«لقد وصلت العلاقات مع المغرب إلى أحسن مستوياتها في تاريخ إسبانيا بأكمله»، عبارة نبس بها في بداية الشهر الحالي النائب الاشتراكي سلفادور دي لا انسينان المكلف بحل مشاكل الحزب الاشتراكي في سبتة والذي تعد عبارته قاطرة بالنسبة إلى الاشتراكيين الإسبان، بيد أن الحركية الاقتصادية للمدينة التي ولد بها باتت مهددة في الأمد القصير بسبب الانفتاح التجاري التدريجي للمغرب الذي سيضع حدا نهائيا للتهريب. وهذا التحدي هو أحد المسائل المفتوحة والمتعددة في العلاقات بين البلدين، بيد أنه لم يظهر في الأجندة بين الملك محمد السادس وثباتيرو في وجدة، كما أن الحوار بين العاصمتين لا يعطي أكله عندما يتعلق ببعض المواضيع الأساسية مثل تحديد المنطقة الاقتصادية البحرية في المياه الفاصلة بين الحدود المغربية وجزر الخالدات، وبما أن الحدود الفاصلة لم يتم ضبطها بعد، فإن الحكومة لن تسمح بإعطاء تراخيص لشركة ريبسول من أجل إجراء تنقيبات بترولية بجانب الجزر الشرقية. فبماذا ينفع الحفاظ على علاقات صداقة مع الجار الجنوبي منذ استقلاله عام 1956، باستثناء الهجرة السرية، بدون أن يتم حل بعض القضايا الرئيسية؟ راهن خوسي لويس رودريغيث ثباتيرو منذ سنوات كثيرة وقبل وصوله إلى السلطة عام 2004 على المغرب، لذلك سافر إلى الرباط عام 2001 في ذروة الأزمة المغربية الإسبانية، ولأجل ذلك أيدت الدبلوماسية الإسبانية المبادرة المغربية حول الحكم الذاتي من أجل حل قضية الصحراء، مثلما أن المغرب هو أكبر مستفيد من الدعم الخارجي الإسباني في مجالات التنمية. كما أشاد الملك محمد السادس في أكثر من مناسبة ب«الخصال الرفيعة على المستوى السياسي والإنساني» في برقيات التهنئة التي كان يبعثها لثباتيرو، بل وصل الأمر إلى حد إرسال جيشه في أكتوبر 2005 من أجل حماية سبتة ومليلية، المدينتين اللتين يطالب باسترجاعهما، من هجومات المهاجرين السريين الأفارقة. وقبل أربع سنوات، طلب الملك محمد السادس من ثباتيرو ألا يهتم بشأن مدينتي سبتة ومليلية بحكم أنهما ليستا ضمن أولوياته، فمحمد السادس ليس أقل وطنية من والده الحسن الثاني، بل هو فقط أكثر برغماتية، لقد ركز على تنمية الأقاليم الشمالية للبلاد في الوقت الذي عمد فيه والده إلى معاقبة هذه المناطق باعتبار سكانها متمردين، بتشييده الموانئ والمناطق الحرة والطرق السيارة، وكذا إطلاق أول قطار سريع في القارة الإفريقية عام 2016، عرف المغرب في السنوات الأخيرة أكبر حركية للتغيير، وأمام ملك يحمل كل هذا الاستعداد فشلت الدبلوماسية الإسبانية في أن تجعله في صفها. وتحذر مارغاريت الوبيث الميدريث، رئيسة الغرفة التجارية بمليلية، بشكل مستمر من أن «سبتة ومليلية هما مدينتان بتاريخ صلاحية ينتهي في عام 2012، عندما يرفع المغرب الحواجز الجمركية أمام الاتحاد الأوروبي حيث لن يبقى للتهريب أي معنى». التهريب يعد أحد المحركات الاقتصادية الرئيسية، لكون الصادرات غير القانونية لمدينة مليلية تجاه المغرب وصلت عام 2006 إلى 440 مليون أورو، حسب إحصائيات مندوبية الحكومة، ورغم أنه لا توجد إحصائيات جديدة بالنسبة إلى مدينة سبتة بيد أن المستشار الاقتصادي لويس كارييرا يقدم إحصائيات بكون هذا الرقم وصل عام 2005 إلى 500 مليون أورو، وهو ما يعني أن سكان سبتة ومليلية الذين يبلغ عددهم 140 ألف يبيعون للمغرب حوالي نصف صادرات إسبانيا إلى الصين، وإذا أضفنا هذه الأرقام إلى الصادرات