جرت العادة على أن تفسخ الحكومات أو يشملها التغيير في بداية أو في أواسط الأسبوع. لكن الرئيس نيكولا ساركوزي شذ عن هذا الطقس بوضعه حدا للتكهنات والتخمينات التي دامت ستة أشهر والتي ارتدت سلبا على شعبيته. وبهذا القرار، أراد أيضا توفير البرهان على أنه يبقى سيد المبادرة. وقد تعرف خبراء الشأن الإعلامي في هذا الإجراء على الدهاء الإعلامي لساركوزي الذي أراد خلق حدث سياسي مرشح لأنْ يشغل الرأي العام وأن يكون أمّ الأحداث طيلة الأسبوع الجاري. ويعطي ساركوزي الانطباع بأنه يصارع الزمن بعد البلبلة التي خلقها من حول تلميحاته بأن يعين تارة جان لوي بورلو وزيرا أول، وتارة أخرى فرانسوا فيون أو دومينيك لاغارد، وزيرة المالية سابقا. يبقى أن تكريس فرانسوا فيون على رأس الوزارة الأولى ليس منة من ساركوزي أو اعترافا منه بمهنية وإنجازات الوزير الأول بل اضطرارا منه إلى تعيينه، على مضض، مع العلم بأنه يعرف جيدا بأن «تسريح» فيون قد يؤثر عليه سلبا، خصوصا وأن الرجل يحظى بشعبية محترمة في أوساط الرأي العام الفرنسي، وذلك بتأكيد من استفتاءات الرأي التي تبرز تفوق فيون على ساركوزي، لذا تعتبر إعادة تعيين فرانسوا فيون وزيرا أول هزيمة لساركوزي، إذ بعدما تجرع الوزير الأول عصير الحنظل الذي أعده له ساركوزي، نجح أخيرا في فرض أسلوبه وثقله كشخصية سياسية وازنة لا يمكن تهميشها بسهولة أو الاستغناء عنها. هل يعني ذلك أن ساركوزي أصبح أكثر براغماتية، وأن إعادة اختياره لفرانسوا فيون تبقى في الأخير تعيينا لقائد حربي قادر على جر الجيوش إلى ميدان معركة الاستحقاق الرئاسي القادم؟ لذا فإن حكومة فيون الثالث «حكومة حرب».. حكومة مصغرة تتألف من 26 وزيرا وكاتب دولة بدل 37 حاليا. وتجنيد ألن جوبي، الذي شغل منصب وزير أول في عهد جاك شيراك، يدخل في هذا الإطار، إذ عين وزيرا للدفاع خلفا لهيرفي موران. خلافا لدومينيك دو فيلبان الذي بقي وفيا لجاك شيراك ولحقده على ساركوزي، لم يتردد عمدة مدينة بوردو في الالتحاق بمجموعة ساركوزي، الذي يقال عنه إنه عانى دائما من «عقدة ساركوزي». ومن الباب الخلفي، خرجت فاضلة عمارة التي تألقت بشللها في منصب صوري، وكذا بيرنار كوشنير الذي كان مكوكا بلا محرك! وقد خلفته ميشال آليو ماري على رأس وزارة الخارجية. كما غادر الحكومة كل من راما ياد وإيريك فورث وجان-لوي بورلو. ومكافأة لحسن سلوكهما في طرد الأجانب وتضييق الخناق على الضواحي، احتفظ ساركوزي بإيريك بيسون، الذي عين وزيرا للصناعة فيما احتفظ بريس هورتفوه بمنصبه كوزير للداخلية. وجاء إلى وزارة الهجرة التي ألحقت بوزارة الداخلية بديل بيسون، تييري مارياني. بعد ستة أشهر من الترقب والتكهنات والمضاربات، أخرج الرئيس ساركوزي من قبعته أخيرا أرنبا تبين في الأخير أنه لا يعدو كونه محصلة «كلوناج» بلا جاذبية.