في صباح يوم عيد الأضحى، تعرف كل الأكباش، بغريزتها الحيوانية، أنها تُساق إلى حتفها، لذلك يتصرف كل كبش بما يليق به وبطبعه.. وبضميره أيضا. هناك أكباش تذهب طائعة مختارة للذبح، وتبدو في يد ذبّاحها مثل عبد مأمور. تنقاد مستسلمة وهي تنظر إلى جزارها بانهيار واضح. وعندما يسقط الكبش أرضا بقوة رجلين أو ثلاثة، لا يبدي تعنتا كبيرا، ويرفع رأسه إلى السماء كأنه يفهم جيدا أن هذا المصير الدموي من الأفضل أن يكون اليوم عوض أن يكون غدا ما دام الذبح آتيا آتيا. من قال إن الأكباش لا تفكر؟ هناك أكباش تحس بأن عمرها قصير أكثر من اللازم، لذلك تتعنت وتتحول إلى ما يشبه صخرة عملاقة لا أحد يستطيع تحريكها. إنها أكباش ترفض الذبح وتقاوم حتى آخر لحظة. تقفز وتنطح وتثغو (تبعبع) وتركل وتجحظ بعيونها كأنها تحاول إخافة ذباحها. إنها أكباش تقاوم مصيرا لا بد منه.. أكباش ترفض أن يكون قدرها على هذه الطريقة المحزنة. هذه الأكباش ترفض الموت حتى بعد الذبح، وعادة ما تقف بعد ذبحها بينما الدماء تنزف من عنقها. من قال إن الأشجار وحدها تموت واقفة؟ هناك أكباش تخاف الذبح أكثر مما يجب. في الغالب تموت هذه الأكباش بجلطة دموية في المخ، خصوصا عندما ترى رفاقها تذبح وتسلخ بلا رحمة أمام عيونها من طرف جزارين. هذه الأكباش لها إحساس مرهف وحس كبير للتضامن، لذلك عندما ترى رفيقاتها في المسلخ ولا تستطيع أن تفعل شيئا، فإنها تموت من قوة الصدمة. من قال إن الأكباش لا تحس؟ هناك أكباش تفضل انتظار مصيرها بنوع من الاكتئاب المزمن، حيث تتوقف عن تناول الطعام والمشرب وتفضل الانزواء وهي تجتر الفراغ. من قال إن الأكباش لا تكتئب؟ هناك أكباش ترفض بشكل مطلق مبدأ الذبح، وتعتبر أن مرور سكين على عنقها يعتبر إهانة كبيرة في حقها، وتفضل الموت بطريقة مختلفة، لذلك عادة ما تقوم بعمليات انتحارية قبل العيد بأيام، وأحيانا قبل عمليات الذبح ببضع ساعات أو لحظات. وأغلب هذه الأكباش تقفز من السطوح وتلقى حتفها فورا بحيث تصبح غير جائزة التضحية بها، ويتم دفنها في مكان ما. من قال إن الأكباش لا كرامة لها؟ إنها أكباش تطبق قول الشاعر المتنبي: إذا لم يكن من الموت بد // فمن العار أن تموت جبانا هناك ظاهرة أخرى غريبة في أيام عيد الأضحى، وهي أن الأغلبية الساحقة من الأكباش لم تعد تثغو (تبعبع) كما كانت تفعل في الماضي. ربما أدركت الأكباش، بعد تجربة طويلة ومريرة، أن الاحتجاج لم يعد يفيد في شيء، وأنه سواء «بعبع» الكبش أو بقي صامتا فإنه سيساق لا محالة نحو حتفه. وفي الماضي، كانت الأحياء الشعبية المغربية تتحول إلى مهرجان مفتوح ل«البعبعة»، خصوصا في الليلة التي تسبق العيد. وكنا نعتقد ونحن صغار أن هذه الأكباش تتبادل كلاما سريا بينها أو أنها تعد مخططا رهيبا للفرار. لكن بعد ذلك عرفنا أنها كانت تعلم البشر فضيلة الحوار، خصوصا وأن كل كبش «يبعبع» يصمت فورا حتى تنتهي كل الأكباش من «البعبعة». فلا يوجد كبش «يبعبع» مرتين متتاليتين بحضور الأكباش الأخرى. لكن الشيء المحير أكثر هو الطريقة التي تنظر بها الأكباش إلى عيون ذبّاحها في اللحظات الأخيرة التي تسبق الذبح. وكل من ينظر مليا في عيون كبش منبطح أرضا وينتظر مرور السكين على عنقه لا بد أن يقرأ فيها السؤال التالي الموجه إلى حامل السكين: لماذا تذبحني.. هل أنت أفضل مني؟