنع بكونها صحيحة هي كاذبة، كنت واقعا تحت ضغط واجباتي وولائي للرئيس وغير قادر على التعليق على الأمر، لكني وعدت الصحافيين والرأي العام بأنني يوما ما سأحكي القصة التي أعرفها كلها. بعد مغادرتي البيت الأبيض، أدركت أن القصة التي أعرفها ستكون بلا معنى إذا لم يتم توضيح السياق الشخصي والسياسي والمؤسساتي الذي حصلت في إطاره، وهكذا تطورت القصة لكي تصبح كتابا. الكثير من القراء سيقرؤون هذا الكتاب فقط بدافع الفضول الذي يجذبهم إلى معرفة المزيد حول الرجل الذي يعتبر الشخصية المحورية في قصتي، جورج والكر بوش. سوف تكتشفون وأنتم تقرؤون هذه الصفحات الكثير عن علاقتي به وعن تجاربي كعنصر في الفريق الرئاسي للرئيس بوش. ودعوني أخبركم بأن الكثير مما يعرفه الرأي العام عن الرئيس جورج بوش صحيح، فهو رجل ذو شخصية جذابة وحكمة وخبرة سياسية هائلة... على الورق، كان الفريق الرئاسي الذي كونه بوش متميزا، كان نائب الرئيس ديك تشيني رجلا جادا ذا خبرة كبيرة في أعلى المستويات الحكومية. وزير الدفاع دونالد رامسفيلد كان قد قضى مسبقا فترة عمل في البنتاغون وله سيرة مهنية مليئة بالإنجازات في مجالي الأعمال والحكومة. وزير الداخلية الأمريكي كولن باول قائد عسكري قدير ويحظى باحترام واسع، وكان بإمكانه أن يصبح بسهولة أول رئيس أمريكي من أصل إفريقي لو أنه أراد ذلك. لهذا، آمنت بكفاءة بوش كرئيس وبأجندته من أجل الولاياتالمتحدة.