الرسمية الإسبانية، فإن شبه الجزيرة الإيبيرية هي أول شريك تجاري للمغرب متجاوزة بذلك فرنسا. والواقع أن مليلية تتوفر على بعض الحظ من أجل مواجهة تحدي رفع المغرب للحواجز الجمركية، بحكم أنها تمتلك جمارك تجارية مع المغرب، ولكون الرباط أرادت أن تحافظ عليها بعد الاستقلال قصد تصدير معادن الريف عبر الميناء الوحيد الذي كان يوجد في تلك الفترة في المنطقة، فالتبادل القانوني عبر بني انصار والجمارك المحلية تتزايد أهميتها مع مرور الوقت، أما سبتة فإنه محكوم عليها بالإعدام بحكم أنها لا تتوفر على حدود تجارية مع المغرب، لذلك فإنه لم يكن ممكنا على سبيل المثال نقل 72 سيارة أهدتها وزارة الداخلية الإسبانية عبر المعبر الحدودي تاراخال، لأن كل ما يمر من هناك هو مجرد مواد مهربة، وفتح المغرب للحدود يمكن «أن يساهم في اختفاء الاقتصاد غير المهيكل»، يقول الاقتصادي خواكين أراندا في تقرير له رفع إلى الكورتيس. مثلما أن رجال الأعمال بسبتة راسلوا وزارة الخارجية مرتين في هذا الشأن وتحدث رئيس الحكومة المحلية خوان بيباس مرتين مع ثباتيرو في هذا الأمر، فالمدينة تطالب من الحكومة المركزية بأن تقوم بفتح مفاوضات مع الرباط من أجل امتلاك جمارك تجارية، هكذا فقط يمكنها أن تعيش اقتصاديا، بيد أن الحكومة الإسبانية لم تقم حتى بإبداء استعدادها لفتح الموضوع مع المغرب. وبعيدا عن دعم هذا المطمح السبتي، فإن الحكومة يلزمها اقتناص الفرصة من أجل عرض تصور شامل ووضعه بين يدي الرباط قصد الإدماج «الإيجابي» للمدينتين في المحيط المغربي عبر الاستفادة ما أمكن من سياسة الجوار الجديدة التي ينهجها الاتحاد الأوروبي والتي يمكن تحقيقها دون فقدان السيادة الإسبانية ودون أن تتوقف الرباط عن المطالبة باسترجاع المدينتين. أما الآن، فإن المدينتين مندمجتان في المحيط المغربي بطريقة عشوائية. «الاقتصاد غير المهيكل يمنع ظهور اقتصاد حقيقي»، يشتكي إدريس بنهيمة الذي كان يدير المؤسسة المغربية المكلفة بتنمية المناطق الشمالية للمغرب، فالتهريب يوفر على سبيل المثال 45 ألف منصب شغل مباشر و40 ألف منصب شغل غير مباشر في المغرب حسب غرفة التجارة الأمريكية بالدار البيضاء، لكنها مناصب شغل رديئة يشغلها الآلاف من الحمالين الذين يقطعون الحدود يوميا. «إن كل منصب شغل في التهريب يؤدي إلى ضياع أو خلق حوالي عشرة مناصب شغل قانونية»، تؤكد الغرفة الأمريكية. تفتقر سبتة إلى مطار، أما مليلية فإن المطار الذي يوجد بها صغير إلى درجة لا يمكنه معها حتى استقبال طائرات متوسطة الحجم، وللهبوط به يبدو ضروريا اختراق الأجواء المغربية، لماذا لا نقترح على الرباط تشييد مطار مشترك بين سبتة وتطوان ومليلية والناظور؟ يكفي تقليد نماذج المطارات في جبل طارق، فحتى عام 1969 كان لمليلية والناظور مطار مشترك معروف ب«التويمة»، كان يسير بطريقة مشابهة لتلك التي يسير بها حاليا مطار جبل طارق، هناك أشياء كثيرة يمكن القيام بها في هذا الباب. يتعاون المغرب وإسبانيا أحيانا بشكل مدهش تاركين جانبا نعراتهما الوطنية، لكنهما يفعلان ذلك في الخفاء، فطائرات الهيلكوبتر التابعة للحرس المدني الإسباني تخترق كل لية الأجواء المغربية بحثا عن فيالق المهاجرين السريين الأفارقة ويتم ذلك بعلم الرباط، مثلما أن طائرات الميراج إف1 المغربية تخترق أحيانا المجال الجوي لجزر الخالدات دون أن تحرك هيئة أركان الدفاع ساكنا. إيل باييس: ايغناسيو سيمبريرو